أطلق مسئولون في الغرب والشرق الأيام الماضية تصريحات اتهموا فيها الكتائب الإسلامية وثوار ليبيا باحتضان تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف إعلاميًا بـ"داعش"، وفي الوقت نفسه لمّح الغرب بضرورة التدخل العسكري في ليبيا لحمايتها من تنظيم "الدولة الإسلامية" والأفكار الجهادية على حد زعمهم.
يذكر أن الكتائب الإسلامية وثوار ليبيا يواجهون معارك شديدة أمام مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يحاول السيطرة على ليبيا بالقوة، في محاولةٍ وصفها مفتي ليبيا بالانقلاب على الثورة، حيث يلقى حفتر تأييدًا من دول الغرب وأنظمة عربية على رأسها الإمارات ومصر.
أمريكا تعلن النية في التدخل العسكري
والأربعاء الماضي أعلن جنرال أمريكى أن تنظيم "داعش" لديه معسكرات تدريب فى شرق ليبيا، وأن الجيش الأمريكى يراقب عن كثب هذه المعسكرات.
وقال الجنرال ديفيد رودريغيز – قائد القيادة العسكرية الأمريكية فى أفريقيا – للصحفيين: إن تنظيم "الدولة الإسلامية ""أقام معسكرات تدريب فى ليبيا"، حيث هناك حوالى 200 جهادي، مؤكدًا فى الوقت نفسه أن هذه الظاهرة "صغيرة جدًا وحديثة العهد".
وطلبت الولايات المتحدة من الدول المجاورة لليبيا، وهي مصر والجزائر وتونس، تقديم «تسهيلات عسكرية» تتضمن فتح المجال الجوي، وتسهيلات أخرى لإجلاء مصابين وجرحى، أثناء عمليات قصف جوي يتم التخطيط لتنفيذها حاليًا ضد الجماعات السلفية في ليبيا التي بايعت تنظيم "داعش".
وتتضمن التسهيلات المطلوبة من مصر والجزائر وتونس، السماح بمرور طائرات حربية، والهبوط الاضطراري للطائرات الأمريكية في قواعد جوية جزائرية، وذلك في إطار عملية عسكرية أمريكية يجري التحضير لها منذ أشهر، تتضمن توجيه مئات الصواريخ الجوالة من نوع "كروز"، لأهداف تابعة لتنظيم أنصار الشريعة وبعض الكتائب السلفية الليبية، وتدمير البنية التحتية للجماعات السلفية الجهادية في ليبيا.
وقال مصدر مطلع لصحيفة "الخبر الجزائرية"، إن الجزائر تلقت طلبًا من الولايات المتحدة لتقديم تسهيلات للتحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة. مشيرًا إلى أن دول التحالف تخطط جديًا لفتح جبهة جديدة ضد تنظيم الدولة في ليبيا، في حال توسع نفوذ هذا التنظيم في هذه الدولة النفطية.
وفي وقت سابق أعلن البنتاجون أن الإمارات شنت غارات انطلاقًا من مصر في أغسطس الماضي، في محاولة لم تنجح لمنع استيلاء القوات الإسلامية على طرابلس.
فرنسا تطالب بتشكيل تحالف للتدخل العسكري
من جانبه طالب جان إيف لودريان – وزير الدفاع الفرنسي – بقية دول أوروبا بدعم بلاده في تشكيل تحالف لوقف العنف واقتلاع من سماهم "الإرهابيين" من ليبيا.
وتدرس الجزائر، حسب المصدر نفسه، طلبين أمريكيين، الأول هو تدخل عسكري محدود لقوات جزائرية ومصرية في ليبيا تحت غطاء من الأمم المتحدة، أما الطلب الثاني فهو تقديم تسهيلات لبوارج أمريكية وغواصات تحمل صواريخ كروز، بالإضافة للطائرات الحربية الأمريكية، من أجل تنفيذ غارات جوية على أهداف مركزة داخل الأراضي الليبية.
وقال لودريان – في مقابلة نشرتها جريدة الفيغارو الفرنسية الثلاثاء – "يجب أن نتدخل في ليبيا ونحرك المجتمع الدولي لذلك".
وأكد لودريان أن فرنسا بإمكانها تحريك قواتها المنتشرة في عدد من دول الجوار إلى الحدود الليبية.
وأضاف أنه طالب وزراء الدفاع في دول الاتحاد الأوروبي بدعم التدخل في ليبيا خلال اجتماعهم في مدينة ميلانو الإيطالية الثلاثاء، كما حبذ تحركًا فرنسيًا مماثلاً في الأمم المتحدة.
وأضاف: "فلنتذكر أننا قمنا بعمل جماعي في مالي، ونجحنا في تعاوننا العسكري واسع النطاق من أجل تحرير هذا البلد من التهديد الجهادي".
وأوضح أن الجنوب الليبي يشكل بؤرة لما سماها "المجموعات الإرهابية"؛ حيث يتزودون بكل شيء بما في ذلك الأسلحة، ويعيدون تنظيم أنفسهم ليهددوا شمال ليبيا حيث المراكز السياسية والاقتصادية في البلاد.
