شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

المصالحة الوطنية .. هل تتحقق في ظل دماءٍ تسيل؟

المصالحة الوطنية .. هل تتحقق في ظل دماءٍ تسيل؟
لا تزال الأحداث تتفاعل سريعًا في مصر منذ الانقلاب على ثورة 25 يناير من طرف "عبدالفتاح السيسي"،...

لا تزال الأحداث تتفاعل سريعًا في مصر منذ الانقلاب على ثورة 25 يناير من طرف "عبدالفتاح السيسي"، قائد الانقلاب العسكري وأزلامه، وعزلهم للرئيس المنتخب "محمد مرسي"، من قتلٍ واعتقاٍل وتشريدٍ وأحكامٍ غير عادلةٍ، كل تلك عوامل تقف صدًا صلب أمام أي مبادرات.

 

ونبهت الغالبية من المراقبين والسياسيين منذ البداية، أن ما جرى كان انقلابًا عسكريًا بكل المقاييس، سواءً من حيث الإخراج أو القرارات المترتبة عليه، أما الآن، فإن اتجاهات الموقف وتطورات المشهد العام، تحيلنا إلى معركة تصفية حقيقية، تخوضها قوى "الثورة المضادة" ضد منجزات الثورة من جهة، وصوب "الإخوان المسلمين" على وجه الخصوص، وقد اجتمعت في ذلك مع إرادات داخلية لها حساباتها المصلحيّة الضيقة، وجهات خارجية، وفي مقدمتها بعض المملكات الخليجية التي تآمرت وخططت وقدمت المكافأة المالية للانقلابيين بشكل علني وسريع.

 

مباداراتٌ بائت بالفشل:

 

مبادرة "إبراهيم يسري"

لعل أحدث تلك المبادرات، هي مبادرة السفير "إبراهيم يسري"، عضو مؤسس لجبهة "الضمير"، والتي طالب فيها بعودة الدكتور "محمد مرسي" إلى منصبه كرئيس شرفي، وتحصين جميع أعمال القوات المسلحة الخاصة بمكافحة الإرهاب.

 

وتضمنت المبادرة عودة دستور 2012 وتجميد بعض المواد الخاصة بسلطات رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة قوية بتوافق من القوي الثورية والسياسية، تنقل إليها سلطات رئيس الجمهورية لحين انتهاء الانتخابات البرلمانية، وسقوط جميع قرارات الرئيس المعين "عدلي منصور" منذ نفس اليوم، إلى جانب خروج جميع معتقلي الشرعية ووقف القرار الخاص بحل جماعة "الإخوان المسلمين".

 

ويعترض على هذه المبادرة العديد من أعضاء جبهة "الضمير" وعلى رأسهم دكتور "عمرو عبد الهادي".

 

مبادرة "أبو المجد"

لم تأخذ مبادرة دكتور "أحمد كمال أبو المجد"، أستاذ القانون الدستوري، طابعاً رسميًا بعد، وهي تنصّ على ما وصفه بنبذ الجماعة للعنف وتقديم اعتذار للشعب عنه، والاعتراف بسلطات الحكم الحالي ووقف التظاهرات في الشوارع والميادين، والتخلي عن المطالبة بعودة الرئيس الشرعي "محمد مرسي"، في مقابل الاندماج في الحياة السياسية، وإيقاف حملة الاعتقالات في صفوف "الجماعة"، والإفراج عن بعض قياداتها.

 

وجاء رد "الإخوان المسلمين" على هذه المبادرة بالرفض فاعتبر دكتور "محمد علي بشر"، عضو مكتب الإرشاد لـجماعة "الإخوان المسلمين" والقيادي بـ"التحالف الوطني لدعم الشرعية"، أن الشروط التي وردت في مبادرة الصلح غير مقبولة لأن تكون بداية لحوار حقيقي.

 

وأكد "بشر" أن القبول بهذه الشروط، يُعد تحيزًا لطرف من الأطراف دون آخر، ويعد اعترافاً بالانقلاب، حسب وصفه، فيما وصف "أبو المجد" تمسك "الإخوان" بشروطهم بـأنه استمرار للموقف الحالي وللاحتقان بالشارع المصري.

 

مبادرة "العوا"

سعي الدكتور "محمد سليم العوا"، المرشح الرئاسي السابق، من خلال مبادرته إلى إجراء انتخابات رئاسية خلال ثلاثة أشهر وتشكيل حكومة برئيس وزراء توافقي، لحين إجراء انتخابات برلمانية، للخروج من الأزمة.

