"أعلنا إقامة الخلافة الإسلامية" .. جملةٌ تكررت على مسامعنا خلال الآونة الأخيرة، وبرغم ما قد يراه البعض سموًا في الغاية، إلا أن ذلك عجز عن تبرير ما يرتكبه المنادون بها من مذابح في حق الأبرياء، بدايةً من تنظيم "الدولة الإسلامية"، وانتقالاً إلى جماعة "بوكو حرام" بنجيريا، والتي سارت على خطى "داعش"، إذ أعلنت الجماعة، أمس الأحد، إقامة الخلافة الإسلامية؛ الأمر الذى اعتبره كثيرون من أبناء التيار الإسلامي "تشويهًا لفكرة الخلافة"، لا سيما بعد عشرات المذابح التي أقامتها كلتا الجماعتين بحق المسلمين قبل المسيحيين.
بدأ الامر بإعلان "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، في 29 يونيو الماضي، قيام ما وصفه بـ"الخلافة الإسلامية"، من "حلب" بسوريا إلى "ديالى" في العراق، ونصَّب "أبو بكر البغدادي" إمامًا وخليفةً للمسلمين في كل مكان، داعيًا ما سماها الفصائل الجهادية في العالم إلى مبايعته، مشيرًا إلى أن شرعيته "تبطِل شرعية جميع الإمارات والجماعات والولايات والتنظيمات التي يتمدد إليها سلطانه ويصلها جنده".
وجاء ذلك الإعلان عقب ساعاتٍ من بث التنظيم تسجيلاً مصورًا بعنوان "كسر الحدود"، تضمن مشاهد لدخول عناصر التنظيم الأراضي العراقية من الحدود السورية.
وأعلن "العدناني"، آنذاك، بشكلٍ رسميٍ قيام الخلافة الإسلامية، وتنصيب خليفة للمسلمين، ومبايعة عبدالله إبراهيم، "أبوبكر البغدادي" الذي قبل البيعة.
وقال "العدناني" إنه تم إلغاء اسمي "العراق" و"الشام" من مسمى الدولة، ويقتصر على "الدولة الإسلامية"، وذلك من لحظة صدور هذا البيان.
وجاء في البيان: "بطلت شرعية جميع الجماعات والتنظيمات الإسلامية الأخرى، ولا يحلّ لأحد منها أن يبيت ولا يدين بالولاء للخليفة البغدادي"، وختم البيان بتهديد كل من "أراد شق الصف" بأنهم "فالقوا رأسه بالرصاص".
وما هي إلى أيام حتى أظهرت تلك الجماعة وجهًا آخر، غير الذى أمل به الإسلاميون، حيث انتشرت مشاهد الذبح للمسلميين وغير المسلميين، وانتشرت فتاوي وأحكام استنكرتها العديد من الجماعات الاسلامية.
وسيرًا على خطاهم، أعلنت اليوم جماعة "بوكو حرام"، النيجيرية، الخلافة الإسلامية في المدن التي استولت عليها مؤخرًا، في شمال البلاد.
وفي تسجيلٍ مصورٍ جديد، حصل عليه موقع "صحارى ريبورتز" الإخباري المستقل على الإنترنت، قال زعيم الجماعة، "أبو بكر شيكاو": "نشكر الله على النصر الكبير، الذي وهبه لأعضائنا في جوزا، وجعل المدينة جزءًا من الخلافة الإسلامية".
ونقل الموقع عن زعيم الجماعة ما قاله بشأن تحقيق النصر في هجمات على "أبوجا" ومدينة "داماتورو"، عاصمة ولاية "يوبي". وهذا هو أول تسجيل مصور تبثه الجماعة المتشددة، بعد التفجيرات الانتحارية في "داماتورو"، والتي راح ضحيتها أكثر من 17 شخصًا خلال شهر رمضان الماضي، والهجوم الأخير على العاصمة "أبوجا"، في يونيو الماضي.
