أثيرت العديد من التخوفات لدى كثير من أبناء الشعب التونسي خاصة، ولدى شعوب دول الربيع العربي عامة، عقب فوز القائد السبسي، زعيم حركة "نداء تونس"، بالانتخابات الرئاسية، فيما رأى بعض المحللين والمعارضين أن تنصيبه رئيسا سينطوي على العديد من المخاطر، أهمها:
عودة الفلول
خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، حذر المنصف المرزوقي، المرشح الرئاسي الذي انتهت ولايته، من "خطر" الباجي قائد السبسي الذي عمل مع نظاميْ بورقيبة وبن علي، وحزب "نداء تونس" الذي يضم منتمين سابقين لحزب "التجمع" الحاكم في عهد بن علي.
وكان السبسي تولى عدة وزارات مهمة كالداخلية والدفاع والخارجية في عهد بورقيبة، كما تولى رئاسة البرلمان بين 1990 و1991 في عهد بن علي.
وعقب إعلان النتيجة بفوز السبسي، أعرب أنصار "المرزوقي"، من تراجع الحريات الوليدة في البلاد إثر فوز منافسه الباجي قائد السبسي بالانتخابات الرئاسية التي أجريت الأحد الماضي، معتبرين أن "النظام القديم" الذي يقولون إن قائد السبسي جزء منه، انتصر على الثورة التي أنهت يوم 14 يناير 2011 حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وقد نقلت صحيفة "هافنجتون بوست" الأمريكية- خلال تقرير لها- مخاوف المعارضة التونسية، ومنهم منصف المرزوقي، من أن صعود الباجي السبسي لسدة الحكم قد يُمهد الطريق لإحياء استبداد بن علي، وينسف ما تحقق من انتصارات في ثورة الياسمين"، مشيرين إلى أن تونس مهددة بالسير في الطريق الذي سارت فيه مصر، بعد عودة الحكم الاستبدادي في العام الماضي عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكومة الإخوان المسلمين".
ومن المعروف أن معظم رجال النظام التونسي السابق ضمن حزب نداء تونس الذي شكله السبسي في عام 2012م ، ليكون واجهة سياسية للعودة إلى الحكم من جديد، الأمر الذي يؤكد أن وصوله إلى قمة الهرم في تونس هذه المرة ستعيد رجال ودولة بن علي التي ثار عليها التونسيون قبل أربعة أعوام .
عودة العلمانية
وبما يمثله القائد السبسي، ذلك المرشح الذي أحرز انتصارا في الانتخابات الرئاسية التونسية، من توجه علماني ليبرالي وميوله الغربية، فضلا عن ماعداته للتيار الإسلامي، وظهر ذلك جليا من خلال تصريحاته قبيل الانتخابات الرئاسية، حيث قال "الاختيار منحصر بين الهمجية أو المستقبل"، وفي مرة أخرى بين "العلمانية والإسلامية"، الأمر الذي يؤكد توجهه العلماني الواضح والصريح .
ولم تكن الانتخابات الرئاسية هي بداية محاولة سيطرة العلمانين على مقاليد الحكم، بل سبقتها نتائج الانتخابات البرلمانية، فبغض النظر عن نزاهتها، حيث أظهرت نتائجها الأولية تقدم حزب "نداء تونس" العلماني برئاسة الباجي قايد السسبسي على حزب النهضة الإسلامي، إلا أن النتيجة جاءت متسقة مع أطماع الدول العلمانية الغربية التي تسعى لحرمان التيار الإسلامي من سدة الحكم، وإعادة العلمانية بعد أن أسقطتها الثورات العربية، ولو كان ذلك من خلال الانقلاب على المبادئ والشعارات الغربية, التي ما برحت تمجد الديمقراطية وتتغنى بالحرية المزعومة.
تقييد الحريات
خشي أنصار الرئيس "المرزوقي"، من تراجع الحريات الوليده في البلاد، اثر فوز "السبسي"، معتبرين ان “النظام القديم” الذي يقولون إن قائد السبسي جزء منه، انتصر علي الثوره التي انهت يوم 14 يناير 2011 حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وإذا كان الوضع في تونس متمثلا في تنصيب رجل من رجالات النظام السابق على الحكم، فإنه من المتوقع أن يعود معه ماكان مع النظام من تقييد الحريات، وقد ظهر ذلك من كلام زعيم حركة النهضة الاسلامية في تونس، راشد الغنوشي، أنه يخشى من عودة الاستبداد إلى مهد الربيع العربي، لكنه تعهد بأن حزبه سيكون حارسا للدستور وللحريات وحقوق الانسان.