 

قوبلت هذه المبادرة وقتئذ بالترحيب من قبل حزب "النور"، الذي أكد أن الدعوة لانتخابات برلمانية عاجلة حلاً سلميًا يرضي جميع الأطراف، بعدها يقوم المجلس بتشكيل لجنة لتعديل الدستور وعمل انتخابات رئاسية، مع ضرورة وضع تعديلات على صلاحيات الرئيس، حتى تكون الدولة برلمانية رئاسية، ومن ثم عمل انتخابات رئاسية مبكرة.

 

وأشار الحزب إلى أنه في حال إذا كانوا في حاجة لحلول سريعة فلابد من استفتاء عاجل على بقاء الرئيس من عدمه وعلى خارطة الطريق التي وضعتها القوات المسلحة.

 

ولم يكن هناك أي رد فعل حيال المبادرة من قبل جماعة "الإخوان المسلمين" الذين تمسكوا بالشرعية المتمثلة في عودة الرئيس الشرعي.

 

مبادرة "هشام قنديل"

أعلن الدكتور "هشام قنديل"، رئيس الوزراء السابق، في وقتٍ مبكر، عن مبادرة، نصت على الإفراج عن الرئيس السابق "محمد مرسي"، والاستفتاء على مطالب تظاهرات 30 يونيو، وهي المبادرة التي وافقت عليها "الجماعة الإسلامية".

 

لكن "جهاد الحداد"، المتحدث الرسمي باسم جماعة "الإخوان المسلمين"، أعلن أن تقديم تنازلات في هذا التوقيت مرفوض، مشددًا على عدم القبول بأي حلول سوى عودة الشرعية المتمثلة في الدكتور "محمد مرسي"، وقال "إن من يجلس مع النظام الحاكم في البلاد لن يرحمه التاريخ".

 

مبادرة حزب "البناء والتنمية"

وهي المبادرة التي أعلنها "خالد الشريف"، المستشار الإعلامي لحزب "البناء والتنمية"، وأشار فيها لضرورة رؤية الفريق أول "عبدالفتاح السيسي"، وزير الدفاع آنذاك، إلى كلٍ من المؤيدين والمعارضين لتفويضه، وطرح الاستفتاء على خارطة الطريق التي وضعت في 30 يونيو، أو الاستفتاء على عودة الرئيس الشرعي كأحد أسباب الخروج من الأزمة.

 

والمبادرة تنص بنودها على نبذ العنف وحقن الدماء، وطرح ميثاق شرف إعلامي، وإلغاء حالة الطوارئ، وإطلاق سراح كافة السجناء إذا لم يكونوا محبوسين على ذمة قضايا غير ملفقة، صدر لها قرار من النيابة، ثم البدء في حوار وطني.

 

ولكن قوبلت المبادرة بالرفض جملةً وتفصيلاً، ليس لما تحمله من نقاط، بل لأنها جاءت من "الجماعة الإسلامية"، الحليف الأقوى لجماعة "الإخوان المسلمين".

 

مبادرة "زياد بهاء الدين"

مبادرة الدكتور "زياد بهاء الدين"، نائب رئيس مجلس الوزراء لحل الأزمة السياسية في مصر، تضمنت المضي في خارطة الطريق التي أعدها المشير "عبدالفتاح السيسي"، دون عودة الرئيس "محمد مرسي"، مع اشتراك جميع القوى السياسية والوطنية فيها، ورفع حالة الطوارئ.

 

ووافق على تلك المبادرة حزب "النور"، لأنها لا تقصي أي فصيل سياسي.

 

مبادرة "الأزهر"

أعلن شيخ الأزهر الدكتور "أحمد الطيب"، عن مبادرته للتواصل مع القيادات "الإخوانية" للصلح وأبدى استعداده للتحاور مع قيادات "إسلامية وثورية"، من أجل حل الأزمة السياسية.

 

لكن حزب "الحرية والعدالة"، رفض أي مبادرة تطلق من قبل الأزهر، وصرح بأن الحل هو عودة الرئيس والدستور ومجلس الشورى المنتخب، باعتبار ذلك المخرج الوحيد لتسوية الأزمة الحالية.

