ظل سوهارتو حاكما على إندونيسيا لمدة 32 عاما متصلة، مارس فيها دوره كرجل إندونيسيا الأول بلا منازع، وبسياسة أمنية وعسكرية قوية استطاع السيطرة على بلد كبير السكان (أكثر من 230 مليونا) واسع المساحة (17 ألف جزيرة) متعدد الديانات -رغم غلبة الدين الإسلامى- والأعراق (300 إثنية و700 لهجة محلية).
فى مارس 1998 أعلن البرلمان الإندونيسى انتخاب سوهارتو رئيسا للجمهورية للمرة السابعة!!
ولأن الطلاب لا تعرف حسابات السياسية والمكسب والخسارة، وألاعيب السياسيين ففى مايو من نفس العام خرجت مظاهرة طلابية فى إحدى الجامعات الإندونيسية بالعاصمة جاكرتا تهتف ضد رئيس الجمهورية الذى لم يروا غيره منذ أن ولدوا، فما كان من الأمن إلا أن أطلق النار عليها فقتل 6 طلاب!
أدى هذا القتل بدم بارد للطلاب إلى حركة تضامن واسعة بين الطلاب وفى الجامعات، فتظاهر الطلبة مرة أخرى فى الشوارع، فاستدعى سوهارتو الجيش من أجل تفريق الطلاب، وقتل الجيش عددا آخر. فاشتعلت المظاهرات أكثر وأكثر، وفى إحدى مدن إندونيسيا البعيدة فى إحدى الجزر أشعل الطلاب النار فى عربات الشرطة باستخدام قنابل المولوتوف!
وفيما كان سوهارتو هنا فى القاهرة لحضور مؤتمر دول الـ15 ولا يلقى بالا كبيرا لهؤلاء الطلاب كان الطلاب يحاصرون مبنى البرلمان، وانضم إليهم عدد كبير من الشعب، وعاد سوهارتو ليجد البرلمان تحت الحصار، والجيش يستعد للهجوم على الطلاب، والقوى السياسية تطالبه بحل سياسى للأزمة قبل أن تستفحل. هذه القوى التى أصبحت مليونية لم يكن لها برنامج محدد، لكن هذا لم يمنع أنه كان لهم هدف واحد: هو إسقاط سوهارتو.
فى اليوم التالى خرج سوهارتو ليعلن استقالته ويكلف بحر الدين يوسف -نائبه وصديقه المقرب- بإدارة البلاد! الذى حاول تهدئة الجماهير عبر بعض المسكنات، وتجميل الوجه لكن هذا لم يفلح وظل الطلبة فى مظاهرات حتى يتغير النظام.
اليوم تعتبر إندونيسيا -رغم ما بها من فساد منتشر وتعثرات فى المسار الديمقراطى- من ضمن الأمثلة المهمة على التغيير نحو الديمقراطية فى بلد أغلبيتها مسلمة.
وكان للطلبة دور آخر فى فرنسا فى مايو 1968 فى كسر هيبة شارل ديجول رئيس فرنسا، عبر احتجاجات واسعة ومستمرة بدأت فى الجماعات الفرنسية وانتقلت إلى أغلب جامعات أوروبا وأمريكا حتى وصلت اليابان فى حركة احتجاج طلابية واسعة، بدأت فى فرنسا لكنها انتشرت فى جامعات العالم أجمع، ومع انتشار المظاهرات الطلابية فى الجامعات الفرنسية بشكل كبيير قرر ديجول إجراء استفتاء حول بقائه فى الحكم وقال إنه إن لم يحصل على نسبة مرضيه من أصوات الناخبين فإنه سيستقيل من منصبه،
كان ديجول يعتمد على تاريخه السياسى الطويل منذ أن كانت فرنسا تحت الاحتلال فى الحرب العالمية الثانية، وبصفته أول رئيس لفرنسا فى الجمهورية الفرنسية الخامسة، وعبر تاريخ طويل من السياسة والحكم. وقد كان! فقد تم الاستفتاء ولم تكن نسبة التأييد لديجول كما طلب، فقدم استقالته !وهكذا استطاع الطلبة فى فرنسا وضع أنف ديجول فى التراب.
وفى الصين فى ميدان السلام السماوى عام 1989 خرج الطلاب معتصمين بالميدان مطالبين بالإصلاح والحرية، فى حركة لم يكن يتوقعها أحد، ولا يجرؤ عليها أحد، واستمر الاعتصام ولم تستطع الحكومة الصينية أن توقف هذا الاعتصام إلا بدخول الدبابات إلى الميدان ومرورها فوق أجساد الطلبة!
فى مصر الآن حراك طلابى واضح، لا يستطيع العسكرى -صاحب الـ50%- أن يفهمه ولا يستوعبه، ولا يجيد التعامل معه إلا بالبندقية، لأنه لا يفهم إلا كيفيه إطلاق النار، هذا العسكرى المتخلف الذى يحكمنا لا يستطيع أن يفهم هتاف الشباب عندما يقول:
يا نظام غبى .. افهم بقى مطلبى .. حرية.. حرية.. حرية.