من الرفيق كيم جونج أون، زعيم كوريا الشمالية، وقائد حركة التحرر الوطني في شبه الجزيرة الكورية وعموم شرق آسيا، إلى المشير عبد الفتاح السيسي، الذي كنت أظنه سيكون زعيم مصر، وباعث نهضتها وقائد حركة التحرر الوطني في أفريقيا، السلام على من اتبع الهدى وبعد:
يا خسارة يا عبدالفتاح.
أشعر بأسى عميق؛ لأنني خُدعت فيك، وبأنني مضطر لمصارحتك بتغير موقفي منك تمامًا، بعد أن كنت من خلال متابعتي لأدائك، أظن أنك ستكون شوكة في خاصرة الإمبريالية العالمية، لقد تأثرت، متسرعًا للأسف، بالتقارير المرفوعة لي من سفارتنا في مصر، والتي كانت تنقل إعجاب الشعب المصري الطاغي بوقوفكم ضد هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية وأذنابها في إسرائيل ودول النفط الرأسمالية، حتى إنني انبهرت بتلك القصة الرائعة، التي تروي كيف قمت بأسر قائد الأسطول السادس الأمريكي، وأجبرته على أن يرتدي بدلة رقص شرقية، ليرقص أمامكم على أنغام أغنيتكم الوطنية المفضلة (تسلم الأيادي)، التي كنا على وشك ترجمتها إلى الكورية، وأخذت أتخيل كم سيكون شعبنا سعيدًا لو قمنا باقتراض قائد الأسطول السادس الأسير منكم، لمدة عام، لكي نعرضه في قفص نضعه في أكبر ميادين بيونج يانج، لكي يتعلم أطفال بلادنا من جسارتكم وشجاعتكم.
أذكر أنني أيضًا، توقفت بإعجاب بالغ عند لوحة رائعة تقوم بتصويرك كأسد تجري أمامه مجموعة من الفئران المذعورة، تمثل كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاءها من جماعة الإخوان الرجعية، حتى إنني قمت بتوجيه الرفاق في سفارتنا لاستضافة الفنان الذي رسم اللوحة، لكي يقوم برسم جدارية ضخمة أظهر أنا فيها وأنت، كأسدين عملاقين يتعاونان سويًا على اصطياد الفئران الرأسمالية في أرجاء الأرض؛ بل وفكرت في أن نقوم خلال أقرب زيارة لك إلى بيونج يانج، بركوب أسدين بالفعل أمام ذلك الفنان، وهو يرسم لوحته، التي كنت أحلم بها كرمز جديد للصداقة الوثيقة بين شعبينا المناضلين، والتي تم تغييب وقائعها خلال فترة الهيمنة الأمريكية على مصر.
على خلفية كل هذه التصورات، تابعت أول زيارة لك إلى الولايات المتحدة، لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وظللت أترقب بشغف ما ستقوم به هناك، وكان ظني أنك ستعلن من عقر دار الولايات المتحدة مواجهة شاملة لسياساتها الإمبريالية العدائية التوسعية، لكني صُدِمت وأنا أراك تنتهز كل الفرص للتأكيد على علاقات الصداقة بينك وبين الولايات المتحدة، ومع ذلك فقد قمت بتغليب حسن الظن، وقلت إن ذلك ربما كان دهاءًا سياسيًا تمارسه، من أجل كسب المزيد من الوقت، قبل أن تقوم بتوجيه ضربة قاصمة للمصالح الأمريكية، حين عودتك إلى مصر.
