المفكر الجزائري الدكتور:عمار جيدل
هل اختلط الأمر على الناس فلم يعودوا يفرقون بين الليل والنهار، ومن لم يفرق بين الليل والنهار على وضوحهما، ينتقل إليه عدم الوضوح، فهو غير واضح فيما اختار، وقد يعود الأمر إلى غبش وهذا واضح إن كانت القضايا معقّدة، ولكن إنْ تعلّق الأمر بالواضحات، فإنّ المائل عن بيّن القضايا والمواقف، يحيلنا على التفتيش في فضاء آخر غير المعرفة المتعلّقة بالعلوم الشريعة الإسلامية، ذلك أنّ الذي يدّعي أنّ العقيدة الإسلامية خوّلت له أن يؤيّد الفئة الباغية التي ليست في حقيقة الأمر إلاّ خوارج على الشرعية التي ارتضاه الشعب المصري في اختياره لحكّامه.
فأي عقيدة إسلامية هذه التي استند إليها أصحاب هذا الرأي، وأي نقاوة لهذه العقيدة التي تجعل المسلم مقرا لعين إسرائيل العدو العقيدي للمسلمين أصلا ومآلا، والأعجب أن يكون مدّ البغاة بالوسائل المادية والمعنوية بالمرافعة عنهم أمام المحافل الدولية تحل بحس ديني ووطني، ووعي اجتماعي واستشعارا بالواجبات الدينية والأخلاقية، والمحافظة على الاستقرار، والتصدي لكل ما يثير الفتنة والانقسام بين أفراد المجتمع الواحد.
أكاد أجزم أنّ من صرّح بمثل هذا الكلام، يقصد نقائضها فعلا، لأنها لو كانت واضحة بيّنة ما احتاج صاحبها إلى كلّ هذه اللخبطة المفضوحة، التي مقدّماتها غير متوافقة مع نتائجها شرعا وعقلا، لأنّها غير متناغمة منهجيا ومعرفيا، وهي كلام على علاّته، لا رابط بين عناصره، وعصارة ما طلب الخلوص إليه أن يفهم المتلقي أنّهم لم يخرجوا الشرعية في الموقف من النزال السياسي بين الشرعية الدستورية والفئة الباغية، حتى وإن كانت تلك الاختيارات لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية نفسها، لهذا ترى من كانت تصرفاته السياسية غنية بمخالفة العقيدة والشريعة والأخلاق، يتعب نفسه بإقناع بما لا يقنع، بل بما يؤكّد التهمة ولا ينفيها، فإدخال العنصر الأخلاقي والشريعة في مصاف انتفاء وجودهما الفعلي تأكيد على عدم اعتبارهما في الاختيارات السياسية التي مالوا إليها.
القائلون أنّه بناءً على العقيدة الإسلامية النقية أيّدنا الفئة الباغية على أهل الشرعية، الفئة الباغية التي تستعمل وسائل الشعب في قهر الشعب وقتله بتأييد مالي ولوجستيكي مادي ومعنوي غير مفهوم وغير مبرر ولا معلّل ومدلّل عليه، كلام مرسل، ولو قبلنا بهذا النمط من التفسير والتبرير الذي مفاده أنّ "العقيدة الإسلامية النقية" و"الأخلاق واستشعار الواجب الديني" أساس مواقفهم في المسألة المصرية، كأنّنا نؤكّد للناس أنّ هذه العقيدة وهذه الأخلاق التي استند إليها هؤلاء تؤيّد البغاة على الشرعية، وتمدّهم بوسائل القهر المادي والمعنوي، والأكثر من ذلك أن تكون سببا في قتل الفئة الباغية للسلميين بالآلاف، فأي دين هذا الذي يسمح بتسليح الجاني والمرافعة عنه في المحافل الدولية، وإدانة الضحية، الدين الحق يؤسس لوقف النزيف ودوامة القتل الي تقودها الفئة الباغية بقيادة الجيش والداخلية والبلطجية وازلامهم في الإدارة وغيرها، وللأسف أن يطلع علينا هؤلاء بمقولة تشجيع الفئة الباغية لأجل وحدة الشعب المصري، وهم في الوقت نفسه يوفّرون المدد المادي والمعنوي للفئة الباغية، والله يعلم أنني ما أتمنى أن يذيق الله الدول المؤيّدة للفئة الباغية بذات ما أذاقوا ْ به الشعب المصري، لأنني أعلم خطورة التحريش بين مكوّنات المجتمع لأجل بقاء العروش وملء الكروش وشراء الضمائر بالقروش، خطورة كلّ ذلك على النسيج الاجتماعي ومستقبل الاجتماع السياسي، اتمنى أن يراجع من قال إنّ العقيدة الإسلامية وأخلاقها الرفيعة تملي عليه أن يكون مع الفئة الباغية في قتلها للسلميين طلبا لمرضاة ربهم، لأنّ الإسلام لا يتوافق مع هذه المواقف جملة وتفصيلا، ولو قالوا شيئا آخر لتبرير تصرفاتهم السياسية، لكأن أضمن في عدم رمي الإسلام بأنّه نصير للظالم المستبد الباغي بوسائل الدولة على المجتمع، هذا المجتمع الذي تشبّث بالشرعية الشعبية والشرعية الدستورية ، أي بالعقد السياسي بين الشعب ومن اختار من الحكام، والمائل عن الواضحات أخشى أن يكون مشمولا بقوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (29ـ 28) سورة الأعراف
المتشبّث بالأوهام التي تدفعه إلى الميل عن الموقف الذي تمليه الشريعة الإسلامية لا يمكن أن يكون سببا في دفع الفتنة، بل سيكون مصدرا لها، أتمنى من إخواننا أن يبتعد عن مواطن تذكية الفتنة في المجتمع، فإما أن يقولوا خيرا أو يصمتوا، فلايكونوا سببا في تحريض بعض المجتمع على البعض الآخر، ومن أراد غير هذا فله ما أراد، وعند الله تقضى الخصومات، فنحن نحتسب خصومتنا عند الله مع كلّ من حرّض على قتل البعض للبعض الآخر، مهما كانت الأسباب والأعذار والمبررات الخفية والمعلنة، وخصوم كلّ من ادعى أنّ الإسلام خوّل له تأييد الفئة الباغية للإجهاز على مخالفيهم الرأي السلميين، وعند الله تقضى الخصومات، يوم لا فيتو ولا حرس ولا عسس ولا أموال تشترى بها الهيئات القضائية والعسكرية والدبلوماسية .