لا حديث في مصر في الأيام الأخيرة إلا عن طائرة مسجلة في سان مارينو أقلعت من مطار القاهرة وعلى متنها ما يقارب الستة ملايين دولار و127 كيلوغراما من الذهب والنحاس والقصدير وبعض الأسلحة ثم تم توقيفها في زامبيا لتفجر فضيحة كبرى ما زال صداها مسموعا.
أسئلة كثيرة تم طرحها عن هذه الطائرة، أجملها في عشرة أسئلة ما زلت أبحث لها عن إجابة:
من المسؤول عن فضيحة طائرة زامبيا؟
من الذي سمح لها بالخروج من مطار القاهرة؟
من الذي أعطى الأوامر بعدم تفتيش الطائرة؟
من هي الجهة السيادية التي تمتلك الطائرة؟
ما علاقة إبراهيم العرجاني وابنه عصام بطائرة كهذه؟
لماذا أقلت ملحقا عسكريا سابقا في السفارة المصرية في واشنطن؟
لماذا وجدوا على متنها تاجر ذهب كبيرا وممثلا لشركة استشارات عسكرية مقربة من النظام؟
لماذا قدم مكتب المحاماة الزامبي طلبا للإفراج عن خمسة متهمين مصريين بأسمائهم وتجاهل المتهم السادس؟
من هو المتهم السادس وما علاقته بمحمود نجل عبد الفتاح السيسي؟
لماذا لم تصدر أي رواية رسمية حتى الآن توضح ما حدث للشعب المصري؟
تجاهل النظام لهذه الأسئلة العشرة يزيد الشكوك حول تورط أكبر رأس في السلطة في هذه الفضيحة أو على أقل تقدير تشير أصابع الاتهام إلى نجله محمود ضابط المخابرات العامة الذي توحش نفوذه داخل الدولة المصرية في السنوات القليلة الماضية.
وعلى العكس تماما، الحكومة في زامبيا تعاملت مع الأمر منذ اللحظة الأولى بجدية تامة، خرج رئيس لجنة مكافحة المخدرات ناسون باندا ثلاث مرات ليطلع الجميع على مستجدات القضية، كذلك خرج وزير التعدين الزامبي في مؤتمر صحفي ليشرح نتائج ما توصلت اليه لجنة مختصة فحصت سبائك الذهب الموجودة على الطائرة وقال ان نسبة كبيرة منها هي نحاس وقصدير.
بعدها خرج وزير الداخلية الزامبي دون موبوي في مؤتمر صحفي لينفي تماما أنباء إطلاق سراح المتهمين وإخلاء سبيل الطائرة وأكد أن التحقيق لا زال جاريا ومنح الصحفيين ووسائل الإعلام تصريحا للقيام بجولة في المطار وتصوير الطائرة على الهواء مباشرة.
وصل الأمر إلى الرئيس الزامبي الذي خرج هو الآخر في مؤتمر صحفي ليعلن أن التحقيق لا زال جاريا وأن السلطات الزامبية تتعامل بجدية تامة مع هذه القضية ولن تترك أحدا ينجو من العدالة تحت أي ظرف من الظروف.
وبرغم كل ذلك تشكك المعارضة الزامبية وبعض المرشحين الرئاسيين المحتملين في رواية الحكومة الرسمية ويطالبون بالكشف عن مصير الذهب.
فضيحة طائرة زامبيا كشفت هشاشة النظام المصري وضعف مؤسساته خاصة الإعلامية، وهو ما ظهر جليا في حالة التخبط التامة في التعامل مع الأزمة أو محاولة الرد على ما ينشر من معلومات وأرقام وصور ثبت بالدليل صحتها.
في أي دولة محترمة، بها مؤسسات وقانون وبرلمان وإعلام يتم التعامل مع فضيحة كهذه بأكبر قدر من الشفافية والجدية ولكن في مصر تحت حكم السيسي الأمر يختلف كثيرا.
المشكلة الرئيسية ليست في تجاهل الفضيحة أو في عدم الإجابة على الأسئلة ولكن المشكلة الحقيقية في الطريقة البائسة التي يحاول النظام التغطية من خلالها على فضيحة كهذه.
أجهزة الاستخبارات المصرية التي تدير وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حاولوا تشتيت الانتباه عن فضيحة الطائرة تارة بمهاجمة كل منصة أو صحفي أو باحث أو قناة تناولوا هذا الأمر واتهامهم بانتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين، وتارة أخرى بإطلاق مجموعة من الهاشتاغات الكوميدية على مواقع التواصل الاجتماعي ثم وصلوا في نهاية الأمر بالضغط على عصام إبراهيم العرجاني لنشر فيديو وسط القاهرة بالتاريخ والساعة لينفي التهمة عن نفسه وأبيه بتورطهم في فضيحة طائرة زامبيا.
هذه الفضيحة أعطت النظام المصري درسا لن ينساه، أن الصحافة وإن حاول السيطرة عليها فهي السلاح الأقوى والأخطر الذي لن يمكنه مواجهته أو حجبه خاصة مع تنامي عدد المنصات والأفراد الذين يعتمدون على المصادر المفتوحة والتحقق من الأخبار والبحث عن المعلومة ولكن السيسي ونظامه توقف بهم الزمن عند إعلام أحمد سعيد إبان نكسة الخامس من يونيو 1967.
فضيحة طائرة زامبيا كشفت هشاشة النظام المصري وضعف مؤسساته خاصة الإعلامية، وهو ما ظهر جليا في حالة التخبط التامة في التعامل مع الأزمة أو محاولة الرد على ما ينشر من معلومات وأرقام وصور ثبت بالدليل صحتها.
على نظام السيسي أن يتحمل مسؤوليته أمام الشعب المصري لأن فضيحة طائرة زامبيا ربما كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.
عربي 21