لكن الكيل فاض يا عبد الفتاح؛ لذلك، يؤسفني أن أقول، بعد متابعة دقيقة لكل قراراتك وسياساتك وتحالفاتك، إنك: ذكرتني بما كان يقوم به قادة جماعة الإخوان الرجعية، الذين كانوا يهاجمون الولايات المتحدة وإسرائيل خلال وجودهم في المعارضة، ويلتزمون أمام أنصارهم من الكادحين بمحاربة أمريكا وإسرائيل، ثم لما جاءتهم فرصة الحكم تعاملوا مع أمريكا بوصفها تمتلك تسعة وتسعين في المائة من أوراق اللعبة، كما كان يقول رئيسكم السادات، الذي أنكر للأسف دورنا النضالي في مساندة مصر خلال حرب أكتوبر، وها أنت تفعل مثلهم؛ بل وتكرر ما كان يقوم به سلفك حسني مبارك، في ممارسة الهجوم الصوتي الإعلامي على أمريكا حين تقوم بالاعتراض على سياساته الداخلية، في حين يقوم بضمان مصالحها في المنطقة، ويوثق علاقاته مع حليفتها إسرائيل بشكل غير مسبوق، جعل أحد قادتها يصفه بأنه “حليفها الاستراتيجي الأول”.
الأمل وغد يا عبد الفتاح؛ لذلك، يؤلمني بشدة أن أتذكر كم كنت معجبًا ببعض خطواتك، التي ظننتها بداية مهمة، لبناء جبهة داخلية متينة تسحق كل الجرذان الرأسمالية، التي تسعى لتخريب وطنكم، لم يكن إعجابي بخطواتك تلك قادمًا من فراغ، فقد كنت أدرك أنه لم يعد سهلًا أن تجد في هذا العالم المخنث قائدًا صلبًا، لديه الشجاعة التي تجعله يقتل مئات الخونة في يوم واحد، من أجل أن يحيا وطنه، لعلك لن تصدق أنني كنت أبكي من الفرحة، وأنا أشاهد الفيديوهات الرائعة، التي أرسلتها لي السفارة لسحق اعتصامات ومظاهرات عملاء الرأسمالية، فقد أحسست أنني أخيرًا وجدت توأمًا في هذا الكون، يدير ظهره لكل خزعبلات حقوق الإنسان، التي سمم الأمريكان بها عقول الشعوب.
ليس هذا فحسب، لقد أدهشتني أيضًا قدرتك على السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام المؤثرة في بلادك، في وقت قياسي، ودون أن تلجأ للإعدامات، كما يحدث لدينا، انبهرت بقدرة نظامك على إصدار أحكام قضائية بالإعدام على مئات الأشخاص في جلسة واحدة، دون أن تحسبوا حسابًا لأحد، لدرجة أنني طلبت من السفارة أن تعرض على وزارة العدل استضافة خبراء قانونيين من بلادكم، لكي نقوم بتطوير أدائنا في مسألة أحكام الإعدام، لكي تصدر من خلال محاكم متخصصة، بدلًا من أن تصدر من خلالي أنا شخصيًا، بشكل يُستغل ضدي في المحافل الدولية، وأخذت أتخيل كيف يمكن أن تنهار الهيمنة الأمريكية على العالم لو وجدت دماغي ودماغك الفرصة للالتقاء؛ بل وأعطيت الأوامر لفرق عمل، لكي تقوم بالتعاون العسكري والاقتصادي والنووي بيننا، ولأتعلم منك كيف قمت بتطبيق سياسات كوريا الشمالية، دون أن يبدو للعالم أنك كوريا الشمالية.
لكن، كل خيالاتي وأحلامي انهارت، وأنا أرى علامات الرضا الأمريكي تتوالى على كل ما تفعله، لدرجة أن أمريكا تخلت عن كل بغبغتها الإعلامية ورطانتها الدبلوماسية، حول حقوق الإنسان التي تحاربني بها، من أجل تدعيم علاقتها بك؛ لأنها تأكدت أنك لا تشكل أي خطر على مصالحها، وأدركت أن حليفتها الأهم راضية عنك، كما كانت راضية عن الذين من قبلك، لأشعر بأسف شديد؛ لأن من كنت أظنه حليفًا شجاعًا، يقتل عملاء أمريكا وإسرائيل، كان يقتل بكل هذه الجرأة فقط، لكي يثبت لأمريكا وإسرائيل أنه القوة الوحيدة في البلاد، التي يمكن أن يتفاوضا معها لضمان مصالحهما، تمامًا كما كانت تفعل الأنظمة التي سبقتك.
