شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

2014 عام بيع الوهم لمرضي فيروس سي

2014 عام بيع الوهم لمرضي فيروس سي
  "هناخد الإيدز ونحطه في صباع كفتة ونغذي بيه المريض، هزمنا الإيدز...
 
"هناخد الإيدز ونحطه في صباع كفتة ونغذي بيه المريض، هزمنا الإيدز ، وقهرنا مرض التهاب الكبد الوبائي ، ولن تجدوا أحدًا يعاني من هذا المرض" كلمات مرت على المصريين طوال عام حتى تساءل البعض: " الكفتة لسه ماستوتش والا ايه" يرد آخرون "أصل البقدونس طلع حمضان".
 
عام مر على اختراع "الكفتة" ما بين مصدق ومكذب وساخر، لكن في النهاية وبعد مرور عام وتأجيل العلاج لمرتين ستة أشهر تلو الأخرى، حل "السوفالدي" محل "الكفتة" وصار الجدل الدائر عام 2014 بين مرضى "فيروس سي" " اللي مش هينتظر الكفتة ياخد سوفالدي على ما الكفتة تستوي وتطلع من فرن الجيش".
 
"حكاية الكفتة"
 
بدأت قصة  جهاز الإيدز "ccd" الذي يشفي  المريض عن طريق الكفتة، حين عرض التلفزيون المصري في 22 نوفمبر 2013 تقريرًا مصورًا عن نجاح الهيئة الهندسية للقوات المسلحة في ابتكار علاج جديد للمصابين بفيروسي "سي" والإيدز، قال فيه اللواء إبراهيم عبد العاطي "آخذ الإيدز من المريض وأعيده له إصبع كفتة"، بعد 6 شهور.
 
 لكن اللواء جمال الصيرفي، مدير الإدارة الطبية بالقوات المسلحة، خرج ليعترف بالفشل مؤكداً  أنه تم تأجيل إعلان علاج المواطنين بجهاز "ccd" لعلاج فيروس c، حتى انتهاء الفترة التجريبية لمتابعة المرضى الذين يخضعون للعلاج بالفعل بالجهاز، والتي تستغرق ستة أشهر؛ معللًا ذلك بأن صحة المواطن المصري أهم شيء.
 
"لم يتضمن أي تفاصيل علمية صحيحة، إساءة وفضيحة لسمعة مصر، غير مقنع، لم يُنشر في أي دوريات علمية مرموقة"، كان هذا هو رد المستشار  العلمي عصام حجي على علاج الجيش المزعوم، وعلى ما نشره المتحدث العسكري على صفحته الرسمية من أن كبار رجال الدولة متمثلين في الرئيس المعين المستشار عدلي منصور والمشير السيسي قائد الانقلاب، قد شاهدا أحدث المبتكرات العلمية والبحثية المصرية لصالح البشرية والمتمثلة في اختراع أول نظام علاجي في العالم لاكتشاف وعلاج فيروس الإيدز، والذي يمكنه القضاء على فيروس سي بتكلفة أقل من مثيله الأجنبي بعشرات المرات وبنسبة نجاح تجاوزت 90%.
 
مليارا دولار عُرِضوا على اللواء الدكتور إبراهيم عبد العاطي – كما زعم – إلا أنه رفض بعد أن طلب ممن عرضوا عليه الرقم ذِكْر أنه عربي مسلم ورفضوا، فخطفته المخابرات وأعادته للوطن، ليكون جهازه مصري وللمصريين فقط.
 
لم تمر ساعات على تقرير إعلان "جهاز الكفة" حتى قام المتحدث العسكري العقيد أحمد علي بكتابة تدوينة عبر صفحته على موقع فيسبوك قال فيها: "إن القوات المسلحة تحقق أول اكتشاف عالمي لعلاج فيروسات سي والإيدز" موضحًا أن الرئيس المعين عدلي منصور ووزير الدفاع (آنذاك) عبد الفتاح السيسي شاهدا أحدث المبتكرات العلمية والبحثية المصرية لصالح البشرية، والمتمثلة في اختراع أول نظام علاجي في العالم لاكتشاف وعلاج فيروسات الإيدز بدون الحاجة إلى أخذ عينة من دم المريض، والحصول على نتائج فورية وبأقل كلفة، وقد سجلت براءات الاختراع لها باسم رجال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية.
 
اللافت أنه رغم ما لاقاه ذلك المشروع من انتقادات وسخرية كبيرة من جانب قطاع كبير من المصريين والشباب، إلا أن القوات المسلحة المصرية ما زالت تتبنى المشروع، وأجلت الإعلان عنه اكثر من مرة ليكون في يونيو المقبل.
 
