أكد الباحث في العلاقات الدولية، علي حسين باكير، أن التقارب السعودي-التركي سيغير موازين القوى في المنطقة، وسيوحد القدرات والموارد لمواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة العربية ما فيها التمدد الإيراني، وحل سريع لما وصفه بـ”المعضلة المصرية”.
وأشار باكير في حوار لـ”رصد”، قبل ساعات من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية، إلى أن الدعم الخليجي لمصر سيتوقف نظرًا لما بدر من النظام الحالي، من سرقة ونهب أوضحته التسريبات المنشورة لقيادات هذا النظام.
فإلى نص الحوار:
هل التقارب التركي السعودي يؤثر على توازن القوى بالمنطقة؟
لا شك أنّ وجود علاقات أقوى وأعمق بين السعودية وتركيا قادرة على تغيير موازين القوى في المنطقة، وتوحيد القدرات والجهود والموارد والمواقف إزاء التحدّيات المتعاظمة التي تعصف بالمنطقة وبالبلدين أيضًا؛ وسيؤدي دون شك إلى احتواء ومن ثمّ القضاء على المخاطرالمحدقة بالمنطقة؛ ومنها: تصاعد حركات التطرف المسلح، وزحف النفوذ الإيراني الذي بات يهدد المنطقة برمتها.
وهل إمكانية أن تتولد تحالفات جديدة قائمة؟
كما ذكرت سابقًا، فإن مدى وحجم هذا الانفتاح والتعاون بين البلدين في ظل القيادة السعودية الجديدة سيعتمد على مدى قدرة الطرفين على إدراك أنهما الآن في حاجة ماسة إلى بعضهما البعض أكثر من أي وقتٍ مضى، وأنّ هناك حاجة أيضًا لتوحيد أجندتهما الإقليمية، كما أن سرعة هذا التعاون ستعتمد على قدرتهما على التركيز على الملفات التي يمتلكان رؤية موحدة فيها وتتقاطع فيها مصالحهما بشكل مباشر (كسوريا والعراق واليمن)، وعلى مدى قدرتهما على تحييد أو ربما حتى حل الملفات التي تحمل رؤى أو مواقف مختلفة فيها كمصر على سبيل المثال.
وبقدر ما تنجح في حل المشاكل في الملفات العالقة كمصر سريعًا، وفي وضع أجندة إقليمية مشتركة، بقدر ما تكون أكثر قدرة على الإنجاز في وجه التحديات التي تشهدها المنطقة. فالنجاح في حل المعضلة المصرية سينجم عنه تبريد جبهات في شمال إفريقيا في ليبيا وتونس على سبيل المثال، وفي تجاوز هذه الدول محناتها بشكل سريع، ما سيولد تحالفات جديدة.
ولا شك أنّ تفاهم تركيا- السعودية سيؤدي بالضرورة إلى توسيع دائرة التفاهمات الإقليمية بحيث تنضم سريعًا إلى هذا التفاهم دول مثل قطر والبحرين والكويت.
بالحديث عن مصر.. في ظل هذا التقارب ومع تسريبات مكتب السيسي هل تتوقع استمرار الدعم الخليجي لمصر؟
عند الحديث عن هذا الموضوع يجب أن نفرق بين مصر كدولة وبين النظام الذي يحكم مصر، مع أنّ الاخير دمج نفسه بالدولة فأصبح هو الدولة والدولة هو، وعمومًا مصر كدولة على الرغم من هشاشاتها وضعفها مهمة وستبقى مهمة للعرب، لذلك أعتقد أنّ الدعم الخليجي لمصر الدولة سيبقى، لكن دعم الخليج لنظام السيسي (قائد الانقلاب العسكري) تحديدًا فهذا قد تغيّر وسينخفض بشكل كبير.