وأعرب "الغنوشي"عن مخاوفه في البلاد من عودة حكم الحزب الواحد والهيمنة على الادارة ومؤسسات الدولة"، مفيدا أن الشعب وجه رسالة واضحة عبر الانتخابات تفيد أنه لم يعط السلطة والاغلبية لأي حزب ليحكم وحده ..الشعب قال لا لحكم الحزب الواحد لا لعودة الهيمنة ولو عن طريق صناديق الاقتراع".
وتابع "بلادنا متجهة نحو الديمقراطية ونحن مع وجود احزاب قوية في البلاد وليس مع وجود حزب واحد صنم وسنكون حراسا لقيم الدستور وما جاء به من حريات عامة وخاصة وحقوق الانسان".
ويرى خصوم "السبسي" أن انتخاب رجل من الحرس القديم انتكاسة وضربة للثورة، وإن كان ذلك بدأ منذ تصريحاته عن إقصاء الإسلاميين، في الوقت الذي تعهدت فيه حركة النهضة والجبهة الشعبية وهما حزبان قويان ومنظمان لا يتوقع أن يسمحا بالتضييق على الحريات، وحتى حلفائه الليبراليين مثل آفاق تونس والمسار لايتوقع أن يصمتا أمام أي ممارسات قديمة والعودة بالبلاد إلى ما قبل الثورة.
إقصاء التيارات الإسلامية
كانت أول تصريحات "السبسي" فور تنصيبه الرئاسة، دليلا على المنهج الذي سيتبعه مع الإسلامين، حيث نقل موقع "تونس نيوز" تصريحات عن الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، طالب فيها بتفويض للقضاء على الإرهاب، مضيفا أن "أعمال العنف والاحتجاجات التي تحدث الآن في جنوب تونس ليست بريئة، وهناك من يحركها تحت الطاولة".
من جهة أخرى، جاءتتصريحات، طيب البكوش، أمين عام حزب "نداء تونس" العلماني، عقب فوزه بالانتخابات البرلمانية، تؤكد أنه "لن يكون هناك تحالف (مع حركة النهضة) ولا مشاركة (للحركة) في الحكومة القادمة"، مشيرا إلى أنه أصبح يحظى بأغلبية برلمانية تؤهله تشكيل الحكومة القادمة من دون أن يضطر للتحالف مع "النهضة"، وأكد أن نداء تونس لن يشرك "النهضة" في الحكومة القادمة التي منحها دستور تونس الجديد صلاحيات واسعة مقابل صلاحيات محدودة لرئيس الجمهورية.
كما كانت تصريحات "السبسي" بعد نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، تشير بوضوح إلى هذا العداء حيث قال "إن من صوت للمرزوقي هم إسلاميون وسلفيون متطرفون".
وإذا كان هذا هو الحال قبل أن يتمكن "السبسي"، قائد "النداء" من الفوز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فإن الوضع يسفر عن توقعات بحملة جديدة على التيار الإسلامي المتمثل بحزب النهضة وغيره من التيارات الإسلامية المتواجدة على المشهد السياسي التونسي.
انتكاسة للربيع العربي
مثل وصول "السبسي" لسدة الحكم، نكسة لمهد الثورات العربية, وإخماد جذوة أمل جديدة من آمال دول الربيع العربي التي تامل في انهاء عهد تقييد الحريات، وفساد مؤسسات الدولة، والهيمنة على مؤسسات البلاد.
قد يمثل فوز السبسي برئاسة تونس سيشكل عامل ضغط جديد على ما تبقى من ثورات "الربيع العربي"، وخصوصا في ليبيا التي يخوض فيها التيار الإسلامي حربا ضد العلمانية ممثلة بالقوات الموالية "لحفتر" المدعوم غربيا وإقليما، والذي سيجد دعما جديدا بعد وصول العلمانية إلى سدة الحكم في تونس .
فضلا عن أن ترحيب بشار الأسد، بفوز "السبسي" وتهنئته، لفوزه بمنصب الرئاسة خير دليل على ذلك، كيف لا يحتفي بذلك، وتصريحات الأخير- خلال حملته الانتخابية في الجولة الثانية، تؤكد بأنه سيعمل على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري حال فوزه، والتي قطعها المرزوقي سابقا، وهو ما يغني عن التعليق.