شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الحركات الإسلامية بين الجهاد الشامل والعمل الدعوي

الحركات الإسلامية بين الجهاد الشامل والعمل الدعوي
كثيرا ما تختلط الصيحات التي سئمت من حال "المسلمين" اليوم واستفحال الطغيان والظلم منادية بـ"الجهاد" كحل نهائي و فعال لمعضلة استقلال الأمة ومواجهة طواغيتها وجلاديها ، ومهاجمة الجسد الأكبر من الحركات "الإسلامية/المجتمعية" ذات ال

كثيرا ما تختلط الصيحات التي سئمت من حال “المسلمين” اليوم واستفحال الطغيان والظلم منادية بـ”الجهاد” كحل نهائي و فعال لمعضلة استقلال الأمة ومواجهة طواغيتها وجلاديها ، ومهاجمة الجسد الأكبر من الحركات “الإسلامية/المجتمعية” ذات الإنتشار الاجتماعي والدعوي، كونها تسببت في تدجين الأمة أمام الطغاة وحافظت على إرث المواجهة بـ”الصبر” بدلاً عن الأصل القرآني (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم)، وتحويل نظر المسلمين عن هذا الحل الناجع وهو إعلان الجهاد “الشامل” على الطغيان في كل البقاع والتخلي فورًا عن ممارسة العمل ذو الطبيعة “السلمية” والمهادنة ، وتوجه هذه الدعوات دوما للحركات الإسلامية الكبرى ذات الانتشار المجتمعي في مصر مثلاً وباكستان وبنجلاديش ودول الشرق الأوسط .. ولي في هذه الدعوات “تفصيل” ..

هذا التفصيل الذي أراه هو أن الجهاد يحتاج إلى تهيئة بيئته أولاً.. بمعنى أنه لو تم اتخاذ قرار ما بإعلانه و بتنفيذه يجب أن يسبقه مرحلة إعداد الصراع نفسه ليتقبل احتمالية العمل المسلح ثم يصل لمرحلة “أعراض عنيفة” بشكل عمليات انتقام .. ثم تدريجيًا مع اتساع الخصومة تتسع المواجهة .. كما يجب أن تتحول البيئة الحاوية للعمل الجهادي لبيئة “خصومة” مجتمعية حقيقية مع السلطة .. دون ذلك تظل فكرة العمل المسلح في داخل الديموغرافيا الكثيفة “التواجد السكاني الكثيف” والمناطق ذات الاستقرار النسبي عملاً هائجًا خاصة إذا اندمجت فيه جماعات ضخمة ذات طبيعة اجتماعية وليست قتالية ..

لذلك لا تنجح التجارب الجهادية من هذا النوع إلا في مناطق الخلخلة والازمات المجتمعية العميقة، ويعد إنشاء حالة جهادية في مناطق “العجز” أو مناطق الاستحالة أمرًا خاضعًا للتقدير البشري وليس لنفاذية النص الديني ذاته، بمعنى أن النص بالجهاد ربطه فقهاء المسلمين بالقدرة المحتملة أو بالمواجهة المحتمة التي لا مفر منها في حالة الدفع ..

لذلك “الجهاد” صحيح أنه أمر شرعي لكنه خاضع للتخطيط والاستراتيجية .. ونجاح التجارب في مناطق وفشلها في مناطق راجع للسنن والسلوك والتخطيط والخطاب المجتمعي .. وهذه أمور يجب أن تراعى وتدرس وتفهم جيدًا .

ما نننتقده على الحقيقة هو أن تزيل الجماعات الاسلامية فكرة “الجهاد” ذاتها وفكرة القتال وتدجن اتباعها ليضحوا كالفراخ.. وتضحي مناهجها منقحة من الجهاد؛ اللهم إلا في معرض السير أو في معرض “الصبر”.. لكن الدعوة لممارسة الجهاد “القتالي” ذاتها فهي أمر خاضع لدراسات الواقع وليس لمجرد الإذن الشرعي.

وإن كان يصح في حالات أن تبدأ حالة “القتال” من خلال مجموعات طليعية صغيرة متمايزة عن الجسد المجتمعي الكبير للحركة الإسلامية، فربما لا يصح أن تدخل الحركة الإسلامية “المجتمعية” هذه الحالة بشكل شامل إلا في أوقات متأخرة.. وبجوار هذه الحالة تستمر “الحركات المجتمعية الكبرى” في تأجيج الوضع الاجتماعي والسياسي مما يسهم في الخلخلة التي تتيح للمجال القتالي فرصة أكبر ، دون أن تقف بتنظيرها ضد فكرة الجهاد والاشتباك.

ولحين الوصول للحالة الشاملة، فدورنا ودور الكثيرين هو عملية الانتقال بالعقل المسلم من الحالة “الداجنة” إلى حالة الحمية الحقيقية.. إذا كان هناك مصطلح يسمى “تثوير” المجتمع.. فنحن نحتاج لمصطلح “تثوير الإسلاميين”.. وهذا دور الطلائع التي تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة والترغيب والترهيب .. فدعوة الإسلاميين إلى طريق الحق هي من جنس دعوة الناس إلى طريق الدين .. هذه عملية مهمة، ويجب أن تفترض أولاً في الناس الخير ثم تعمل على استخراجه منهم.

وبإمكان من لديه استطاعة العمل الميداني “الطليعي” في مناطق صعبة في حالات الاشتباك الشامل أن يعمل، ويجب أن نتوقع شغبًا لفظيًا أو حتى ميدانيًا بين الفريق الطليعي والفريق الآخر، وهذا من الطبيعة البشرية.

لن أدّعي أن هذه الرؤية “شرعية” ١٠٠٪ .. لكنني استقيها من واقع اطّلاعي ومن وجهة نظر تخطيط واستراتيجية مستأنسة بالشرع ولا تخرج عنه.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023