وما أسباب هذا التغير؟
يعود هذا لعدة أسباب أهمها:
· حجم الفساد والنهب الذي ظهر بشكل جلي عبر التسريبات التي أظهرت أن الأموال التي تلقاها نظام بشكل مباشر وغير مباشر والتي تزيد عن 40 مليار دولار لم تذهب للشعب المصري، ولم تذهب للدولة المصرية وإنما للعصابات التي تحكم وحاشيتها، ومن غير المنطقي أن يستمر الدعم من دون شروط وتحديد قيود وإشراف مباشر.
· أنّ عائدات دول مجلس التعاون الخليجي من بيع النفط قد انخفضت بشكل هائل خلال الأشهر الأخيرة جراء انخفاض أسعار النفط، وهناك بعض التقديرات التي تشير إلى أنّه إذا ما بقيت الأسعار بشكلها المنخفض الحالي فإن دول الخليج قد تخسر حوالي 400 مليار دولار، ولا شك أنّ هذا سيقيّد من حجم مساعداتها الخارجية بشكل عام.
· هناك معلومات عن أنّ المؤتمر المقرر عقده في شرم الشيخ في مارس القادم لن يكون بالزخم الذي كان من المتوقع أن يكون عليه، كما أنّه قد يشهد بعض المشاكل من قبيل عدم حضور أو حضور منخفض وذلك فيما يتعلق بحجم المساعدات المالية التي كان من المقرر أن يجمعها النظام، ربما يتم تجاوز ذلك إعلاميًا كي لا تتضرر مصر كدولة، لكن عمليًا سيكون هناك بالضرورة صعوبات ومشاكل.
في رأيك هل يتغير الموقف السعودي مستقبلًا بخصوص الوضع في مصر عقب هذا التقارب مع تركيا؟
التغيّر في موقف المملكة من النظام المصري غير مرتبط بتركيا، وهو متعلق بشخص الملك سلمان كما تعلمون وقد سبق وكتبت بالتفصيل عن هذا الموضوع وعن سياسة الملك سلمان الخارجية، هناك تغيّر واضح في موقف المملكة من السيسي، وقد سبق وتحدثنا عن مؤشراتها ومنها هجوم إعلام السيسي نفسه على الملك سلمان، وتغيير التويجري (خالد التويجري، رئيس الديوان الملكي السعودي) من أولى القرارات المتخذة، وتوقف برنامجين في قناة العربية، وصدور بعض التصريحات الايجابية بخصوص موضوع الإخوان وخرق لائحة الإرهاب الإماراتية.
لكن عمومًا، ليس من الضرورة أن تتحول العلاقة بين الملك سلمان والنظام المصري إلى عداء أو خصومة بحيث تدخل المملكة في صراع مع السيسي، وكذلك لا يعني هذا أنها ستتحول في المقابل إلى حليفة للإخوان، ولكن العلاقة ستكون أكثر توازنًا، وبالتأكيد لن يكون دعم المملكة للسيسي كما كان عليه دعم الفترة السابقة.
ماذا تنتظر من المملكة خلال الفترة المقبلة؟
نأمل أن تقوم المملكة بما أنها القوة الأكثر دعمًا للسيسي خلال المرحلة الماضية وبما أنها لا تزال الداعم الاقتصادي الأكبر لمصر، أن تستغل موقعها في الضغط عليه لتعديل سياساته الداخلية والخارجية بما يتلاءم مع التوجهات الحالية أو إطلاق مبادرة لحل الأزمة المصرية التي تعرقل انطلاق مصر دولة محليًا وإقليميًا، وتشل حركة السعودية أيضًا في مواجهة التحديات الإقليمية المتراكمة.
إذا ما تم حل هذه الإشكالية فأعتقد أن المجال مفتوح لعلاقات أكثر صحّية تركية – مصرية وقطرية- مصرية وعندها فإن التعاون التركي – السعودي سيحقق التوازن المطلوب في المنطقة من جديد ويحل الكثير من القضايا والإشكاليات العالقة.