ماذا يريد عبد الفتاح السيسي من الشعب المصري عندما يخرج علينا بكاريزميته المنعدمة ليعد الجميع بالرحيل من منصبه في حالة مطالبة الشعب له بذلك؟
حدث الأمر قبل ذلك ويحدث في هذه الأيام، وسيحدث بعد ذلك طالما ظل عبد الفتاح السيسي متمسكا بالسلطة يكذب كما يتنفس؛ يضلل الرأي العام ويخاطب الغرب بعبارات بلهاء على شاكلة «انتوا هتحبوا شعبنا أكتر مننا ولا إيه».
ارحل يا سيسي ليس مجرد هاشتاج يغرد به ملايين المصريين حول العالم مطالبين الجنرال الأسوأ في تاريخ البلاد؛ في ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان بالرحيل عن منصبه والتوقف عن سياساته القمعية بحق المصريين، وإنما هو تجسيد لواقع أليم يعاني منه الشعب المصري بمختلف طوائفه تحت حكم السيسي.
في بدايات عام 2006 كان المخلوع الراحل حسني مبارك يحتفل مع منتخب مصر لكرة القدم بالفوز ببطولة كأس الأمم الأفريقية داخل استاد القاهرة، في نفس التوقيت الذي كانت تئن فيه مئات العائلات المصرية بعد فقدانهم أبناءهم في كارثة غرق عبارة السلام، ليخرج مبارك بعد ذلك ساخرا من تلك الكارثة بعبارته الشهيرة: «عبارة من اللي بيغرقوا دول!».
اللي خلف مماتش، عبارة مصرية شهيرة تنطبق على حالة السيسي ومبارك، فمدير المخابرات العسكرية الأسبق في عهد مبارك كان يشاهد فقرة الساحر ويتحدث مع أينشتاين عبر خاصية الهولجرام، ويحاضرنا عن تريليوناته الكثيرة التي أنفقها منذ ثورة يناير وحتى الآن، كان يضحك ويمرح ويلقي بنكاته السخيفة في لقطة عرفت إعلاميا بمنتدى شباب العالم، في نفس التوقيت الذي فقد فيه أكثر من تسعة أطفال أعمارهم التي لم تتجاوز خمسة عشر عاما بعد غرقهم في معدية منشأة القناطر الأسبوع الماضي.
يموت الأطفال غرقا في مصر أثناء بحثهم عن لقمة العيش، ويدعي السيسي أنه لا أحد ممن ينتقدون أوضاع حقوق الإنسان في مصر يخاف على الشعب المصري أكثر منه. تواجه ممثلة تحالف المتوسط بالأوضاع المتردية للمعتقلين في السجون المصرية وتفاقم الأوضاع نتيجة وباء كورونا، تسأله عن الاختفاء القسري الذي تمارسه السلطات المصرية في عهده، فيغضب السيسي ويصف ما قالته بأنه حديث قاس ومناف للحقيقة في مصر.
يضع مراسل وكالة «مونت كارلو» حقيقة التردي التام لملف حقوق الإنسان في مصر، ويسأله عن الارتفاع الكبير في أعداد المعتقلين على الرغم من إطلاقه للاستراتيجية المزعومة لحقوق الإنسان، فينفعل السيسي قائلا إن الشعب المصري لا يجد ما يأكله فهل الغرب مستعد للمساعدة؟
يدعي السيسي أنه مستعد لفتح المجال للمصريين بالتظاهر كل عام في الشوارع والميادين وقبوله بعقد انتخابات رئاسية، شريطة توفير الدعم المالي الكافي لذلك. وقد أفلح إن صدق وهو كذوب، ولكن على المجتمع الدولي أن يلتقط طرف الخيط ويضغط على السيسي لفعل ذلك بالفعل وإجراء انتخابات رئاسية تحت إشراف دولي مباشر، ودون تدخل من الجيش أو الشرطة أو أجهزة استخبارات السيسي، حتى يرى العالم حقيقة الشعبية الزائفة التي يروجها هذا الديكتاتور لنفسه ويعرف قدره الحقيقي لدى عموم الشعب المصري.
أطلق السيسي على العام الجاري عام المجتمع المدني، فهل تعلم كم منظمة مجتمع مدني أغلقها السيسي منذ انقلابه العسكري في يوليو 2013؟ هل تعلم أنه في الأسبوع الماضي أعلنت واحدة من أعرق وأنجح منظمات المجتمع المدني في السنوات الماضية، وهي الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان،تعليق عملهالا لشيء إلا لتزايد الاستهانة بسيادة القانون وتنامي انتهاكات حقوق الإنسان وتزايد الملاحقات البوليسية ضد العاملين في هذا المجال؟ فعن أي مجتمع مدني يحدثنا السيسي؟ وهل يفاجئنا السيسي بمنظمات مجتمع مدني جديدة تختارتها أجهزة المخابرات العامة والحربية بعناية كما فعلت مع نواب مجلس الشعب المصري؟ أم يأمر السيسي عددا من ضباط الجيش والشرطة السابقين بتولي مهمة إنشاء منظمات مجتمع مدني على طريقته الخاصة؟
الرجل يكذب كما يتنفس، ففي اللحظة التي كان يرد على انتقادات بعض المشاركين في منتدى شباب العالم بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان، ويتحدث عن رعايته لشعبه وبأنه هو الأحرص عليه، كانت قواته الأمنية تعتقل شابا مصريا معارضا بعد عملية أمنية خبيثة تورطت فيها السلطات السودانية وشركة طيران سودانية خاصة.. حسام سلام شاب مصري معارض فر من بطش السيسي منذ خمس سنوات واستقر في السودان، ثم قرر الانتقال إلى تركيا، ولكنه فوجئ بالطائرة التي كانت تقله من الخرطوم إلى إسطنبول تغير مسارها بعد بلاغ كاذب وتهبط في مطار الأقصر، ليتم اعتقاله على الفور ثم تكمل الطائرة رحلتها إلى تركيا.
مطاردة المعارضين في الخارج وقتلهم أو حبسهم في الداخل، ثم الخروج في لقطة إعلامية مثل منتدى شباب العالم للتضليل والحديث عن احترام حقوق الإنسان، هي سياسة كاذبة من جنرال عسكري لا يستحق إلا هذه العبارة التي غرد بها الملايين: “ارحل يا سيسي”