أفرزت أحداث العام الماضي في مصر مجتمعًا غريبًا في الأخلاق والمثل والقيم الإنسانية التي كانت تجمع الناس بشتى أطيافهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية وحتى الدينية، فالمجتمع المصري كان مجتمع المحبة والمودة والتواصل الاجتماعي، وأذكر أني كان لي أصدقاء ومعارف من مشارب شتى.
وبعد الثورة المصرية على وجه الخصوص تقاربت مع كثير من الناس الذين لم يكن لي أن أجلس معهم أو أتحدث إليهم في أي ظروف أخرى. وكان الهدف الذي اجتمع عليه الناس هو التحرر من حكم العسكر وإقامة نظام يختار فيه الناس من يحكمهم وتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لكل مصري قد صهر الجميع في بوتقة واحدة.
كان الانتماء لتراب هذه الأرض وتاريخها وحضارتها وطيبة الإنسان فيها هو الذي جعل كثيرًا من المخلصين يتناسون كل شيء ويوحدون هدفهم في استعادة كرامة الإنسان المصري واستعادة مصر لدورها وريادتها، لكن الذين كانوا يتربصون بمصر وثورتها وشعبها نجحوا بشكل كبير من خلال الثورة المضادة التي قامت في 30 يونيو وتوجت بانقلاب 3 يوليو 2013 أن يدمروا بنية الإنسان والمجتمع المصري، والعلاقات الإنسانية التي كانت قائمة فيه، وأن يتحول الناس إلى قسمين حتى داخل البيت الواحد، إما حلفاء للنظام وإما أعداء له، أما حلفاء النظام فإن أقل ما يحصلون عليه هو ألا يكونوا ضحايا لبطشه وعنفه وقضاياه الملفقة وظلمه للناس، وأما أعداء النظام فإنهم عرضة لكل شيء بدءًا من ترويج الافتراءات والأكاذيب والملاحقة في الرزق والكسب ومصادرة الأموال والأملاك والتضييق عليهم في كل شؤون الحياة، ووصولًا لتلفيق القضايا والأحكام التي تصل إلى الإعدام، شيء بين الخرافة والأسطورة حدث في مصر، حيث يحض المصري الذي كان مسالمًا النظام الدموي على قتل أخيه بل يشارك في القتل، وقد حول هذا الأمر جانبًا من الشعب إلى غرباء منبوذين مشوهين في بلادهم، ووصل الأمر بأن كل من أصبح يرفض الظلم أو الارهاب الذي يمارسه النظام أو ينحاز لمظلوم أو يتحدث عن قيم يوضع في دوائر سوداء مظلمة أيا كان فكره أو دينه، وأصبحت القيم والأخلاق والمثل والموروثات الاجتماعية الإنسانية شبهات يمكن أن تؤدي بصاحبها إلى غياهب السجون أو زنازين أمن الدولة، فقد أصبحت القيم هي قيم النظام، والأخلاق ما يراه، والقوانين ما يفرضها، والمثل هي ما ينشرها، وما سوى ذلك هو معاداة للنظام الشمولي العسكري القمعي الذي يختطف المجتمع والناس.
المصدر : الوطن القطرية