عقد مؤتمر المانحين الذى دعا إليه الملك عبد الله بن عبد العزيز بمدينة شرم الشيخ فى الفترة من 13-15 مارس، ولا أدرى لماذا أصرت الدولة على عقد المؤتمر يوم الجمعة، ومن المعلوم إن هذا اليوم عيد للمسلمين فى أرجاء العالم، فضلا عن أنه إجازة رسمية للدولة المصرية.
وبغض النظر عن ذلك فإن القاهرة تمر بظروف اقتصادية صعبة، فكان لا بد من التفكير فى إنهاء هذه الأزمة الاقتصادية، وكأن الحل هو عقد هذا المؤتمر، لكن قبيل انعقاده بأيام أرسلت الحكومة المصرية عدة رسائل فعلية إلى المستثمرين، كان أهمها:
1- أن الحكومة غير قادرة على خلق وضع سياسى مستقر، فالاستقطاب السياسى ما زال يملأ المجتمع المصرى بأكمله، والحديث عن المبادرات والمصالحات بين الأطراف المتنازعة (الإخوان والجيش) يملأ القنوات وصفحات الجرائد، فضلا عن إخفاقها فى إجراء الانتخابات البرلمانية، كل هذه رسائل بعدم استقرار الأوضاع فى مصر حاليا.
2- أن الحكومة لا تستطيع إقامة شبكة طرق آمنة ومطابقة للمواصفات العالمية، فالطرق الحالية لا تخدم سيارات المواطنين وأوتوبيسات المدارس، فأنّى لها أن تستخدم لشاحنات المستثمرين؟!
3- أن الحكومة لا تستطيع توفير المواد البترولية لمواطنيها (الغاز – السولار) رغم انخفاض الأسعار العالمية لهذه المواد، فكيف يمكن أن توفر للمستثمرين الكميات الكبيرة التى سيحتاجونها من الطاقة؟!
4- أن الحكومة المصرية أخفقت فى إنشاء بنية تحتية (كهرباء- مياه- صرف صحى) للشعب المصرى، فهل ستتمكن من توفير هذه البنية التحتية للمستثمرين فى ظل العجز الذى تعانيه تلك الحكومة، سواء فى الكهرباء أو المياه؟
5- أن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستورية تشريعات إجراء الانتخابات التى سنتها الحكومة، فمن سيضمن أن التشريعات التى سنتها الحكومة للمستثمرين ستنجو من مثل ذلك الحكم القضائى؟
6- أن الحكومة لا تستطيع تأمين مشروعاتها ومقراتها، بل لا تستطيع تأمين رجال الأمن، فهل ستتمكن الحكومة من توفير الأمن لمشروعات المستثمرين؟!
7- أن الحكومة لا تمتلك الشفافية المطلوبة لجذب الاستثمار، فقد وصل لهذه الحكومة أكثر من 23 مليار دولار -كما أكد أشرف سالمان وزير الاستثمار- كمساعدات من دول الخليج، فماذا فعلت الحكومة بهذه المساعدات؟ فلم تسدد ديونها -ديون الشريك الأجنبى للهيئة العامة للبترول- بل على العكس زاد الدين العام الداخلى والخارجى، ويا ليت الاحتياطى زاد بل ظل كما هو، حتى عندما أطلقت مشروع قناة السويس اعتمدت على أموال المصريين، فأين ذهبت أموال المساعدات؟
8- أن الحكومة تسعى لعسكرة الاقتصاد المصرى، فما من مشروع كبير أو صغير (قناة السويس- طرق- كبار- مليون وحدة سكنية- مصانع مكرونة) إلا وتدخل فيه القوات المسلحة، إما بالأمر المباشر أو بالدخول فى المنافسة مع القطاع الخاص، فمن ذا الذى يضمن للمستثمر أن القوات المسلحة لن تحتكر السوق لصالحها؟؟
9- ما زالت الحكومة على حالها ولم تتخذ أى إجراءات أكثر صرامة لوقف كباح فساد المحليات، فالفساد مستشر فى جميع مؤسسات الدولة، فدستور 2014 ألغى هيئة مكافحة الفساد الذى أنشأها دستور 2012، فمن يضمن للمستثمر أن لا يتعرض لابتزاز من قبل أبناء الدولة العميقة.
10- أن الحكومة ما زالت تعانى من حالة التخبط الإدارى، فإجراء تعديل وزارى قبيل انعقاد المؤتمر بأسبوع، خاصة فى وزارات لها ملفات وجلسات رئيسية فى المؤتمر ودون توضيح أسباب التعديل، ودون إعطاء فرصة للوزراء لإنهاء الملفات التى معهم، يدل ذلك على أن هناك أزمة إدارية فى أروقة تلك الحكومة.
مجمل هذه الرسائل أن الحكومة أفشلت المؤتمر قبل أن يبدأ، حيث لم يحن الوقت المناسب لانعقاده، ولم تتخذ الإجراءات اللازمة لتهيئة البيئة للمستثمرين، وربما كانت الحكومة مضطرة لعقد ذلك المؤتمر فى هذا الوقت؛ نظرا لأن شعبية السيسى فى تدن داخليا وخارجيا، فأصبح المؤتمر ليس لدعم الاقتصاد المصرى بل لدعم السيسى، وهذا ما أكدته أولى جلسات المؤتمر.