ووفقًا للموقع الإخباري، فقد تبنى "شيكاو"، أيضًا الهجمات الأخيرة على "دامبوا"، وهي بلدة رئيسية أخرى، استولت عليها الجماعة في الأسابيع الأخيرة، قبل أن تستعيد قوات الجيش النيجيري السيطرة عليها، مضيفًا بكل الفخر: "نحن في دولة خلافة إسلامية. وليس لنا علاقة بنيجيريا، ونحن لا نؤمن بهذا الاسم".
أما الآن، فنجد الكثير من التساؤلات تطرح نفسها؛ بعد تلك التصريحات بإعلان الخلافة في أكثر من دولة، وبعد التصرفات التبعية الناتجة عن إعلان تلك الجماعات للخلافة، وسط عشرات المذابح للمسلمين قبل المسيحيين .. ماهي "الخلافة الإسلامية" التي أعلن عنها التنظيم؟ وهل هذا هو شكلها؟ وهل هي شرعية؟ وهل يمكن أن تكسب شرعيتها على أرض الواقع؟ وهل يمكن لها الاستمرار؟ أم أنها "خلافة" آيلة إلى السقوط منذ نشأتها؟ وهل ستكون بداية لتقسيم العراق ومن ثم المنطقة؟
ما هي الخلافة الإسلامية؟
بعد وفاة النبي محمد (ص)، في العام 632 ميلاديًا والموافق 11 هجريًا، توافق المسلمون على نظام الخلافة، أي أن يكون هناك خليفة للنبي على رأس دولة الاسلام. وكان الخليفة قائدًا للامة، يقوم بتطبيق الشريعة على ارض الإسلام. وقام الخلفاء بتوسيع رقهة الدولة، انطلاقًا من المنطقة التي تقع في عصرنا الحالي في غرب السعودية، واختير حينها الصحابي "أبو بكر الصديق" كأول خليفة للنبي بعد وفاته.
وفي ظل نظام الخلافة، تم تطوير نظام حكم كامل، فيما توسعت أراضي الخلافة بشكل كبير، وفي كل الاتجاهات، وكان الخليفة يحظى بوزراء وحكام معينين على الإمارات المختلفة.
ولم تحدد الأراضي الإسلامية قط بموجب دستور، ولطالما اعتبر توسيع أرض الإسلام جزءًا من مهمات الخليفة، وامتد حكم العثمانيين في أوجّه على سبيل المثال على سائر أراضي الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وصولاً إلى القوقاز وشرق أوروبا.
ويعتقد مسلمون كثر أن الخلافة الإسلامية ظلت قائمة، إلى أن ألغتها تركيا في أعقاب هزيمة السلطنة العثمانية، في الحرب العالمية الأولى، إذ كان السلاطين العثمانيون يحملون لقب خليفة المسلمين.
وعلى نطاق أوسع، يوجد طرح آخر،ل لا بد من أخذه في الاعتبار، بأن النظام الأساسي للخلافة لم يستمر إلاّ حوالى ثلاثة عقود عقب وفاة النبي، وهي فترة حكم الخلفاء الراشدين الأربعة.
وفي الفترة التي اعقبت حكم الخلفاء الراشدين، تنازعت سلالات عدة حكم الأراضي الإسلامية الواسعة، بدءً من الأمويين في دمشق (661-750)، مرورًا بالعباسيين في بغداد (750-1258)، وصولاً إلى العثمانيين (1453-1924).
وبالرغم من منح حكام هذه السلالات لقب خليفة، إلاّ أن نظام الحكم كان وراثيًاأ وظل ضمن إطار السلالة، على عكس الخلافة في فترة الراشدين، وفي مارس 1924، ألغى الرئيس التركي العلماني، "مصطفى كمال أتاتورك" نظام الخلافة من الدستور.
وطالما دعا الإسلام السياسي بشكلٍ عامٍ إلى حكم الشريعة، كنظام حياة يشمل السياسة وسط طياته .. ففي مصر، اعتبر مؤسس جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، "حسن البنا"، أن الخلافة هي رمز الوحدة الإسلامية، وأن إعادة نظام الخلافة يشكل هدفًا لجماعته. إلا انه لا بد من معاهدات تعاون بين الدول الاسلامية تسبق عودة الخلافة، ما يؤدي إلى إقامة وحدة يقودها إمام متفق عليه.