بعد زلزال الثورات الذي أطاح بالأنظمة الفاسدة في البلدان العربية والتي صاحبها هجمات ارتدادية لعودة زمام الأمور كما كانت، يلجأ أتباع الأنظمة القديمة التي أسقطتها الشعوب إلى الرصاص والقتل كخيار وحيد في عودة أنظمتها.
شرارات الثورات
انطلقت ثورة شعبية غير مسبوقة في تونس لتطيح سريعا بحكم الرئيس المخلوع زين العابد بن علي ، ومن تونس إلى مصر كانت الثورة الشعبية الكبرى وموجة الغضب التي أشعلها الشباب لتسقط نظام المخلوع حسني مبارك في ثمانية عشر يوما.
وتنطلق بعدها الثورة إلى ليبيا لتكون هذه المرة ثورة مسلحة تنتصر على معمر القذافي وتنتهي بمصرعه، لكن قطار الثورات العربية تعثر في اليمن وانتهى باتفاق تنازل فيه الرئيس السابق علي عبد الله صالح لنائبه هادي منصور عن الحكم .
في سوريا لازالت يشهد الشعب أكبر مأساة إنسانية في التاريخ المعاصر على يد النظام الدموي الغاشم الذي حول الثورة الشعبية السلمية ضده إلى صراع مسلح وحرب طائفية استباح فيها أرواح ودماء وحرمات الشعب السوري الأعزل.
واستبشرت الشعوب العربية والإسلامية بثورات الربيع العربي التي أطاحت سريعا بثلاث نظم استبدادية عاتية ، وفتحت أبواب الآمال أمام استعادة إرادة الشعوب الحرة واستقلالها والقضاء على الفساد والظلم والاستبداد، حسبما قال محللون بحثاً عن تطبيق العدل الذي طالما حرمت منه تلك الشعوب.
لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن ، وواجهت الثورات الوليدة لحظات عصيبة وظروفا سيئة وتحديات ضخمة وأعداء كثر في الداخل والخارج ،ومن رحم تلك الثورات ولدت الثورات المضادة بقيادة فلول وقيادات الأنظمة السابقة.
السيسي وبشار
قال علي صدر الدين البيانوني المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، إن وصول السيسي إلى حكم مصر، يؤدي إلى زيادة إصرار القتل والاعتقال والتشريد الذي يجريه بشار الأسد ضد شعبه، مؤكدًا أن تهنئة السيسي للأسد على قتل السوريين تدل على أنهما وجهان لعملة واحدة مؤكداً أن ثورة الشعب المصري إحدى الثورات الملهمة لقيام ثورة الشعب السوري.
بدوره قال الكاتب اليمني ياسر أبو هلاله إن استمرار نهج واحد يحكم البلدان العربية، و تحكم المافيا العسكرية بمواردها هو سبب فشل الربيع العربي، والمتاجرة بإرثه، مع استخدام فزاعة الإسلاميين في ذلك ، لتترك المافيا فتاتها لإسكات الشعب بعد عمليات النهب واسعة النطاق.
المضادة بدأت تدريجياً
وأوضح الدكتور رفيق حبيب، الكاتب والمحلل السياسي، أن الثورة المضادة نمت تدريجيا، خاصة عندما وصل الربيع العربي إلى سوريا، فبدأت عملية الثورة المضادة، تنتقل من دولة إلى أخرى لافتا إلى أن سوريا حولت الثورة إلى حرب أهلية، بفعل القوى التي يفترض أنها ساندت الثورة، وأيضا القوى التي ساندت النظام.
و أضاف خلال دراسة له أن الثورة السورية تحولت إلى حرب أهلية، وتحولت الثورة اليمنية إلى نصف ثورة ونصف انقلاب عسكري، ثم دفع اليمن إلى مرحلة الاضطراب والحرب الأهلية و في ليبيا فقد تم تأسيس عوامل الحرب الأهلية منذ اللحظة الأولى للمواجهة بين الثورة والنظام.
وأشار إلى انه في مصر وتونس بدأت عجلة التحول الديمقراطي تتحرك ، لكن أفشلتها مخططات الثورة المضادة، فجاء الانقلاب العسكري الفج في مصر تعبيرا عن خوف تحالف الثورة المضادة من أن تتقدم مصر أكثر من ذلك في مسارها الديمقراطي.
لا فرق
ويقول روبيرت فيسك، المحلل السياسي الدولي، فى مقال له فى صحيفة "الإندبندنت" البريطانية متسائلاً :«لماذا يحب الحكام الديكتاتوريون الانتخابات؟ خصوصا مع فوز السيسي وبشار وبوتفليقة في الانتخابات الرئاسية ، مؤكداً أنه لا فرق بين القاهرة ودمشق .. فالوضع واحد».
قضت على الآمال
وقالت خديجة بن قنا الإعلامية بقناة الجزيرة: "بوتفليقه يترشح ، السيسي يترشح، بشار يترشح، و الشعوب تترنّح وسط مذابح الحرب".
وأضافت أنه بعد صراع طاحن على مدى ثلاث سنوات وبعد دمار أحياء بأكملها ونزوح أعداد غفيرة من السكان يفوز بشار برئاسة ثالثة في تحد للمحتجين ومقاتلي المعارضة والخصوم الغربيين الذين يطالبونه بالرحيل ، مؤكدة أنها حرب قضت على الآمال .
هناك أمل
وأشارت صحيفة "هافينجتون بوست" الأمريكية أنه رغم أن الشباب, الذي أشعل ثورات الربيع العربي, بات مطاردا من قبل "جنرالات الثورة المضادة"، إلا أن ما يدعو للتفاؤل أنهم جيل مميز أكثر تحضرا وثقافة وخبرة في وسائل الإعلام من جيل الآباء والأجداد, ولذا يتوقع عودتهم إلى السلطة كسياسيين في غضون عقدين, أو ثلاثة.
