قبل إقدام أي مستثمر على الاستثمار في أي بلد، فإن هناك أدوات مساعدة يتضمنها مؤشر ضمان جاذبية الاستثمار، الذي يتطلب وجود 60 عنصرًا، يتم دراستها والتأكد من تو جودتها قبل الإقدام على الاستثمار في ذلك البلد.
وهي عناصر يتعلق بعضها بالاستقرار الاقتصادي، من خلال مدى تقلب معدل النمو ومعدل التضخم، وتقلب سعر الصرف ونسبة عجز الموازنة، ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي .
وعناصر أخرى تتعلق بالتمويل ونسب الائتمان المحلي الممنوح للقطاع الخاص، وعناصر تتعلق بالبيئة المؤسسية منها الاستقرار السياسي، وغياب العنف وسيادة القانون والسيطرة على الفساد .
وهناك عناصر تتعلق ببيئة أداء الأعمال منها: مدى سهولة بدء الأعمال، والتعامل مع تراخيص البناء وتسجيل الملكية، والحصول على الكهرباء وحماية المستثمرين وتنفيذ العقود.
كما توجد عناصر تتعلق بالموارد البشرية في ذلك البلد المراد الاستثمار فيه، منها متوسط إنتاجية العامل، وسنوات التعليم المتوقعة للأطفال به ومؤشر التنمية البشرية، والذي يتعلق بالمستوى الصحي والتعليمي والدخول لأفراد هذا البلد.
أيضًا هناك عناصر تتعلق بالأداء اللوجستي والجمارك والنقل، مثل كفاءة التخليص الجمركي وكفاءة أداء البنية التحتية للتجارة والنقل، وكثافة الطرق البرية وأداء النقل الجوي، إلى جانب العناصر المتعلقة بالاتصالات مثل نسبة مستخدمي الإنترنت من السكان .
وهناك عناصر تتعلق بالتميز والتقدم التكنولوجي، مثل طلبات تسجيل العلامات التجارية وحصة ذلك البلد من براءات الاختراع بالعالم، وعناصر أخرى تتعلق بعدد الشركات المتعددة الجنسيات المنتمية إلى الدول المتقدمة العاملة بذلك البلد، ورصيد الاستثمار الأجنبي المباشر بها من الإجمالي العالمي.
– وباستعراض الواقع المصري لتلك العناصر وغيرها، يتضح أن توقع إقبال المستثمرين الأجانب على الاستثمار في مصر، كنتيجة متوقعة لمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، هو أمر مستبعد تمامًا، لأن رأس المال لا يعرف العواطف، ولكنه يجيد لغة المال والبيزنس، التي تبتعد عن الأماكن عالية المخاطر، فما بالنا ببلد لا تنقطع به التفجيرات والاعتقالات خلال العامين الماضيين .
فواقع الحال في مصر يشير إلى سيطرة المؤسسة العسكرية على النشاط الاقتصادي بشكل واضح، وهو أمر يتباهى به النظام الحاكم، ويتجه للاستمرار به، فإذا تبقت مشروعات أخرى يتم إسنادها إلى شركة المقاولين العرب الحكومية، رغم أن ذلك يعني بوضوح القتل البطىء للقطاع الخاص، وانتقال جانب من العمالة به إلى صفوف العاطلين .
– ولدى كل شركة دولية مؤشرات التنافسية العالمية، ومؤشرات سهولة الأعمال التي تعدها مؤسسة التمويل الدولية سنويًا، وتستطيع من خلالها إدراك موقع البلد الذي تدرس الاستثمار به، في كافة العناصر التي تدفع للاستثمار بذلك البلد أو الابتعاد عنه.
ولا يخفى على أحد أن غالبية عناصر جاذبية الاستثمار مفتقدة في مصر بالفترة الحالية، سواء العناصر المتعلقة بالاقتصاد أو بيئة الاستثمار، أو الأمن أو النقل أو الائتمان أو الموارد البشرية وغيرها .
وكان اتحاد المستثمرين المصريين قد عرض مطالبه منذ سبتمبر الماضي حتى ينجح المؤتمر الاقتصادي، لكنه لم يتحقق معظمها ، حتى تعديلات قانون الاستثمار لم تصدر حتى اليوم السابق على انعقاد المؤتمر.
كما أن الشروط التي ذكرها بعض الخبراء لنجاح المؤتمر، من إتمام انتخابات البرلمان قبل المؤتمر والإتيان بحكومة مستقرة وليست انتقالية لم تتحقق.