 

أسباب فشل المبادرات:

 

إن الحديث عن المصالحة والمبادرات التي تتعلق بالموقف المتأزم في مصر، والذي تراكمت أزماته بعد الانقلاب، في الثالث من يوليو، وكان هناك مبادرات كثيرة تفاوتت في محتواها ومضمونها وفي أهدافها وغاياتها، وكذلك اختلفت في إطار من يتقدم بها أو يقوم بعرضها، ومع مرور الزمن صارت هذه الكلمات المتداولة حول المصالحات والمبادرات، كلمات سيئة السمعة لها من الحمولات السلبية، التي صار البعض من جراء فشل كل تلك المحاولات، يتصورها في إطار عدم الجدوى في حال عرضها أو في مآلاته.

 

وقال "سيف الدين عبدالفتاح"، أستاذ العلوم السياسية: "إن الحديث عن المصالحة في الآونة الأخيرة ليس هو الحديث الأول، ولكنه يعبر بشكل أو أخر عن بعض الأهمية التي يراها البعض بعد اكتمال مسرحية الانتخابات الرئاسية، وتصدر "السيسي" المشهد الذي يتعلق بسدة الرئاسة، وهو ما جعل البعض يعتبر ذلك مرحلة جديدة ربما تحمل سياسات جديدة فيما يتعلق بحالة المصالحة".

 

وأضاف: "إلا أنه على جانب آخر يجب أن نشير ليس فقط إلى الحمولة السلبية إلى فكرة المصالحة، ولكن كذلك يجب الإشارة إلى تعقد المصالحة كعملية خاصة بعد سقوط شهداء ودماء، وهو أمر يعقد القضية في إطار ضرورات القصاص ويتكامل مع هذا التعقد من جراء الدماء، وأن هناك فجوة خطيرة في الخطاب حول المصالحة، وقد نستمع إلى كلام كثير عن المصالحة بينما نشهد على الأرض أفعالاً تتعلق بالمواجهة والإقصاء والاستبعاد، بل والاستئصال، أو ما هو في حكمه إلى الدرجة التي نشهد كل يوم سقوط شهداء جدد ومواجهات عنيفة للاحتجاجات واعتقالات ومطاردات، وهو ما يعبر عن حالة وأجواء لا يمكن فيها الحديث عن أجواء المصالحات أو تقديم المبادرات".

 

وتابع: "كذلك فإن تعقد عمليات المصالحة قد يأتي أيضًا من طريقة التعاطي مع المصالحة باعتبارها تكتيكًا دعائيًا، أو بين اعتبارها مسارًا استراتيجيًا يعبر عن رؤية للمستقبل السياسي لمصر، والتي تؤكد على استعادة المسار الديمقراطي من جهة، وتحقيق أهداف ثورة 25 يناير من جهة أخرى، وارتباط كل ذلك بإطار يرسم مسارات استراتيجية العدالة، سواءً العدالة القضائية والقانونية، أو العدالة الانتقالية، أو العدالة الاجتماعية والمجتمعية، ووجه التعقيد في هذا المقام أن البعد التكتيكي لرؤية المصالحة يقوم على قاعدة تجزئتها، بحيث يتعامل معها في إطار التعامل بالقطعة والتجزئة، بأن يمارس فيها أقصى درجات المساومة والضغط ومحاولة تمكين منظومة سلطة الأمر الواقع الانقلابية في عملية المصالحة بما يجعل الأطراف الأخرى ضمن حالة إذعانية تقوم على قاعدة الفرض والاستسلام".

 

وأكد أن سياسات التنكيل التي تمارس على الأرض والمواجهات العنيفة للاحتجاجات لا تلتزم بأي قاعدة من القواعد بصدد التعامل، حتى ولو كنا في ميدان قتال مع الخصم، أو حتى العدو، ما بالهم الآن يمارسون ضرب من هو في صومعته والاعتداء على المساجد، وإغلاق بعضها ضمن سياسات وزارة الأوقاف، بدعوى التنظيم فإذا بها تمارس أنواعًا من التقييد والتحكم واغتصاب المجال الديني، لا يليق بأي حال ببيوت الله، بل إننا يمكن أن نرصد مشاهد مأساوية تنبئ على التطاول على المرأة والطفل والشيخ؛ كل هذه الأمور تجعل من الوصايا التي أطلقها سيدنا "أبو بكر"، رضى الله عنه، في توجيهاته التي كانت توصي بـ"ألا قتل أو مطاردة لهؤلاء"، فإذا بقوات الأمن تخرج حتى على كل هذه الحدود والخطوط الحمراء في ممارسات ممجوجة ومجرمة لا تزيد إلا مساحات الغضب تراكمًا وتعاظمًا، وهو أمر يعقد أي مشهد من مشاهد المصالحة المزعومة.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023