واعتبر وزير الدفاع الفرنسي أن الانتشار العسكري لقوات بلاده قد يتوسع في اتجاه الحدود الليبية بالتنسيق مع الجزائر.
إيطاليا تحذر من "داعش" بليبيا
أما المجلس الأعلي للدفاع في إيطاليا برئاسة رئيس الدولة، جورجيو نابوليتانو، فقد حذر من خطر الضغوط العسكرية لتنظيم "داعش" التى تتضمن "مخاطر كبيرة" بالنسبة لأوروبا، وإيطاليا، وكذلك ما يمارسه التنظيم بالضغوط على التشكيلات الجهادية الأخرى وعلى "الإسلاميين" في مناطق عدة ومنها ليبيا، بحسب قوله.
وأشار بيان المجلس الأعلي للدفاع في أعقاب الاجتماع الذى عقد بقصر (كويرينالي) في العاصمة روما إلى أنه على إيطاليا، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي الاهتمام بعناية بتطورات الأحداث وممارسة كل جهد ممكن لمنع تدهور جديد للاستقرار في ليبيا" الأكثر تهديدًا أمنيًا ضد أوروبا، وشمال حوض المتوسط.
وأكد المجلس الأعلي للدفاع أن "الخطر الذي يشكله ما يعرف بالمقاتلين الأجانب يوضح الحاجة إلى الجهد المتكامل، سواء من الجانب المعلوماتي أو التنفيذي من طرف أجهزة الأمن الداخلي الوطني والدولي".
وفي عام 2011 أسهم تحالف دولي شاركت فيه فرنسا لدعم الثوار الليبيين في الاطاحة بالديكتاتور السابق معمر القذافي.
بوابة لمحاربة الثوار
من جانبه أكد اللواء عاصم حماد – الخبير العسكري – أن الغرب يحاول أن يتخذ من "داعش" بوابة من أجل محاربة الثوار والكتائب الإسلامية في ليبيا، ومحاولة منه لفرش البساط أمام مليشيات حفتر للسيطرة على ليبيا.
وقال حماد في تصريحات لشبكة "رصد" الإخبارية:" إن قوات حفتر ما هي إلا نسخة لنظام القذافي ظهرت بعدما أصبح الإسلاميون هم أصحاب الكلمة في ليبيا، الأمر الذي أرعب الأنظمة العربية الموالية للغرب على رأسهم الإمارات ومصر.
وقال الدكتور مصطفى عبد الباسط – الباحث في شئون المغرب العربي – إن الأنظمة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تزرع الشائعات في البلاد التي تستهدف السيطرة عليها، ومن ثم تلمح بالتدخل العسكري حتى تبدأ مقاتلاتها في النيل من أي فكر إسلامي في أي دولة، مشيرًا إلى أنها تقوم الآن بتوجيه الرأي العام العالمي بأن ليبيا تحتضن "إرهابيين" حتى يكون هناك مبرر لغزو عسكري.
وأضاف عبد الباسط – في تصريحات لشبكة"رصد": "منذ بداية نجاح ثورات الربيع العربي وثمة تآمر مع فلول الأنظمة المخلوعة، بالاضافة إلى العلمانيين وأصحاب الأفكار المناهضة للحكم الإسلامي ضد الثورة الليبية".
وتابع: " ففي عام 2011 كان هناك ابتهاج بمقتل معمر القذافي، وبدأ الليبيون في ترسيخ قواعد نهضة بلادهم، لكن لم يعد الأمر كذلك، فأصبحت مرحلة ما بعد التدخل الأجنبي كارثية ودموية، حتى تتمكن من انتزاع الثورة من أيدي أصحابها، وتسليم البلاد إلى مجرد أتباع وعملاء ومن يمثلهم الآن "خليفة حفتر".
واعتبر عبد الباسط التدخلات المصرية والإماراتية في ليبيا المساندة لقوات حفتر، أنها تجارب أولية، يديرها الغرب لانشغاله بالحرب على "الدولة الإسلامية" في الشام والعراق.
اتهامات لمصر والإمارات
ونقلت وكالة رويترز عن مسئولين أمريكيين كبار قولهم إن بلادهم لا تعقد أي أمل على محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في ليبيا.
وبرر هؤلاء ذلك بالقول إن دولاً في الشرق الأوسط تتحدى مطالبات بإنهاء "الحرب بالوكالة" في هذا البلد.
واتهم المسئولون الأمريكيون مصر والإمارات وقطر – وهي دول حليفة للولايات المتحدة – بمواصلة تشجيع الفصائل المسلحة على القتال بدلاً من المصالحة.
ونقلت "رويترز" عن مسئول أمريكي قوله في هذا الشأن: "ما هو الهدف؟ ما هي خطة النجاح هنا؟ يبدو جليًا أنه كلما زاد عدد الدول الأجنبية الضالعة في ليبيا زادت حالة عدم الاستقرار في المنطقة".