"برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا" مطلع قصيدة شعر قالها شوقي منذ عقود، فيمن اتصفوا بالاحتيال والمكر، ولكن الواقع يسقطها على ازدواجية المعايير والمواقف، فبعد أن فشلت سلطات الانقلاب المصرية في إبعاد تهمة الفاشية والعنصرية عن أداء حكوماتها المتعاقبة، راحت تبحث عن فاشيات أخرى تبرر بها القتل والانتهاكات التي ترتكبها في حق الشعب المصري.
ففي تناقض غريب آخر أثار العديد من الاستهجانات، نصحت سلطة الانقلاب بمصر الولايات المتحدة الأمريكية بضبط النفس، والتروي في تعاملها مع المتظاهرين، وعدم استخدام العنف المفرط، في محاولة منها لتسليط الضوء على العنف في أمريكا ولسان حالها يقول: "الانتهاكات عندكم زي عندنا ..لا تعايرنيي ولا أعايرك القمع طايلني وطايلك".
وفي تسويق مستهجن لأعمال العنف التي مارستها الحكومة الأمريكية ضد المتظاهرين الأمريكين السلميين، أفردت صحيفة الوطن – المؤيدة للانقلاب – ملفا خاصا لعرض تلك الأفعال بعناوين رنانة منها "الشرطة الأمريكية ..تاريخ من العنف"، و "على طريقة خالد سعيد أمريكيون يطالبون بالقصاص لبراون على فيس بوك وتويتر"، و"واشنطن تستخدم أسلحة الجيش لقمع المتظاهرين".
فالأمر أصبح مكررًا؛ فحكومة الانقلاب الآن تستخدم ذات العبارات، التي كانت تستخدمها واشنطن العام الماضي عندما انقلب الجيش على الرئيس محمد مرسي؛ حيث قال أوباما لمصر آنذاك، إن هناك حاجة للتهدئة وضبط النفس في التعامل مع المحتجين الإسلاميين.
وفد طالب اللواء هاني عبد اللطيف المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية، رجال الأمن في الولايات المتحدة الأمريكية، بضبط النفس والتعامل بنوع من الحوار، مع أهالي الشاب الذي لقي مصرعه على يد أحد الضباط الأمريكيين.
وأضاف خلال مداخلة هاتفية لبرنامج "على مسئوليتي" المذاع عبر شاشة "صدى البلد"، مساء الثلاثاء، "أن الشرطة الأمريكية استخدمت العنف "بشكل مفرط" تجاه مجموعة من المتظاهريين السلميين، الذين لم يفعلوا شيئًا سوى رفع اللافتات السلمية"، حسب تعبيره.
كما أفردت صحيفة "اليوم السابع" عبر موقعها الإلكتروني تصريحات واشنطن، وأوردتها في مواضيعها المميزة، وصورتها كفاشية جديدة يستقوى بها الانقلاب ويبرر بها جرائمه.
وعلى الجانب الآخر، فقد ردت واشنطن على الانتقادات التي وجهتها إليها القاهرة، مؤكدة أن الولايات المتحدة تعالج مشاكلها "بنزاهة وشفافية". وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف ردا على سؤال عن الانتقادات التي وجهتها إلى واشنطن القاهرة وكذلك أيضا طهران وبكين وموسكو، أنه "عندما تكون لدينا مشاكل وقضايا فى هذا البلد فنحن نعالجها بنزاهة وشفافية".
وأضافت خلال مؤتمرها الصحفي اليومي، أن "الناس أحرار في قول ما يريدون، هذه حرية التعبير، ولكن أنا أختلف تماما مع مقولة أن ما يجرى هنا يمكن مقارنته بالأوضاع في البلدان المذكورة".
وتابعت المتحدثة "هنا فى الولايات المتحدة، نحن نأخذ في الاعتبار كيف نعالج مشاكلنا بشفافية ونزاهة وصدق، مقابل ما يجرى في أي دولة أخرى في العالم".
وأضافت هارف: "هذه هي حلاوة حرية التعبير التي ننعم بها فى الولايات المتحدة. إنها حرية التعبير التي لا يمكننا أن نقول أنها تحظى بنفس الاحترام في مصر".
وكانت خارجية الانقلاب أعلنت في وقت سابق الثلاثاء، أنها تتابع عن كثب الاحتجاجات في مدينة فرجسن بولاية ميزورى الأميركية، التي انتشرت فيها قوات الحرس الوطنى إثر اضطرابات عرقية، مؤيدة دعوة للأمم المتحدة بضبط النفس واحترام حق التجمع.
وقال السفير بدر العاطى المتحدث باسم خارجية الانقلاب للصحفيين "إننا (مصر) نتابع عن كثب تصاعد الاحتجاجات والمظاهرات في مدينة فيرغسون وردود الفعل عليها". مشيرا إلى تصريحات الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي طالب واشنطن بضبط النفس.
وأضاف عبد العاطي أن تصريحات بان كي مون "تعكس موقف المجتمع الدولي تجاه هذه الأحداث، خاصة ما تضمنته من مطالبة للسكرتير العام بضبط النفس واحترام حق التجمع والتعبير السلمي عن الرأي".
يذكر أن مئات الأشخاص فى بلدة فرجسن في ولاية ميزوري الأمريكية، التى هزتها احتجاجات غاضبة إثر مقتل شاب أسود غير المسلح مايكل براون (18 عامًا)، السبت الماضي ،على يد الشرطة، بعد ساعات على استبدال القوات المحلية بشرطة الولاية.