"سذاجة لا محل لها من الإعلام"هكذا وصف الدكتور يحيى الشاذلي، عضو اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية، تكرار الحديث عن جهاز كومبليت كيور CCD  المخترع من قبل الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لعلاج فيروسي سي والإيدز، في تصريح خاص لـ "مصر العربية".
 
أستاذ الكبد يرى أن توفير عقار سوفالدي للمرضى أجدى للدولة الآن كبديل دون الالتفات لما مضى، مشيرًا إلى أن اللجنة العلمية التي رشحتها القوات المسلحة لإجراء التجارب على "كومبليت كيور" أجرت التجارب على 80 حالة، لم يستجب منها للعلاج سوى 3 فقط.
 
يضيف الشاذلي: "ياريت ننسى جهاز الجيش وما نتكلمش فيه تاني، وأعتقد أن الموضوع انتهى في يونيو الماضي لعدم اكتمال التجارب واحتياجه لفترة أخرى وأصبح غير قابل للمناقشة مرة أخرى، وطالما أن المريض أمامه أقراص سوفالدي المضمونة والرخيصة فلماذا يحتاج للجهاز؟"
 
الحديث عن تعمد توريد عقار سوفالدي بالتزامن مع الإعلان عن جهاز القوات المسلحة لإلهاء المرضى عن الجهاز والتعتيم عليه، يراه عضو اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية "محض تخيلات قائمة على نظرية المؤامرة ولا تمت للواقع بصلة" حسب وصفه.
 
 
موجة السخرية التي لاحقت جهاز الكفتة لم تكن فقط محلية بل انتشرت حتى أصبحت دولية، حيث قالت شبكة "المونيتور" -المتخصصة في رصد وتحليل شئون الشرق الأوسط – إن الإعلان عن جهاز القوات المسلحة لكشف وعلاج فيروس الإيدز والالتهاب الكبدي بمثابة أكبر فضيحة في تاريخ مصر، وكتبت حينها تقريرًا بعنوان: "مصر لن تعالجك"، أشارت فيه إلى أن الموالين لقائد الانقلاب السيسي ووسائل الإعلام قاموا بالترويج لهذا الجهاز لأسابيع عقب الإعلان عنه، وقالوا إن الجهاز يعالج مرض نقص المناعة "الإيدز" بنجاح، والالتهاب الكبدي والسرطان والسكري.. وتقريبًا جميع الأمراض الأخرى التي لم يتوصل العالم لعلاج لها".
 
"قصة السوفالدي"
 
تعاقدت وزارة الصحة بحكومة الانقلاب مع شركة جلياد الأمريكية المنتجة للعقار المذكور ضمن صفقة سرية تثير المخاوف والقلق، فالشركة المنتجة تشترط توقيع المريض بالموافقة على استخدام العقار رغم أعراضه الجانبية، وموافقته على حصول الشركة على تحاليله.
 
كما اشترطت الشركة على الوزارة أن تعهد بتوزيع الدواء إلى واحدة من شركتي "فارما" أو "فرسيز" وهما شركتا قطاع خاص، ولم تعهد الوزارة به إلى شركة الأدوية المصرية المنوط بها استيراد وتوزيع الأدوية المستوردة.
 
فيما أعلنت اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية بوزارة الصحة بحكومة الانقلاب يوم 25 ديسمبر 2014 عن بدء توفير عقار "سوفالدي" لمرضى فيروس سي التي تنطبق عليهم شروط العلاج ، في 5 مراكز جديدة تتبع اللجنة القومية ليصل عددها إلى 21 مستشفى.
 
أستاذ الكبد ورئيس وحدة الأورام في المعهد القومي للكبد الدكتور محمد عز العرب قال في تصريحات صحفية، إن المفاوضات بين وزارة الصحة وشركة جلياد قد تحولت إلى "بزنس"، فلم تشترط الوزارة على الشركة منحها تصريحًا لإنتاج دواء محلي مماثل، وهو ما نجحت فيه الهند مع الشركة نفسها.
 
وعن إسناد التوزيع واستيراد الدواء إلى شركة خاصة، تحدث أستاذ الكبد في معهد تيودور بلهارس الدكتور علاء عوض إلى الصحف قائلًا، إن هذه هي المرة الأولى التي يسمح فيها لشركة خاصة باستيراد دواء بهذه القيمة الاستراتيجية، وهذا قد يؤدي إلى احتكار وسيطرة الشركة المنتجة والموزعة على سوق الدواء المصري مطالبًا بنشر العقد المبرم بين وزارة الصحة والشركة المنتجة للعقار.
 
وحول فاعلية "السوفالدي"،  أشار عوض إلى أنه لا يمكن لأحد أن يجزم أن العلاج فعال 100% فالأمر لا يزال قيد البحث. بينما تؤكد بعض الجهات الرسمية النتائج الإيجابية للدواء، وأنه الأمل الأقوى لعلاج التهاب الكبد الوبائي من النوع "سي".
 
