شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

6ملايين دولار ثمن رسالة عالم لولده قبل 60عاما

6ملايين دولار ثمن رسالة عالم لولده قبل 60عاما
  تخيل للحظة أنك وقعت فجأة على سر الحياة، وهو المعروف بأنه تركيب الحامض النووي DNA. ثم تخط رسالة...

 

تخيل للحظة أنك وقعت فجأة على سر الحياة، وهو المعروف بأنه تركيب الحامض النووي DNA. ثم تخط رسالة وأنت مغتبط إلى ولدك الصغير، تبيّن فيها فحوى الاكتشاف، وتنهيها بعبارة: ''مع وافر الحب.. والدك''.

 

ثم وبعد ستين عاماً، يقرر أولادك بيع تلك الرسالة المكونة من سبع صفحات. ما المبلغ الذي تعتقد أنها تساويه؟ هل هو عشرة آلاف جنيه استرليني أو 100 ألف جنيه، أو مليون جنيه أو عشرة ملايين جنيه؟

 

هذا ليس سؤالاً نظرياً. في الأسبوع الماضي، عُرضت رسالة للبيع في المزاد في نيويورك، وهي الرسالة التي كتبها بالفعل العالم البريطاني فرانسيس كريك إلى ولده قبل 60 عاماً، بعد أن اكتشف هو وزميله جيمس واطسون الهيكل اللولبي للحامض النووي. قدرت وكالة كريستيز للمزادات أن الرسالة التي تبدأ بعبارة: ''أنا وجيم واطسون جئنا على الأرجح بأهم اكتشاف''، ويصف الحامض النووي بأنه ''شيء جميل تأتي بواسطته الحياة''، وعُرضت الرسالة للبيع بمبلغ 800 ألف دولار.

 

لكن الذي حدث هو أن مزايداً مجهولاً دفع مبلغ ستة ملايين دولار. ولم يكن ذلك هو المفاجأة الوحيدة: عائلة المتوفى كريك بعد ذلك وفي الأسبوع نفسه، باعت ميدالية جائزة نوبل التي حصل عليها ومعطفا ملطخا ودفتر ملاحظات بمبالغ كبيرة كذلك. وحصد دفتر الملاحظات مبلغ 21.250 دولاراً، وهو ثلاثة أضعاف التقديرات السابقة، وحصدت الميدالية مبلغ 2.27 مليون دولار. هل هذه أسعار مجنونة؟

 

في اليوم الذي بيعت فيه رسالة كريك، كنت محظوظة بتناول طعام العشاء مع جيمس واطسون، وهو الآن في الخامسة والثمانين من عمره في شقته في نيويورك. بدا واطسون وهو يجلس على طاولته الأنيقة مغتبطاً لسماعه ذلك. أليس السعر البالغ ستة ملايين دولار علامة على أنه لا يزال للعلم قيمة؟ بل إن ما هو أفضل من ذلك، هو أن العلماء ما يزالون يستفيدون من ذلك، من ناحية عملية، إذ ستتبرع عائلة كريك بمعظم الإيرادات لمصلحة الأبحاث.

 

ربما تأتي مبالغ سخية أكثر من ذلك: فقد علمت أثناء العشاء أن واطسون لا يزال يمتلك نسخة أولية من مخطوطة كتابه الرائد ''اللولب المزدوج''، تظهر فيها ملاحظاته على الهوامش، وكذلك ميدالية جائزة نوبل، أو الميداليتين إذا توخينا الدقة: ذلك أن لجنة جائزة نوبل على ما يبدو، تقدّم إلى كل من الفائزين ميدالية ذهبية ''حقيقية'' ونسخة برونزية مقلدة عنها، الأولى لتحفظ في خزانة، والثانية للتزين بها. وبالإمكان بيع كلتيهما. ولكن بالنسبة لي، هناك مفارقة تاريخية معينة في ذلك، وهي كما يلي: لو كان كل من كريك وواطسون اكتشفا الحامض النووي في عام 2013 وليس في عام 1953، فلربما ما كانا ليهتما بإرسال رسائل بالقلم لأولادهما، ولكن بدلاً من ذلك سيرسلان عدة رسائل بالبريد الإلكتروني. وبالمثل لو كان واطسون يكتب كتابه اللولب المزدوج، لكان كتبه بطريقة قليلة الشأن على شاشة الكمبيوتر.

 

من بعض الجوانب، تعتبر الاتصالات الحديثة أكثر كفاءة بكثير من ذي قبل. لكن هنا مشكلة: الرسائل الرقمية ليست لها ديمومة أو طابع حصري. يمكن مسح الرسائل الإلكترونية، ويمكن ملاحظة التغييرات التحريرية على نص معين على الكمبيوتر (وبصفة مؤقتة)، في حالة واحدة فقط وهي ''متابعة التغييرات'' من البرنامج.

 

بعد ستين سنة، حين ينظر المؤرخون إلى عام 2013، فإنهم سيرون عصراً ارتفع فيه نطاق الاتصالات ارتفاعاً شاهقاً، لكنهم سيرون كذلك عصراً كانت فيه الاتصالات عابرة وموجودة في كل مكان، إلى درجة أنها فقدت قيمتها. لا أظن أن من المرجح أن يدفع أي شخص مبلغ ستة ملايين دولار مقابل تغريدة على تويتر.

 

تأتي الثورة الرقمية معها بمنافع لا تُحصى؛ لكنني شخصياً لا أستطيع أن أمنع نفسي من الشعور بأن شيئاً قيّماً في سبيله إلى الضياع، وسط هذا الطوفان الهائل من الرموز في برامج الكمبيوتر.

 

على أي حال هناك نتيجة واضحة، وهي أن الذين اشتركوا في المزاد متشوقون إلى مزيد من الأنباء الرائعة. ذلك لأنه في الوقت الذي يدور فيه مزيد من الأموال والرسائل الإلكترونية حول الكوكب، فإن قيمة المستندات التاريخية الملموسة – مثل الرسائل العلمية – لا مجال أمامها إلا الارتفاع.

 

وبالنسبة لنخبة الأثرياء الجدد في عالم اليوم، فقد أصبح من السهل تماماً شراء القصور أو الأعمال الفنية، لكن اقتناص قطعة من التاريخ ''الحقيقي'' أمر له هيبته وقيمته. بالتالي لم أعد أشعر بالمفاجأة حين تبلغ الأسعار مستوى ستة ملايين دولار، ولن أشعر كذلك بالمفاجأة، من أن هذا الرقم تفوق على الأرقام القياسية السابقة.

 

وحسبما ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز فانه (في 2002 باعت وكالة كريستيز، بما يزيد قليلاً على مليوني جنيه استرليني، رسالة كتبها ألبرت آينشتاين إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، يحذر فيها من الإمكانيات الكامنة في الأسلحة النووية. كما أن رسالة كتبها إبراهام لنكولن إلى عدد من طلاب مدرسة، بيعت بمبلغ 3.4 مليون دولار في 2008).



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023