لم يعد لدي كثير أقوله لك يا عبد الفتاح بعد أن بانت لي حقيقة توجهاتك، لكنني سأستغل الفرصة لأصارحك بأنني أصاب الآن بنوبات عميقة من الضحك، حين أتابع قرارتك وخطاباتك التي ترسلها لي السفارة بعد ترجمتها، فقد أدركت أنك على ما يبدو لا تعرف حجم الورطة التي توقع نفسك فيها كل يوم، بالطبع أتفهم أنك واقع في إغراء نموذج الحاكم الفرد، الذي يسيطر على بلد بأكملها دون حاجة إلى وجود أحزاب معارضة وصحافة مشاكسة وإعلام مزعج، وما إلى ذلك من المستحدثات الغربية، التي يحاولون إقناع بلدان العالم أن الحياة لا يمكن أن تستمر بدونها، لكنك تتصور أنك يمكن أن تحقق هذا كله بسهولة ودون أن تدفع ثمنًا له، هل كنت تظن أن شعب بلادي كان سيظل مطيعًا محبًا لي ولأبي العظيم من قبلي، لو لم نكن قادرين على إطعامه وتأمين احتياجاته الأساسية.
هل شاهدت مدارسنا وجامعاتنا ومستشفياتنا وطرقنا ومرافقنا العامة؟، وهل قارنتها بما لديك من مدارس وجامعات ومستشفيات وطرق ومرافق عامة أفزعتني تقارير السفارة عنها وعن أحوالها؟، وهل تظن أنك ستتمكن من السيطرة على الشعب؛ لأن الشعوب خلقت تعشق السيطرة وتحب التحكم، أم أنها تقبل السيطرة عندما تجد من يوفر لها احتياجاتها الأساسية؟
في العالم الغربي يا عبد الفتاح، يطلقون تسميات كثيرة على من هم أمثالي من الحكام الذين يقاومون النموذج الغربي في الحكم، يسمونني: “الطاغية ـ المستبد ـ الديكتاتور ـ الحاكم الأوتوقراطي ـ الحاكم الشمولي”، لكن هل تظن أن شعبي سيلقي بالًا إلى كل تلك التسميات، طالما ظللت أوفر له الغذاء والدواء والكساء والتعليم والأمن؟، هل كنت تظن أن الناس كانت ستحب حكامًا عظماء، مثل: كيم إيل سونج، وفيدل كاسترو، وماوتسي تونج، وستالين؛ بل وحتى هتلر، وموسوليني. وتصم آذانها عن كل الدعايات الرأسمالية، التي تشوههم، وتوافق على أن تذهب خلفهم إلى أبعد مدى، لو لم يكونوا قد وفروا لشعوبهم كل مقومات الحياة؟، هل تتصور يا عبد الفتاح أنك دونًا عن كل حكام الأرض ستقدم نموذجًا فريدًا غير مسبوق في العالم لحاكم فرد يطيعه شعبه دون أن يقدم له أي شيء؟
صدقني ياعبد الفتاح، من الممكن أن تسيطر على دولة، لكن سيكون من الصعب جدًا أن تسيطر على خرابة، فالخرابات تدار بالتوافق وليس بالسيطرة، بالطبع يحدث أحيانًا أن يقتنع سكان الخرابة أنك قادر على إصلاحها، ويبدو لك أنهم سيقبلون أن تتحكم فيهم، وعندما يلاحظون أنك بدأت في إصلاح الخرابة سيعطونك ولاءهم إلى الأبد، لكنهم لن يقبلوا أن تزداد أحوال الخرابة سوءًا ويبدو أنك غير قادر على إصلاحها ويقبلوا منك أن تتحكم فيهم بعد ذلك؟، هل تدرك ذلك أم أنك تظن أن الناس ستحبك إلى الأبد؛ لأنك تخطب بتلك الطريقة العاطفية الغريبة؟، صدقني لو كانت الحكاية سهلة هكذا يا عبد الفتاح، لما لجأ الغرب نفسه إلى بدعة الديمقراطية، ولقام باعتماد الأوتوقراطية منهجًا لإدارة حياته السياسية.
حتى حكم الفرد له أصول يا عبد الفتاح.
من طرف: كيم جونج أون.