"إن الشاب الصفيق من هؤلاء يتعمد الوقوف على رصيف محطة الترام بالقرب من المكان المخصص لركوب السيدات، وعندما يجد سيدة تقف بمفردها يقترب منها بمنتهى البجاحة ويقول لها دون سابق معرفة، بنسوار يا هانم!"..
بهذه العبارة أعرب نقيب الصحفيين عام 1932 فكري باشا أباظة، عن استيائه من ظاهرة التحرش، التي رآها حينها تنم عن فساد أخلاق الشباب حينها.
ولكن بعد 82 عامًا، يرجو المصريون عودة هذا النوع من التحرش، الذي لا يمثل واحد على مليون مما يحدث الآن من هتكٍ للعرض، واغتصاب ومشاهد يندى لها الجبين.
دراسة
وكشفت دراسة شملت 21 دولة أعضاء في جامعة الدول العربية أجراها 336 خبيراً في مجال الحقوق الفردية أن مصر هي أسوأ مكان تعيش فيه المرأة مقارنة بالدول العربية الأخرى، مشيرة الى أن انتشار التحرش الجنسي في مصر، جعل وضع المرأة سيّئا للغاية.
ووفق النتائج التي توصّلت إليها الدراسة، فإن التحرش الجنسي يتفشى بصورة كبيرة في مصر، إذ يقول التقرير إن أكثر من 99 في المائة من النساء والفتيات المصريات عانين بشكلٍ من أشكال التحرش الجنسي.
كما تقول النتائج إن ختان الإناث يُعتبر من أكبر المشاكل التي تواجه المرأة في مصر، حيث يبلغ عدد من تعرضن لبتر جزء من جهازهنّ التناسلي إلى 27.2 مليون امرأة، وهو أكبر عدد للنساء المختتنات في دولة واحدة في العالم.
500 حالة اعتداء جنسي
بدورها، وثقت 25 منظمة نسائية مصرية 500 حالة اعتداء جنسي جماعي واغتصاب جماعي منذ تنحي الرئيس المصري حسني مبارك عن الحكم في 11 فبراير 2011، وحتى يناير 2014، وقالت في تقرير لها إن جميع الجناة أفلتوا من العقاب.
وأوضح التقرير أن "جرائم العنف الجنسي شملت اغتصابات جماعية واعتداءات جنسية جماعية بالآلات الحادة والأصابع"، لافتاً إلى أن "التصدي لهذه الظاهرة يحتاج إلى إستراتيجية وطنية متكاملة لمكافحتها وتشريع قانوني شامل".
اغتصاب جماعي
وأورد التقرير حالات بشعة لضحايا العنف الجنسي، قائلاً إن "الجريمة تفشت في السنوات الثلاث الماضية، نتج منها تداعيات مأساوية أدت في بعض الأحيان لجرائم قتل وجرائم اغتصاب جماعي واعتداءات جنسية جماعية في المناطق التي تشهد ازدحاما وأجواء احتفالية، مثل ميدان التحرير ومناطق مختلفة".
وأشار التقرير إلى أن المنظمات النسائية استطاعت "توثيق أكثر من 250 حالة وقعت بين نوفمبر 2012 ويناير 2014.
يضاف إليها ما وقع أثناء الاحتفالات تنصيب قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي في 3 يونيو 2014 والتي بُثّت على الهواء مباشرة من قبل بعض قنوات التلفزيون أثناء نقل الاحتفالات، كما شهدت احتفالات 8 يونيو 2014 في ميدان التحرير بمناسبة حفل تنصيب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، اعتداءات جنسية جماعية واغتصابات جماعية وحشية، وُثقت منها تسع حالات مماثلة للاعتداءات والاغتصابات بالآلات الحادة والأصابع، والتي يسفر عنها عادة إصابات جسدية بالغة للناجيات".
الأمم المتحدة
من جانبها، أعربت الأمم المتحدة عن بالغ قلقها من ارتفاع نسبة التحرش الجنسي في مصر، داعية السلطات والمجتمع المدني وأصحاب المصلحة إلى "تضافر" الجهود واتخاذ موقف حازم ضد جميع أشكال العنف القائم.
