"قرآنًا يمشي على الأرض"، "صاحب أخلاق حسنة وسيرة طيبة"، "حاملًا للقرآن بالقراءات العشر"، "مجاهدًا لدينه ودعوته وعلمه"، "صاحب أيادٍ بيضاء".. ذلكم جزء من فيض ما تحدثت به ألسن المحبين للدكتور طارق الغندور – أستاذ الجلدية والتناسلية بطب جامعة عين شمس – الذي وافته المنية اليوم بمستشفى شبين الكوم؛ إثر الأهمال الطبي الذي تعرض له في المعتقل.
فمع دقات العاشرة صباحًا، تحولت مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي لصفحات من الرثاء والأسى على فراق الدكتور الغندور، الذي وافته المنية بعد اعتقال دام 11 شهرًا بسجن طره (اعتقل الغندور في 18 من ديسمبر 2013 بزعم دعمه للمسيرات الطلابية ووجهت له العديد من الاتهامات الباطلة، وحُكم عليه بالسجن 5 سنوات).
لم يشفع للدكتور الغندور كبر سنه ومرضه بـ"فيروس سي" لدى سلطات الانقلاب، فأساءت معاملته صحيًا، بل عمدت لقتله ببطيء؛ فمنعت عنه الدواء والعلاج، ومن ثم بدأت حالته الصحية تتدهور لاسيما خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ورفضت نقله للمستشفى طيلة حبسه إلا في شهر أغسطس الماضي، حيث قامت بنقله لمعهد الكبد بشبين الكوم، ولكن صحته كانت قد تأثرت سلبًا وساءت للغاية.
بالأمس ظل الغندور ينزف في محبسه دون أن تكترث إدارة السجن به، ظل يدعوهم لنجدته وإعطائه الدواء فرفضوا، وكأنهم يريدون أن يتخلصوا منه ببطء، وبعد 6 ساعات من النزيف قامت إدارة السجن بترحيله إلى مستشفى "شبين الكوم"، وما هي سوى ساعات قلائل حتى فاضت روحه ليتحول من محبسه في الدنيا إلى مثواه الأخير وجنة ربه في الآخرة.
كان "الغندور" ذا لحية بيضاء ووجه يكسوه الحمرة يشع نورًا، ولِمَ لا؟ فهو حامل لكتاب الله وحافظ له بالقراءات العشر، لم يكن طبيبًا فحسب؛ بل كان مربيًا ومعلمًا لكثير من الطلاب ومريدي العلم، كما أنه أشرف على أكثر من 100 رسالة ماجستير ودكتوراه وبحث علمي.
يذكر أن زوجته هي د. إيمان حسين شحاتة – أستاذ الميكروبيولوجيا بكلية طب عين شمس – وابنته الكبري بكلية طب عين شمس، وأصغر أبنائه في الصف الثاني الابتدائي.
وبحسب ابنه زياد، وعن آخر محادثة دارت بينهما، كتب عبر صفحته على موقع"فيس بوك: قائلاً: "آخر محادثة وهو واعي فيها، كانت وهو داخل عربية الترحيلات:
بابا: شد حيلك يا زياد متكسفنيش…بتراجع ولا لسة؟
أنا: حاضر يا بابا متقلقش هبدأ مراجعة حاضر (مكنتش أعرف إني اتأخرت أوي عشان أفرحه بختم القرآن(.
بابا: طيب شد حيلك.. وماما عاملة إيه لسة تعبانة؟
أنا: آه لسة في السرير والله.. دعواتك.
بابا: ربنا ييسر إن شاء الله.. هتزوروني إمتى المكان كئيب ومعييش حد، وبراء ويحيى وحشوني..
أنا: أول ما ماما تخف هنيجي كلنا إن شاء الله (مكنتش أعرف إن ده كان متأخر أوي).
بابا: ماشي.. سلملي عليهم كتير.
وأضاف زياد قائلاً: "المرة اللي بعدها شفته وهو مش قادر يتكلم.. كان فايق بس بيشاور بس، وبعدها دخل في الغيبوبة، أنا دخلتله كتير وهو في الغيبوبة بس عمري ما عيطت.. قبل ما يموت بربع ساعة مكنتش أعرف إنه هيموت، بس حسيت إحساس وحش أوي، وقعدت أبكي من غير سبب، ومسكت إيده.. قعدت أتكلم معاه شوية.. ونزلت.. بعدها شفته في الكفن"!
فيما تداول النشطاء على موقع التواصل الاجتماعي آخر رسالة للدكتور الغندور قبل وفاته (كما تبدو في الصورة):
نعم؛ كما كتبوا وقالوا عنه: حافظ للقرآن.. وداع إلى الله.. ومجاهد في سبيله.. إلى أن أصبح مطاردًا.. ومعتقلًا.. ثم حرًا شهيدًا بإذن الله.