شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

وضع الندي في موضع السيف – هيثم مصطفي

وضع الندي في موضع السيف – هيثم مصطفي
أخي جاوز الظالمون المدى ... فحق الجهاد فحق الفدى ... أطلقها الشاعر الغيور يوما دون أن يشير إلى جنسية .. هم فقط ظالمون.

أخي جاوز الظالمون المدى … فحق الجهاد فحق الفدى … أطلقها الشاعر الغيور يوما دون أن يشير إلى جنسية .. هم فقط ظالمون.

 

جاء البيان الأخير لجماعة الإخوان المسلمين و الذي أصدره أمينها العام الدكتور محمود حسين صادما … من عدة وجوه . فقد أكد الرجل في بيانه التزام جماعة الإخوان المسلمين بالسلمية المطلقة في نضالها ضد الانقلاب العسكري . و الحقيقة أن مصطلح السلمية المطلقة غريب للغاية … هو يبدو غير أرضي أصلا … فهذا الكوكب لما يخل تاريخه تقريبا من نزاع مسلح منذ عرف البشر . كما أن سكانه من البشر لا يعترفون إلا بالأقوياء و لا تعبر مسارات سياساتهم بين مختلف أشكال تنظيماتهم .-. قبيلة .. حزب … دولة – إلا عن موازين قوة مختلفة فكيف تعتمد جماعة ما السلمية المطلقة مع رغبتها في الحياة على هذا الكوكب ؟؟ بل إن هذه الجماعة لها وضع خاص فهي كبرى الحركات الإسلامية و تضع قائمة أهداف مثلى تنتهي بإعادة دين الحق إلى صدارة العالم – الذي لا يعترف إلا بالقوة – مرة أخرى فكيف يتفق هذا مع تنحية القوة تماما من قائمة الوسائل ؟ وهذه الجماعة تواجه تحد خاص في الدولة المركز بالنسبة لها و هي مصر .. يتمثل في انقلاب عسكري خلع أول رئيس مدني منتخب ينتمي إليها و يخوض ضدها حرب استئصال حقيقية تهدف إلى إخراجها من التاريخ و إنهاء خطر وصولها إلى الحكم مرة أخرى … انقلاب قتل الآلاف و هتك الأعراض .. فكيف يمكن تصور مواجهته بالسلمية و وضعه في حرج أخلاقي ؟

 

إن البيان الأخير يعبر عن فجوة منطقية كبرى بين الواقع و المسار الحركي الحالي لجماعة الإخوان المسلمين يجب عليها أن تدرس أسبابها لأن النجاة مرهونة بتجاور هذه الفجوة . كما يشير هذه البيان إلى مرض خطير و قديم مصاب به أداء جماعة الإخوان المسلمين و يعد مسئولا عن التخبط الذي يظهر في بعض الأحيان , ذاك هو الخلط بين الدعوي و السياسي . فهذ البيان لو كان صدر عن حزب الحرية و العدالة لكان مقبولا ففي النهاية ليس من مهمة الأحزاب السياسية استخدام السلاح في دفع الظلم , و إن كان لا معنى للأحزاب السياسية في ظل انقلاب عسكري أصلا. أما أن يصدر عن الحركة الإسلامية الكبرى التي تعلن تحقيقها لشمولية الإسلام فهذا يضع علامات استفهام عديدة على مدى مطابقة المسار للمنهج و الحركة للأدبيات . فالواقع أن مصدر البيان لا يستطيع أن يأتي بدليل شرعي واحد يؤيد "السلمية المطلقة" التي أعلن التزام الجماعة بها.

 

ولم يكن البيان هو الإشارة الوحيدة إلى الخلل، فقد سبقته أحداث تدل على أن الجماعة تفتقد وضوح الرؤية في مواجهة الانقلاب العسكري و لا تدرك الأبعاد الحقيقية له ولم تصل بعد إلى الطريق الصحيح نحو إسقاطه. فحين يعزي الدكتور بشر عضو مكتب الإرشاد السابق و أحد قيادات تحالف دعم الشرعية تواضروس الذي يعتبر ضلع رئيسي من أضلاع الانقلاب و دوره في صناعته لا يخفى على أحد فهذا يعد إشارة واضحة على ضعف الجماعة و التحالف في مواجهة الانقلاب. كما أنه يدل على أن قيادة الجماعة لا تدرك الفارق بين مجال التنافس السياسي الطبيعي الذي تصلح فيه مثل هذه المجاملات و بين مجال مؤامرة أسقطت رئيس منتخب و هدمت المجال الطبيعي للحياة السياسية و جعلت اللغة الوحيدة السائدة هي لغة القوة و بالتالي تصبح المجاملة الاجتماعية لأحد مخططي هذه المؤامرة و داعمي نتائجها بكل قوة بلا تفسير سوى الضعف و الخنوع. إن قيادة الإخوان المسلمين تحتاج إلى إعادة تعريف الواقع و مفرداته و محدداته و المفاهيم التي تعبر عنه كالسياسة و القوة و الضعف و المواجهة و العسكرة و المدنية … فالواضح أن اختلاط معاني هذه المفاهيم لدى القيادة يؤثر بشكل سيء للغاية على إدارتها للصراع الحالي.

 

كما أنها تحتاج إلى إعادة تعريف نقاط قوتها و كيفية استغلالها بالشكل الأمثل حتى تبقى عنصرا لا يقبل الإقصاء في المعادلة الجديدة التي تنشأ في مصر . عليها أن تجيب على السؤال التاريخي … ما هي القيمة الحقيقية لحفاظ على التنظيم الهائل التي يتم دائما تحاشي فرض المواجهة من أجله؟ عليها أن تعلم أن عدم المواجهة في هذه اللحظة الأساسية التي يعلن العدو الرئيسي عن وجوده و يظهر بكل أدواته و سلاحه، تعني اختفاء التنظيم الذي لم تواجه لتحفظه . عليها أن تواجه الحقيقة و لا تهرب منها خلف ستار من الخرافات التي تصدرها لقواعدها و للرأي العام المعادي للانقلاب من قبيل أن الانقلاب أوشك على الزوال … و السلمية هي الخيار الإستراتيجي الوحيد في مواجهة توحش العسكر . فهذه لا الخرافات لا يوجد ما يؤيدها من جانب المنطق و لا الواقع و لا التاريخ . عليها أن تستعين بالله عز و جل و تعلم أن دفن الرأس بالرمال … لا يعني أن الخطر زال!

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023