في الوقت الذي تتوالى فيه سلسلة التسريبات التي تبثها فضائيات معارضة للانقلاب العسكري، والتي تكشف فضائح لسلطات الانقلاب العسكري، وجرائم تزوير، فإنه على الرغم من عدم الجزم بالجهة المسؤولة عن إخراج تلك التسريبات، والمصلحة من ورائها، إلا أنه بما لا يدع مجالا للشك فإن هناك عدة أمور أثبتت رعب سلطات الانقلاب من تلك التسريبات والخشية من رواجها، لما قد تحدثه من التأثير على الرأي العام، ومنها؛
التشويش على الشرق
وكان من أوضح الأسباب التي تبرهن على رعب سلطات الانقلاب من تلك التسريبات وتأثيرها في تغيير القناعة لدى الكثيرين من المؤيدين للانقلاب، هو التشويش على قناة الشرق في اليوم التالي لإذاعة تسريبين بثتهما القناة تضمنا فضائح لقادة المجلس العسكري وتورطهم في جرائم تزوير، حيث كان من المقر تكملة سلسلة التسريبات التي وعدت بها القناة بعد أن أذاعت منهما حلقتين، إلا أن تشويش متعمد وقع على القناة بالتزامن مع إذاعته لتسريب الجديد، والذي تسبب في منعه.
وأبدى نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي استياءهم من التشويش على قناة الشرق، موضحين إنه بصرف النظر عن اتفاقهم أو اختلافهم مع القناة والتسريبات فإن التشويش بحد ذاته يثبت صحة التسريبات، ويضع كل أجهزة الدولة بمأزق، مشيرين إلى أن التشويش لم يعد مجديًا، فمواقع التواصل الإجتماعي، كفيلة بنقل البث ونشر الفيديوهات لكل الدنيا، وإنما المواجهة تأتي بالشفافية والمصارحة.
إقالة مدير المخابرات
على الرغم من أن إقالة مدير المخابرات السابق، اللواء فريد التهامي، دارت حولها عدة سيناريوهات، حول السبب الرئيس للإقالة، إلا أن أحد الأسباب كانت التسريبات التى بثتها فضائية "مكملين"، من داخل مكتب عبد الفتاح السيسي، والتي تتعلق بتزوير أوراق قضية الرئيس محمد مرسي، والتي تدل أيضا على خشية سلطات الانقلاب من تلك التسريبات.
ورأت سلطات الانقلاب في قرار إقالة "التهامي" من منصبه، على ذلك الافتراض الذي ذكرناه منذ قليل، أنه لا يوجد أدنى مانع من التضحية ببعض الرجال لبقاء المجموع وهي استراتيجية واضحة يعتمد عليها قائد الانقلاب في حكمه، فمن غير المُستغرب تمامًا أن يُطيح السيسي بأحد الأسماء الواردة في هذه التسريبات كنوع من إضفاء الشفافية على حكمه إذا ما أحس بأن لهذه التسريبات صدى في الشارع أو تأثير سلبي.
مواجهة إعلامية
ولمواجهة تلك التسريبات التى تتواصل بين الحين والآخر، كانت سلطات الانقلاب تتخذ مناعة احتياطية ضد ما اعتبرته هجومًا لها، بتحريك رجال الأعمال لقنواتهم الخاصة بافتعال مشكلات وأزمات تأخذ حيزًا كبيرًا من الرأي العام، وتنحى بها في اتجاه بعيد عن الأمور السياسية أو عن أمر التسريبات بالتحديد، فتغييب وعي الجمهور هو حائط الصد المنيع الذي يعتمد عليه النظام من خلال الإعلام الموالي له وبالتالي فإن وقته بالتأكيد قد حان لمواجهة مثل هذه التسريبات.
ليس ذلك فحسب، فالهجوم الإعلامي الشديد على القنوات التي تبث التسريبات، والتشكيك في مصداقيتها ونزاهتها، لا تمل عنه تلك القنوات الإعلامية المملكوة لسطات الانقلاب، فضلا عن تصريحات من ذكرت أسماؤهم بالتسريبات، بإنكارها والطعن فى صحتها، والتهديد بمقاضاة قنوات مناهضة للانقلاب، هو أحد الأسباب التي تظهر رعب الانقلابيين من تلك التسريبات.
إغلاق الجزيرة
وفي الوقت الذي بدأت فيه أولى خطوات المصالحة المصرية القطرية، كان إغلاق فضائية الجزيرة مباشر مصر، أولى تلك الشروط أن أجل إتمامها، وبالفعل تم ذلك القرار، ومن الواضح أن أحد أسباب الضغط على قطر لإغلاقها هو ترويجها التسريبات بصورة واسعة، نظرا لانتشارها الإعلامي الأوسع بين كل القنوات.
وعلى الرغم من رواج التسريبين الأخيرين اللذين بثتهما قناة الشرق، إلا أنه لا شك في ظل وجود الجزيرة مباشر مصر، كان الرواج سيتم بصورة أوسع، فالترويج لمثل هذه التسريبات الأخيرة هو أضعف بكثير من سابقه في وجود قنوات احترافية تعمل على الترويج للتسريب بأكثر من طريقة بحيث يصل إلى الجمهور، فإغلاق الجزيرة لا شك أنه أثر على هذه التسريبات، لاسيما وأن القنوات الأخيرة التي بثت التسريبات لا تحظى بأي شعبية في مصر سوى بين المعارضين للانقلاب العسكري، ولا تتمتع بنفس الشعبية التي تملكها قنوات الجزيرة في مصر .
بيانات تحذر
وكان من إحدى الأمور التي كشفت رعب الانقلابين من نشر تلك التسريبات، هو إصدار قرار بتكليف نيابة أمن الدولة العليا، بالتحقيق على نطاق واسع، في التسريبات التي نشرتها قناة مكملين، مطالبة بالتوصل إلى مرتكبى جرائم التزوير والتلفيق المتمثلة فى تلك التسجيلات الصوتية المذاعة، وتحديد هويتهم وضبطهم والتحقيق معهم وتقديمهم للعدالة.
ونفت النيابة العامة صحة التسريبات التي بثتها فضائية "مكملين"، محذرة مما وصفته بمحاولات التأثير على رجال القضاء والنيابة، وأكدت رصدها وتعقبها للقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية التي وصفتها بالمشبوهة التي تنشر أخبارا كاذبة وإشاعات مغرضة، وأنها ستبدأ تحقيقا موسعا في الكشف عن الجناة المتورطين في ارتكاب جريمة نشر تلك المواد الصوتية المزورة.
وأضافت النيابة أنها رصدت استخدام جماعة الإخوان أذرعًا إعلامية، مدعومة من بعض الجهات الخارجية تمثلت في قنوات فضائية مغرضة، ومواقع مشبوهة على شبكة الإنترنت، دأبت في الآونة الأخيرة على اصطناع مشاهد مصورة وتلفيق أحاديث هاتفية، باستخدام تقنيات حديثة، وتنسبها زورا إلى شخصيات عامة وقيادات بالدولة، وتبثها على شبكة المعلومات الدولية؛ بغرض إحداث بلبلة لزعزعة أمن المجتمع.