9 أسباب
وعن أسباب انتشار هذه الظاهرة، رصدت أستاذ القانون الجنائي ورئيس قسم بحوث المعاملة الجنائية بالمركز القومي للبحوث فادية أبو شهبه 9 أسباب للتحرش و هي:
1 – الابتعاد عن القيم الدينية و الخلقية ، وغياب منظومة الـسرة عن القيام بدورها الأساسي في التربية و التنشئة الصحيحة و اتجاهها نحو جمع اكبر قدر ممكن من المال في ظل ظروف اقتصادية بالغة السوء و الصعوبة .
2 – اختفاء دور التربية و التعليم كلاهما من المدارس و المعاهد و الجامعات .
3 – الفراغ الهائل الذي يعاني منه الشباب بسبب البطالة المتفشية و اختفاء الساحات الرياضية التي يفرغ فيها الشباب طاقاته و تحولها إلى مقالب قمامة !.
4 – تنامي ظاهرة العشوائيات التي تفرز مجرمين إلى المجتمع .
5- ارتفاع سن الزواج و ارتفاع تكاليفه و تفشي ظاهرة العنوسة ( 8 مليون شاب جاوزوا سن الخامسة و الثلاثين بلا زواج ) .
6 – تعاطي الشباب للمخدرات التي تفقد الوعي و تحث على ارتكاب التحرش أو الاغتصاب .
7 – سلبية المجتمع المصري و اختفاء قيم الرجولة و الشهامة و النخوة ( بحيث أصبح شباب الحي يعتدون على جاراتهم في الحي ذاته !! )
8 – إجراءات الإثبات و الشهود المعقدة التي تعرقل إثبات التحرش ( و من هنا يجب أن تكون القضية قضاء مستعجلا بسبب موضوع الإثبات و الإشهاد).
9 – انتشار الفضائيات و المواد التليفزيونية الإباحية و اللا أخلاقية .
تشخيص الداء ووصف الدواء
فيما قال عضو جبهة علماء ضد الانقلاب الدكتور وصفي أبو زيد، أنه مما لا شك فيه أن "التحرش" في مصر ارتقى ليصل لدرجة "ظاهرة"، مما يستحق الدراسة والتأمل، لتشخيص الداء، ووصف الدواء.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"رصد": "هذه الظاهرة لها أبعادها الثقافية والتربوية والنفسية والاجتماعية والشرعية".
ووتابع: "إذا تحدثنا في ناحيتها الشرعية، فإنها ترجع إلى ضعف الوازع الديني لدى من يقوم بهذا الفعل الشائن، وهو دليل على أنه لم يأخذ قسطا وافرا من الثقافة الدينية، ورصيدًا قويًا من الإيمان، بما يُعزز لديه يقظة الضمير وحساسية النفس، ويبعده عن الوقوع في براثن المعاصي ووهدة اتباع الهوى".
واستطرد أبو زيد: "إذا نظرنا حولنا في حالتنا الثقافية والفنية والاجتماعية وجدنا أنها – في مجملها – تدعو لهذا الفعل الشائه، وتشجع عليه، فما ينشر من كتب وما يعرض من صور وما يبث من أفلام ومسلسلات.. لا يصب في تقوية الإيمان وتعزيز الوازع الديني، وبخاصة لدى الشباب، وإنما يدفعهم دفعا إلى غليان الشهوات في الظهور، وهي تغلي وحدها دون محفزات، وهو ما يؤدي بدوره إلى التحرش وإلى ما هو ألعن منه".
دور المرأة
موضحًا أنه على المرأة دور مهم في هذا الصدد، وهي أن تكون على درجة من الحشمة بما يحقق فيها ضوابط الحجاب الشرعي .. فلا أظن امرأة محتشمة تلتزم بالزي الشرعي ثم يقربها متحرشون أو منحرفون .. فالأمر إذن يتعلق بالرجل والمرأة، بالشاب والفتاة.. ومن وراء هذا كله مؤسسات المجتمع التي تعزز الإيمان وتقوي الضمير الديني، وتضاعف العقيدة بالله واليوم الآخر.