كنت أشاهد فيلما كوميديا قديما من أيام عبد الناصر، فلاحظت لافتة دعائية للاتحاد الاشتراكى مكتوبة وراء الفنان فؤاد المهندس وهو يقف فى المطار عليها شعار (الديمقراطية السليمة)، وتذكرت كيف كانوا يضحكون على الشعب حينئذ بهذه الشعارات، وكأن هناك ديمقراطية (سليمة) وأخرى (حمضانة) مثلا، والحقيقة أنها وسيلة الحكومات الديكتاتورية فى اللعب بالألفاظ لوأد الديمقراطية الحقيقية والحرية والتلاعب بالكلمات.
ثم أدرت المؤشر لأجد المذيع يقول: قررت الحكومة السماح لقوات الشرطة باقتحام الجامعات لمواجهة التظاهرات "دون الحصول على إذن مسبق من رءوساء الجامعات" تحت ذريعة تصاعد العنف، ومقتل طالب فى جامعة الأزهر، وقال بيان لمجلس الوزراء إنه اتخذ هذا القرار "استجابة لمطالب القاعدة العريضة من الشعب المصري" بضرورة مواجهة الإرهاب وتوفير الأمن والأمان للمواطنين وإعادة الاستقرار إلى الشارع المصرى!!.
قبل هذا قال السيسى إنه قام بالانقلاب استجابة لمطالب الشعب، وقال وزير الداخلية إن قرر منع أى مظاهرات تخرج (مهما كانت الخسائر!) -كما قال- هو استجابة لمطالب الشعب، وقال رئيس حكومة الانقلاب إنه تم فض اعتصامى رابعة والنهضة استجابة لمطالب الشعب، وقال وزير رياضة الانقلاب إنه عاقب من رفعوا شعار رابعة بناء على مطالب الشعب، وقال وزير تعليم الانقلاب إن فصل طلاب رفعوا شعار رابعة لأنها مطالب الشعب، وقالت وزارة الداخلية إنها اعتقلت فتيات ونساء وضربتهن ووضعت الكلابشات فى أيديهن وألقتهن فى بوكسات الشرطة استجابة لمطالب الشعب!
الأمر نفسه نجده يتكرر فى أكاذيبهم حول تحميل الإخوان ومتظاهرى الشرعية مسئولية كل شىء سىء يحدث فى مصر.. حتى أزمة المرور والبوتاجاز والخراب الاقتصادى.. مع أنها مسئولية الانقلابيين الذين لم يفعلوا شيئا طوال أربعة أشهر فى السلطة إلا القتل والاعتقال والشحاتة من دول الخليج وتحميل الأجيال المقبلة هموم وديون لا قبل للشعب المصرى بها!.
تجد الجيش والشرطة يغلقون الميادين الكبرى ويتسببون فى أزمة مرورية خانقة ووقف حال البلد ثم يتهمون الإخوان أنهم السبب لأنهم يصرون على التظاهر؟ مع أن منع الإخوان أو الطلاب من التظاهر فى الشوارع أو داخل الحرم الجامعى، وبطريقة سلمية، لن يؤدى إلى تهديد الاستقرار فى الشارع، ومنعهم هو الذى يعطى نتائج عكسية تماما.
اتهموا الإخوان بحرق شركة المقاولين العرب يوم فض مظاهرة رمسيس الدموية مع أن رئيس الشرطة قال إن طائرات الجيش هى التى ألقت قنابل غاز حارقة على المتظاهرين سقط بعضها على سطح العقار واشتعل ثم فصلوه لأنه قال هذا على الهواء!.
واتهموا الإخوان بحرق مترو مصر الجديدة وخرجت صحف العار الحكومية تقول (حرق مصر) مع أن كل من شاهدوا ما جرى يعلمون علم اليقين أن قنابل الغاز الكثيفة التى أطلقتها الشرطة على المتظاهرين هى التى أحرقت القطار ومحطة المترو!.
بل واتهموا الرئيس مرسى بأنه مسئول عن إطلاق سراح إرهابيين من السجون مع أن وزير الداخلية هو الذى قدم له الأسماء، كما أن بعضهم خرج بعفو من مجلس المشير طنطاوى العسكرى، والبعض الآخر خرج بعلم الأمن العام ووزير الداخلية!.
ومع هذا يخرج وزير الداخلية ليحمّل الإخوان والرئيس مرسى مسئولية فشله هو وحكومة الانقلاب فى وقف أعمال العنف والإرهاب فى سيناء، زاعما أن بعض هؤلاء الإرهابيين أطلقهم "مرسى" وبعضهم كان فى رابعة.. برغم أن نبيل المغربى الذى قال وزير الداخلية بأنه يقود خليه إرهابية رجل بلغ السابعة والثمانين عاما، وهو أقدم سجين سياسى فى مصر، وأُفرج عنه فى عهد المجلس العسكرى بتاريخ 6يونيو2011، وليس فى عهد مرسى بقرار من النائب العام لسوء حالته الصحية، كما أن محمد الظواهرى تم إلقاء القبض عليه بتاريخ 17 أغسطس فى كمين بالجيزة، ولم يكن برابعة العدوية كما ادّعى وزير الداخلية.
عشرات المسئولين الأمنيين والمدعين ممن يطلق عليهم (خبير أمنى) ظهروا على الفضائيات يفتون بأن الإخوان وراء قتل الجنود المصريين فى سيناء وأنهم وراء قتل ضابط أمن الدولة وأنهم وأنهم.. ثم خرج وزير الداخلية ليعترف بوجود تنظيم إرهابى جهادى وراء كل العمليات الأخيرة فى مصر، وحدد أسماء بعضهم ممن ليسوا من الإخوان، ما يثبت أن الإخوان براءة تماما من هذا، ولكن لا وزير الداخلية كلف نفسه الاعتذار ولا إعلام العار الذى اتهم الإخوان ظلما اعتذر، بل وظلوا يتهمون الإخوان!
لا أعرف باسم أى (شعب) تنسب حكومة الانقلاب ما تفعله ضد أبناء الشعب المصرى من قتل وتشريد واعتقال وإذلال يومى وإفقار؟ إلا إذا كانت تقصد شعب الانقلاب الآخر!