من جهتها، أكدت عضو اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية الدكتورة سهام عبد الرحيم، أن عقار سوفالدي آمن ونسبة الشفاء فيه 80% بشرط أن يؤخذ معه دواء آخر مثل الإنترفيرون أو ربيفايرين، مضيفة أن تناول عقار سوفالدي بمفرده يهدد صحة المريض.
 
وفي محاولة فسرها البعض ببث الأمل في نفوس المصريين، ووصفها آخرون ببيع الوهم للمرضى، أعلن رئيس اللجنة القومية للفيروسات بوزارة الصحة، عميد المعهد القومي للكبد، وحيد دوس، أن اللجنة الاستشارية حددت قواعد وضوابط الحصول على العلاج الجديد، مشيراً إلى أن مصر لم تتعاقد على شراء العقار إلا بعد أن تم إجراء التجارب على 103 حالات من المرضى المصريين وبلغت نسبة الشفاء بينهم 89 %، بالإضافة إلى إجراء الشركة الأمريكية تجارب على 24 حالة مصابة بفيروس "سي" من الجيل الرابع في الولايات المتحدة ووصلت نسبة الشفاء إلى أكثر من 90%.
 
وقال دوس إن الأولوية في تلقي العلاج ستكون للحالات المتأخرة من مرضى التليف الكبدي، والذين فشل علاجهم بعقار الإنترفيرون والمسجلين بمراكز الكبد على مستوى الجمهورية، موضحاً أن المريض سيحصل على قرص واحد يومياً من العقار "سوفالدي"، مع 4 أقراص ريبافيرين، وجرعة إنترفيرون أسبوعياً، لمدة 3 أشهر.
 
نقابة الصيادلة اعترضت على السعر المحدد للعقار الأمريكي لأنه يزيد بمبلغ 13 ألف جنيه عن الأسعار المحددة وفقاً لإستراتيجية العلاج الجديدة، التي تنص على ألا يزيد سعر أي دواء عن 2200 جنيه، فيما قررت وزارة الصحة بيع العقار الجديد بخمسة عشر ألف جنيه. وأوضح الصيدلي يسري فؤاد أن الجرعات الست من الدواء يتجاوز سعرها 90 ألف جنيه مصري، فضلاً عن أن عدد المرضى يتفاقم يوماً تلو الآخر، لافتاً إلى أنه يعتبر سعراً مرتفعاً جداً، ولا يتناسب مع دخل أغلب المرضى الذين يقبع معظمهم تحت خط الفقر. مؤكدًا أن الأمر يشوبه عدد من علامات الاستفهام، فلا يصح على سبيل المثال أن يكون أحد مفاوضي وزارة الصحة على تسعير الدواء، باحث في الشركة المنتجة له، وهو الدكتور وحيد دوس، الوثيق الصلة بالشركة الأمريكية والذي لعب الدور الرئيس في التفاوض على استيراده.
 
من جانبه، طالب عضو مجلس نقابة الصيادلة، أحمد فاروق، الدولة أن تعلن أن مصر منطقة وباء بفيروس "سي" الكبدي وهو أمر يساعدها، طبقا للاتفاقيات العالمية، مثل اتفاقية "التربس"، على تسعير الدواء إجبارياً دون استئذان الشركة المنتجة، بسعر بسيط في متناول أيدي المرضى، خاصة من لا يملكون تكلفة العلاج، كما يمكن في هذه الحالة استيراد الدواء من الهند أو أي دولة مماثلة، ولن يزيد حينها سعر الجرعة الواحدة من الدواء عن 1000 جنيه مصري. 
 
الغريب في الأمر أن مكتشف هذا العقار هو كيميائي مصري إيطالي، ويدعى ريموند اسكنازي، وكان يقطن في مدينة الإسكندرية عندما كان صغيراً، ولكنه أجبر هو وأهله على مغادرة مصر في الستينيات من القرن الماضي، وهو مؤسس شركة "فارماسيت" التي طورت عقار "سوفالدي" وباعته إلى شركة جيلياد ساينس بـ 11 مليار دولار ، كان نصيبه من هذه الصفقة الضخمة 440 مليون دولار نظراً لجهوده الكبيرة في تطوير الدواء. .
 
ها نحن ننتظر بزوغ شمس وفتح نافذة لآمال ملايين المصريين ممن دمر "فيروس سي " حياتهم، فبين "الكفتة" و "السوفالدي" يعيش المرضى بين الألم والأمل حتى لا يطلق على عام 2014 عامًا لـ"الوهم".
 
 
 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023