في الذكرى الأولى لمجزرتي رابعة والنهضة أقول بكل ثقة، وبعد بحث واستقصاء، إن الغالبية العظمى من الذين أيدوا الفضَّ نادمون على تأييد ما حدث في ذلك الأربعاء الأسود.
لقد صَدَّقَ الكثيرون أكاذيب إعلام الانقلاب، وظنوا أن هؤلاء المعتصمين مجرمون، وأن استقرارهم الشخصي وأمانهم الحقيقي سيكون بفضِّ هذا الاعتصام مهما كان الثمن، وظنوا أن المجزرة ستمنع الحرب الأهلية.
نعم … لقد صدقوا هذا الكذب الحقير، وهم اليوم نادمون.
هناك من جاهر بندمه، ولكنهم ليسوا أغلبية، وهناك من ندم ولكنه لم يجهر بندمه، وذلك لسببين، الأول : خوف الشماتة.
والثاني : خوفا من أجهزة الأمن القذرة التي عادت لتنتقم.
ما الذي نقوله في ذكرى الأربعاء الأسود؟
بالنسبة لي أتوجه بست كلمات.
الكلمة الأولى : لأهالي الشهداء والمصابين والمعتقلين.
طوبى لكم، لا تحسبوه شرا لكم، بل هو خير، والله ثم والله إن هذا اليوم سيظل خالدا في تاريخ مصر إلى الأبد، وقريبا جدا سيتحول موقف كل مصري من هذه المجزرة إلى مفخرة يفخر بها، أوعارٍ يحاول إخفاءه كي لا يعيش في الخزي هو وذووه.
شهداء الحرس الجمهوري والمنصة ورابعة والنهضة ورمسيس وما بعدها … لحقوا بإخوانهم من شهداء ثورة الخامس والعشرين من يناير، في جمعة الغضب، وفي محمد محمود، وفي مجلس الوزراء، (وفي أي يوم أو موقعة استشهد فيها الثوار)، وفي سائر محافظات مصر من أقصاها إلى أقصاها، كلهم ماتوا من أجل مطالب عادلة، وقتلهم من قتلهم وهم سلميون، عزّل.
من ارتقى من الشهداء له الجنة، وله شفاعة في أحبابه وأعزائه، وله الخلد في سجل الشرف في هذه الدنيا.
اصبروا … قريبا ستسمى الشوارع بأسماء شهداء رابعة والنهضة وكل شهداء ثورة يناير، وسترون قصاصا عادلا من القتلة الذين لم يتقوا الله في مصر.
كل شهداء الثورة سواء، لا فرق بين كبير وصغير، أو مسلم ومسيحي أو غير ذلك، أو فقير وغني، أو رجل وامرأة.
إلى المصابين وذويهم أقول ستكون إصاباتكم مدعاة فخر لكم ما كتب الله لكم أن تعيشوا.
أما المعتقلون وذووهم فأقول لهم اصبروا، فالفرج قريب، وإياكم واليأس، واعلموا أن سجناءكم في خير كبير ما دمتم صابرين، واعلموا أن كل يوم يمر يزيد به المعتقل رفعة عند الله، واحتراما عند الناس، وتزيدون به أنتم في الدنيا والآخرة.
الكلمة الثانية : إلى الذين شتموا وشمتوا.
لا شماتة، ولا شتيمة !، لسنا مثلكم، ومهما فعلنا لن نبلغ عشر معشار انحطاطكم.
فكل من شمت في قتلى ذلك اليوم أذله الله (حَدَثَ ويَحْدُثُ وسَيَحْدُثُ) !
أحد الإعلاميين الشامتين الشاتمين ضربه أمين شرطة بالحذاء في عز الظهيرة في شارع من أكبر شوارع القاهرة !
الأجهزة التي حرضتموها على القتل تمارس معكم اليوم كل أصناف الانتهاكات، لقد عادوا للانتقام من الجميع، ولا شفاعة لأحد، لا بد أن (يعلِّموا) على الكل، لا بد من إذلال الجميع، حتى من وقف معهم، لا بد أن يرى العين الحمراء لكي يظل كلبا لأسياده.
كل من شتم الشهداء، وشمت في أهلهم وذويهم، كل من وصف الآخرين بالخراف … الخ، لقد أظهر الله الحق، واتضح أن الخروف هو من يصدق أجهزة إعلام وأجهزة أمن لا ولم ولن تعرف طريق الصدق، بل خلقها الله لتكذب وتزوِّر وتقتل !
وها هي منظمة "هيومان رايتس ووتش" تعلن تقريرها الفاضح، واكتشفنا بعد عام من المجزرة أننا قد وضعنا في قصر الرئاسة وفي مجلس الوزراء وفي مؤسسات الدولة مجموعة من المسؤولين ليتهمها العالم الحر بارتكاب جرائم حرب.
