شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

هادي و مرسي.. كيف تكون المغامرة السياسية؟

هادي و مرسي.. كيف تكون المغامرة السياسية؟
السياسة في أشهر تعريفاتها هي "فن الممكن"، لكن حدود هذا الممكن تتسع باتساع خيال ممارسيها، وربما كان اللامعقول فيها هو "عين الممكن" و ذروة الفاعلية السياسية.

السياسة في أشهر تعريفاتها هي “فن الممكن”، لكن حدود هذا الممكن تتسع باتساع خيال ممارسيها، وربما كان اللامعقول فيها هو “عين الممكن” و ذروة الفاعلية السياسية.

(١)

منذ طلع علينا الانقلاب المشؤوم لعسكر مصر في يوليو ٢٠١٣.. والرهان كان على قدرة التيار المناصر للشرعية عمومًا والإخوان على وجه الخصوص في استيعاب الصدمة ابتداء، ومن ثم تحويل تهديدها إلى فرصة، لم يكن ذلك ممكنا من الناحية العقلانية؛ لأن الإخوان حبسوا فعلهم السياسي في إطار رد الفعل.

على مدى شهر ونيف هي عمر اعتصام رابعة العدوية البطولي، كانت مسيرات الإخوان تصل إلى مشارف أكثر مؤسسات الدولة حساسية، لكن خيالهم السياسي لم يسمح بتجاوز أسوارها توفيرًا للدم، أتساءل: ماذا لو اقتحم الإخوان نادي الحرس الجمهوري حيث ظل الرئيس المنتخب محمد مرسي مختطفًا وقاموا بتحريره؟ هل كان سيسقط أكثر مما سقط من شهداء في مذبحة مجانية حصدت 2000 من خيرة شباب مصر؟

انتقل مرسي مرغمًا بعد مذبحة الحرس الجمهوري إلى أبو قير بالإسكندرية، تسرب الخبر لقيادة الاعتصام في رابعة وعلمت به حين كنت أتردد على الاعتصام ، لم يسع الإخوان لتحرير رئيسهم، هذا هو صميم المتوقع من جماعة إصلاحية تمارس السياسية بمثالية، كانت الرهان أن النظام لن يقدر على ارتكاب مجزرة، وصلت الرسائل غير ذات مرة : في المنصة ومذبحتي الحرس الأولى والثانية، كانت بنادق الجيش والشرطة توافق أبواق النظام الإعلامية: “سنسحقكم”، لكن الأمل كان معقود في نواصي “رجالة زي الذهب“.
(2)

في اليمن السعيد جرت مؤامرة طبخت في أبوظبي وعواصم أخرى كما جهزت مؤامرة وأد الديموقراطية في مصر، تنازل الرئيس عبد ربه منصور هادي، ارتكب أخطاء أدت لاستكمال الحوثيين انقلابهم بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء، تعقد المشهد حين أراد الحوثي منه خاتمًا لقرارات يصدرها رجل إيران في اليمن، لم يجد بدًا من الاستقالة، وهو فعل سياسي أحرج الحوثيين فأحكموا حصاره، لكنه حول موقعه من الإعراب السياسي في الجملة اليمنية من “مفعول به” إلى “فاعل”، أسرى بأهله بقطعٍ من الليل ولم يلتفت منهم أحد، مضوا حيث يؤمرون، تحولت المعادلة، صار نصر الحوثيين مأزقًا ، الرئيس المستقيل لم يبُت البرلمان في طلب إعفائه، اكتسب الغاضبون من الانقلاب الحوثي مكسبًا يمكن أن يقلب الطاولة، جرى كل ذلك بشكل مباغت وعلى حين غرة، لكنه كان مدفوعًا بخيال سياسي ازدان بحكمة يمانية.
(3)

أعلمُ عزيزي القارئ أنك قد ترى فيما كتبته آنفًا غبن بين وظلم واضح للرجل الصامد المستمسك بشرعيته، ذلك أن الفوارق بين المعطيات في مصر واليمن بعيدة بعد المشرقين فبئست المقارنة

صبرك علي وحلمك وأناتك، أوافقك الرأي تمامًا في أن لكل تجربة خصوصيتها، وليس للرئيس مرسي فئة ينحاز إليها في عدن، ولا قبائل في مأرب، يا عزيزي أنا لا أطعن في ثبات الرجل، لكني أجزم أنه كان يفتقر للخيال السياسي هو ومن كان معه، لم يدركوا أن أخطر ما في الممارسة السياسية هي أن يعلم خصمك حدود تصرفاتك، حينها يضع خططه معتمدًا على خريطة ذهنية رسمها مسبقًا، استقرأ تفاصيلها من تكرار سلوكك في كل اختبار حساسية يجريه تحت الجلد ليرى مدى استجابتك لجرعة العنف الكبرى التي يعدها لك.
فيزياء الطبيعة تقول، إن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار، مضاد له في الاتجاه، لكن كيمياء السياسة (كما العلوم) تقول إن مادة جريئة تدخل التفاعل قد تحول الماء إلى لهيب مستعر، أو على الأقل ربما تغير من رتابة وسطوة المعادلات الفيزيائية ذات القوانين الثابتة، وهي قوانين تقف دائمًا إلى جانب المنتصر بالقوة وإن تجرد من الأخلاق.
(4)

يقتضي الإنصاف أن نقول إن مرسي حاول واجتهد قدر ما أسعفه خياله، لكن التاريخ سيذكر أن من لاعبه بالكيمياء أجهض انقلابًا في أسطنبول قاده صوفي يتمسح بالدين، لم ينفع فتح الله كولن صلاته الدولية، لأن أردوغان وحزبه استبقوا الفعل السياسي، و كذلك فعل هادي في اليمن رغم عظيم أخطائه السابقة،  وما حسم حماس في غزة منكم ببعيد.
كل ما أرجوه ختامًا: أن يزرع الإخوان الخيال في واقعهم ويدعموه في ممارستهم، ذلك لأن الخيار الذي لن تتخذه اليوم على ما فيه من كلفة قد تدفع كلفته مرتين دون مقابل غدًا، لكن هل ينفع الخيال إذا غابت الرؤية؟! هذا يستدعي نقاش آخر إذا مر هذا المقال من باب المراجعة  والتقييم، لا من نافذة الانقلاب يترنح وحده فيما نحن جالسون.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023