اتضح لي الآن، بحكمة التأمل فيما مضى وما تكشف من معلومات، أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو من خلع محمد حسني مبارك، حرصًا على استمرار نسق الحكم التسلطي الفاسد ومصالح المؤسسة العسكرية الضخمة المتأتية منه.
ويكفي هنا تذكر اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لأول مرة في تاريخه من دون رئيسه وظهور دبابات الجيش مكتوبًا عليها "يسقط مبارك" قبل إعلان تنحيه، المسرحي وغير الدستوري، أثناء غيابه في شرم الشيخ. وبالطبع كان القصد أيضًا تفادي مواجهة دموية مع قوى الشعب المنتفضة، مُبديًا الحرص على الثورة الشعبية العظيمة، ومُظهرًا التبجيل للثوار والشهداء، في الظاهر، فقط كستار دخان يعمي البصائر عما سيأتي.
فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة سرعان ما انقلب على الثورة الشعبية بالخديعة المبيّتة والعنف الخسيس.
واتضح جليًا أيضًا أن ذلك الموقف من المؤسسة العسكرية، لم يكن إلا مناورة خبيثة لتفادي الصدام المباشر مع الجموع الشعبية المنتفضة وفقط؛ حتى يستتب للمؤسسة أمر حكم البلاد وتتفرغ حينها لإجهاض الثورة الشعبية بالخديعة والعنف الخسيس، لا سيما باضطهاد النشطاء من الشباب، على الأرجح تحت قيادة الرئيس الحاكم حاليًا، وإن في الخفاء وبالتعاون مع وزارة الداخلية الآثمة تحت جميع سلطات الحكم، تحت مسمى الطرف الثالث .
واتضح ثالثًا أن المؤسسة العسكرية بقيادة المخابرات الحربية قد قامت بالتحالف مع تيار اليمين المتأسلم بتسليمه السلطة، ربما تحت التهديد، والأرجح لتوريطه مع العمل على إفشاله، حيث تتوافر دلائل مقنعة على تزوير عمدي لانتخابات الرئاسة لصالح مرشح الإخوان، باعتراف مكتوب من أمين لجنة الانتخابات بجاتو الذي استوزره محمد مرسي فيما بعد.
ولكن مع عمل المجلس العسكري على غل يد الرئيس في التصرف بإقرار ميزانية والإفراط في التسلل التشريعي، قبل أيام من تسليم السلطة. وقد مارس حكم اليمين المتأسلم سياسات المجلس العسكري نفسها في استمرار نسق الحكم التسلطي الفاسد ذاته الذي قامت الثورة الشعبية لإسقاطه بعد لفه بغلالة إسلامية رقيقة وواصلت الكيد الثورة الشعبية بأساليب المجلس العسكري نفسها تقريبا.
وقد اتضح الآن، رابعًا، أن المؤسسة العسكرية بقيادة المخابرات الحربية قد قامت بالتحالف مع أساطين أصحاب الأموال بشن الثورة المضادة التي تكللت بالنجاح في 3 يولية 2013 بتأييد شعبي ضخم يعبر في الأساس عن ضيق قطاعات واسعة من القوى الشعبية بحكم اليمين المتأسلم، ولكنه مفرط في السذاجة السياسية، بعد التنفيذ الناجح لواحدة من أكبر المكائد التي حاكتها المخابرات العسكرية ضد الثورة الشعبية العظيمة، وضد مسار الحكم الديمقراطي، وبخيانة حلفاء الأمس.
يذكر أن الدكتور نادر الفرجاني كان أحد مؤيدي أحداث 30يونيو من عام 2013م ، قبل أن ينتقد قائد الانقلاب قائلًا إن نظرة السيسي تعبر عن قصور في تصور التنمية، وفي علاقة الحاكم بشعبه، مؤكدًا أن تلك النظرة توضح أنه لا يهتم بتحقيق العدالة الاجتماعية التي قامت الثورة من أجلها.
وقد منعت جريدة الأهرام نشر أية مقالات له، وذلك على خلفية كتاباته المنتقدة لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، حيث شبهه في أحد مقالاته بالمخلوع مبارك، والتي حملت عنوان "المشير وتوجهات الثورة" – والذي نشرته جريدة الأهرام بتاريخ 24 مارس من العام الماضي.
وكان آخر مقال نشرته جريدة الأهرام للكاتب يوم 19 مايو من العام الماضي، بعنوان "الصمت الغريب عن أموال مصر المنهوبة"، والذي انتقد فيه عدم حديث مرشحي الرئاسة عن أموال الشعب المصري المنهوبة بالخارج.
وكان الفرجاني الذي يشغل منصب رئيس تحرير تقرير التنمية العربي الصادر من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وقد أدانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان منع جريدة الأهرام للكاتب الصحفي الدكتور نادر الفرجاني، من استكمال كتابة مقالاته فيها.
وقالت الشبكة العربية إن منع الفرجاني من استكمال كتابة مقالاته في جريدة الأهرام يعد جزءًا من ممارسات الدولة البوليسية التي بدأت في العودة بشكل أقوى مما كانت عليه في عهد مبارك، وطالبت الشبكة العربية سلطات الانقلاب بوقف التضييق على الحريات الصحفية والكف عن مصادرة آراء المعارضين والناقدين للنظام السياسي، والتوقف عن التذرع بالأمن القومي للبلد لاستهداف معارضيها، كما طالبتها باحترام حرية التعبير التي لن تقوم الدولة إلا بها.