ومن هنا فقد استبق رئيس الوزراء المصري وعدد من الوزراء منهم وزير التخطيط ووزيرة التعاون الدولي المسؤلة عن المؤتمر، وصرحوا بأن المؤتمر لا يستهدف المشروعات وإنما يهدف لتوضيح الصورة الجديدة للاقتصاد المصري لدول العالم ، كما انخفضت التوقعات للمؤتمر من قبل وزير الاستثمار إلى ما بين 10 – 15 مليار دولار .
– وبدت العادة المصرية المتمثلة في المذاكرة ليلة الامتحان، طاغية على تصرفات الحكومة المصرية، فحتى قبل المؤتمر بأيام قليلة لم يتم تحديد عدد المشروعات التي سيتم عرضها على المؤتمر، فرئيس الورزاء يذكر أرقامًا تختلف عما يذكره وزير التخطيط ، وهو ما يختلف عما يذكره وزير الاستثمار .
وقل نفس الشيء على عدد الدول المشاركة، وعدد دعوات الحضور وعدد المشاركين، حيث ستجد أرقامًا متعددة تختلف باختلاف المسؤل الذي يدلي بالتصريحات ، حتى الموقع الإلكتروني للمؤتمر ظهر قبل موعد المؤتمر بأسبوع ، واستند في بياناته عن مصر إلى وكالة المخابرات الأمريكية مما أوقعه في أخطاء فادحة .
والطريف أنه رغم إعداد رؤساء الشركات العالمية جداول مواعيدهم خلال العام الحالي قبل بدء العام بعدة شهور، فقد شاهدنا وزيري التجارة والاستثمار ورؤساء اتحادات وغرف مصرية، يسافرون إلى عدد من الدول الأوربية خلال النصف الثاني من فبراير أي قبل المؤتمر بثلاثة أسابيع، لدعوة الشركات بها لحضور المؤتمر .
لذا سيتم حشد قيادات الشركات المصرية، ومسؤلين من الشركات الأجنبية العاملة في مصر، وسفراء الدول الأجنبية في مصر وممثليها التجاريين، وأعضاء الغرف التجارية الصناعية الخليجية، والإعلاميين من مصر وخارجها، بالإضافة إلى مسؤلي الحكومة المصرية، لملء كراسي قاعة المؤتمر؛ ليبدو المشهد حاشدًا أمام الكاميرات .
وسنسمع تصريحات عديدة عن تحسن مناخ الاستثمار من قبل مستثمرين مصريين وعرب وأجانب، من باب المجاملة لصاحب الدعوة، وحماية لاستثماراتهم القائمة منذ سنوات، وسيتم توقيع عقود على تفاهمات ودراسات لمشروعات متعددة ، وستعلن دول عن تعهدات بمنح سخية لمصر، من أجل اكتمال المشهد الإعلامي البراق .
أما تنفيذ المشروعات التي تم توقيع اتفاقات التفاهمات عليها، فهو أمر مؤجل حتى يعود الاستقرار الأمني والسياسي للبلاد، في بلد منقسم سياسيًا يعتمد حاكمه على البطش والرصاص للاستمرار على كرسيه، فحتى وزير التخطيط المصري قد أعن أن مصر قد احتلت المركز 141 عالميًا في الأمن من بين 145 دولة .
الى جانب أثر تراجع أسعار البترول، والمشاكل الاقتصادية والأمنية التي تواجهها دول الخليج، وتحول دون توسعها الاستثماري خارج بلادها في الوقت الحالي، ونفس النتيجة للدول الأوربية التي تعاني من معدلات نمو متدنية ونسب بطالة عالية ونسب ديون مرتفعة .
ولنفس الأسباب لن تتحقق معظم وعود المانحين بالمؤتمر، خاصة مع التسريبات والشكوك حول الجهات التي تستحوذ على ما سبق قدومه من منح ، لم تنعكس على تحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية رغم ضخامتها .
– لقد أسرف النظام المصري وإعلامه في رفع سقف التوقعات بالنسبة لنتائج المؤتمر، وهو ما سيصيب المجتمع بالاحباط في الشهور التالية للمؤتمر، عندما لا يجد تحسنًا في أوضاعه المعيشية ، والتي ستتدهور أكثر نتيجة الاستمرار في رفع أسعار الكهرباء وغيرها، مما سيحول المؤتمر إلى أحد الوسائل المساعدة في إسقاط الانقلاب ، بعد فشله في تحقيق الأوهام التي وعد بها .