سيرد إعلامهم بأنها مؤامرة على مصر، وحينها قل له "خيبك الله"، من أنت كي يتآمروا عليك؟ نحن أمام نظام أتفه من أن يتآمر عليه أحد، نظام سوف يقتل نفسه بنفسه، وينهي حياته بيديه.
لأول مرة في تاريخ الدولة المصرية نرى قياداتنا في هذا الوضع، نظام بأكمله، دولة بمؤسساتها، متهمة بأنها ارتكبت أكبر مجزرة في التاريخ الحديث يرتكبها نظام ضد أبنائه، ياللعار يا مصر !!!
إنها جرائم ضد الإنسانية، لا تكفرها توبة، ولا عمرة، ولا "سهوكة" !
الكلمة الثالثة : لكل من شارك بالقتل.
حسابك قريب، أقرب مما تتخيل، وسوف يكون حسابا عسيرا، ولن يكون الحساب بمجزرة حقيرة كالتي ارتكبتموها، بل سيكون بمحاكمة عادلة، ولكن هذه المرة لن تستطيع إتلاف الأدلة، ولن تتمكن من تهديد الشهود، ولن تقدر أن تهرب من تنفيذ العقوبة.
حسابك أيها القاتل هنا في مصر، وليس في "لاهاي"، وليس في أي مكان آخر سوى مصر.
محاكمات هدفها العدل لا الانتقام، وطريقها القصاص لا الثأر !
الكلمة الرابعة : لأجهزة الإعلام التي مهدت للمجزرة قبل وقوعها، وباركتها وبررتها بعد ارتكابها.
غالبيتكم لا خلاق له، ولا علاقة له بالإعلام، ولستم إلا تشكيلا عصابيا من المخبرين، وحسابكم ربما يكون من الناس في الشوارع قبل أن تصلوا لقفص المحاكمة.
وتأكدوا أنه لن تنفعكم يخوتكم التي جهزتموها للهرب، ولن تنفعكم "تربيطاتكم" في الدول اياها !
أنتم شركاء في الدم، وشركاء في النهب، وشركاء في الانتهاكات، وشركاء في إفساد الحياة السياسية، وشركاء في إفساد علاقات مصر الخارجية وتهديد أمنها القومي، وبيننا وبينكم قانون العدالة الانتقالية الذي سيحاسب الكبير قبل الصغير.
الكلمة الخامسة : للدول التي دعمت الانقلاب وباركت المجزرة.
ستعلمون مكانة مصر بعد أن تتحرر من أذنابكم، أما ملياراتكم التي بددتموها على سفهاء النظام الساقط فهي دين شخصي على هؤلاء القتلة، ولا علاقة للأمة المصرية بهذه الديون، هؤلاء مجموعة من اللصوص، ومؤامراتكم واتفاقاتكم معهم مشكلتكم.
لن تنالوا دولارا واحد مما دفعتموه تأييدا ودعما للانقلاب !
لقد لعبتم بالنار، فتحملوا مسؤولية أفعالكم.
الكلمة السادسة : لهؤلاء السذج الذين أيدوا الفضَّ ثم ندموا بعد أن رؤوا القتل وعواقبه، أقول لهم مبارك لكم بوادر صحوة إنسانيتكم، ولكن كفارتكم – إن كانت لكم كفارة – أن تجهروا بالحق، وأن تعينوا الأحرار الذين ما زالوا في الشارع، وأن تعملوا من أجل عودة دولة الحرية لمصر، كما ساعدتم على عودة دولة الأسياد والعبيد، وإلا فأبشروا بالخسران في الدارين.
كل من سَلَّطَ لسانه على هؤلاء المعتصمين، وكل من حرّض عليهم، عليه اليوم أن يفعل أضعاف ما فعله آنذاك.
لا تبالِ بما قد يقال عنك، فهذا ثمن بخس لقاء رجوعك إلى الحق، وتذكر آخرتك، وتذكر دنياك، فالدهر دوار، ومن في السجن اليوم قد تراه في القصر غدا أو بعد غد.
قبل أن أختم مقالتي لا بد أن أجيب على سؤال يتوجه إليَّ به كثير من القراء (متى سيسقط الانقلاب؟).
والجواب : سيسقط قريبا جدا بإذن الله تعالى، ولكن بعد أن يَتَّحِدَ حراكُ الشارع، وبعد أن يتأكد الناس أن مطالبهم واحدة، وبعد أن يفضح الله سائر من لا خير فيهم، وبعد أن يتورط كل من في قلبه مثقال ذرة من استبداد في تأييد الوضع الحالي.
بعدها … سيأتي الطوفان، وسيبدأ جيل جديد من المصريين معركة البناء، دون تفريق بين مصري ومصري، بالدين أو العرق أو الجنس أو المال أو الطبقة الاجتماعية.
مقياس التفاضل بين المصريين في دولة ثورة يناير … العلم، والعمل.
كل ما ترونه اليوم زبد سيذهب جفاء، وسيبقى ما ينفع الناس في الأرض.
اتحدوا … ليسقط الانقلاب،ولنبدأ صفحة البناء !
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين …