تطالب قيادات نسائية سودانية في قوى “إعلان الحرية والتغيير”، التي تقود الحراك الشعبي، بحصول المرأة على نصف المقاعد في كل أجهزة السلطة الانتقالية.
وثمة مفاوضات شاقة حاليا بين المجلس العسكري الانتقالي، و”قوى التغيير” بشأن تفاصيل المرحلة الانتقالية.
وعزلت قيادة الجيش في 11 أبريل الماضي، عمر البشير من رئاسة البلاد، بعد ثلاثين عاما من الحكم؛ تحت وطأة احتجاجات شعبية مستمرة منذ أواخر العام الماضي.
** حملة نسائية
وتحت اسم “نساء السودان للتغيير”، دشنت القيادات النسائية، مؤخرا، في ميدان الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بالعاصمة الخرطوم، حملة لتحقيق التواجد النسائي المرغوب في أجهزة المرحلة الانتقالية.
وتقول تلك القيادات إن المرأة شاركت في إنجاح الثورة ضد البشير، ودفعت ثمن تلك المشاركة طيلة أربعة أشهر من قمع أجهزة الأمن ومليشيات النظام السابق.
وأعلن المجلس العسكري، الأحد، أنه يدرس وثيقة بشأن المرحلة الانتقالية تسلمها من قوى “إعلان الحرية والتغيير”، وأنه سيرد عليها.
وكشفت تلك القوى، الخميس الماضي، أن الوثيقة تتضمن “رؤية متكاملة حول صلاحيات ومهام المؤسسات الانتقالية”.
وأوضحت أن مستويات الحكم ستكون من “مجلس سيادة انتقالي”، هو رأس الدولة ورمز السيادة، ومجلس وزراء تكون له السلطة التنفيذية العليا، وكذلك هيئة تشريعية تقوم بالدور التشريعي والرقابي.
وتنص الوثيقة على “أن يتكون المجلس التشريعي الانتقالي من 120 إلى 150 عضوا يتم التوافق عليهم بواسطة القوى الموقعة على إعلان الحرية والتغيير، ولا يقل تمثيل المرأة به عن 40 بالمئة”.
** لا مساومة ولا تلاعب
وتقول ممثلة المجتمع المدني في تحالف “إعلان الحرية والتغيير”، ناهد جبر الله، للأناضول، إن “الحركة النسائية شاركت منذ 1989 بفعالية في مناهضة نظام البشير البائد، رغم طبيعته القمعية، وقدمت تضحيات كبيرة، ولا تنظر إلى مطالبها العادلة كمنحة تطلبها من أحد”.
وتتابع أن “السودانيات شاركن في تنظيم المظاهرات والاحتجاجات وإيواء الثوار والاعتصام والدعم الاجتماعي، ولم يكن دورهن في دعم الرجال فقط، بل في قيادة العمل اليومي المقاوم”.
وترى جبر الله أنه “من الطبيعي أن نطلق حملة لتحقيق مشاركة متساوية في آليات التغيير، لإحداث تغيير حقيقي وتحول ديمقراطي بآليات مدنية تحقق شعارات الثورة، ونرفض أي مساومة أو تلاعب في هذا”.
وتشدد على أن “هذه الرسالة ليست للمجلس العسكري فقط، بل لكل قوى إعلان الحرية والتغيير، وهدفها ضمان حدوث تحول ديمقراطي حقيقي يكفل مشاركة عادلة للنساء”.
** اتفاق معطل
وتضم قوى المجتمع المدني، وهي فصيل أساسي في “إعلان الحرية والتغيير”، منظمات نسائية في دارفور (غرب)، وجبال النوبة جنوب كردفان (جنوب)، وشرق السودان ووسطه وشماله، وحركات نسائية شبابية نشأت في الخرطوم.
وسبق أن أعربت قوى التغيير عن التزامها بتمثيل عادل للنساء في المرحلة المقبلة، لكن حجم المشاركة النسائية في مؤسسات التحالف ووفده الذي يفاوض المجلس العسكري أثار انتقادات من قيادات نسائية.
** دون المتفق عليه
وحددت قوى التغيير، في ديسمبر 2018، نسبة 40 بالمئة لتمثيل النساء في كل آلياتها ومؤسسات السلطة الانتقالية، “لكنها لم تلتزم فعليا بتلك النسبة”، بحسب القيادية في تحالف “النساء السياسيات”، انتصار العقلي.
وتقول العقلي للأناضول: “غابت المشاركة النسائية العادلة المتفق عليها من التنظيمات المختلفة في لجان صنع القرار الخاص بالتغيير”.
وتوضح: “وجود النساء الفعلي أقل من النسبة المتفق عليها، رغم مشاركتهن الواسعة في لجان المقاومة والخروج للشوارع خلال الثورة وحتى مرحلة الاعتصام أمام قيادة الجيش”.
وتؤكد على أن “مطلب المناصفة منطقي ومتفق عليه، لكنه تحقيقه رهين بالواقع والتحولات الجارية، ثم قدرات ونضال المرأة لإقراره”.
** معيار الكفاءة
وفقا للمحلل السياسي، أسامة خليل، فإن “تحقيق مطالب الحركة النسائية يعتمد على المعايير التي تم الاتفاق عليها مسبقا بين قوى التغيير في اختيار كل من يشغل موقعا في مؤسسات الحكم الانتقالي”.
ويشير خليل، في حديث للأناضول، إلى “وجود اتفاق بين قوى التغيير وغيرها على اختيار الكفاءات في المرحلة المقبلة، سواء في الحكومة أو البرلمان أو المجلس الرئاسي المشترك، ما يجعل الكفاءة الشخصية هي المعيار وليس النوع”.
ويرى أن “تلك المعايير المتفق عليها قد تتناقض مع التزامات قوى التغيير بتخصيص 40 بالمئة للمرأة في مؤسسات الحكم؛ فالكفاءات النسائية في مجالات عديدة بارزة ومتقدمة على غيرها”.
ومع دخول المفاوضات بين قوى التغيير والمجلس العسكري مراحل متقدمة، من المرجح أن تخرج تسريبات بقوائم المرشحين لمختلف مستويات السلطة الانتقالية.
تلك القوائم قد تكشف عن التزام بتمثيل عادل للمرأة السودانية، أو تفتح الباب أمام مواجهة مفتوحة بين الحركة النسائية وقيادات قوى التغيير.
** تمثيل ضعيف منذ الاستقلال
أما أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، محمد شقيله، فيرى أن “التمثيل الواسع المعتبر للمرأة في مؤسسات الحكم الانتقالية تفرضه عوامل عديدة، في مقدمتها دورها ومشاركتها الفاعلة في الحراك الثوري”.
ويضيف شقيله للأناضول أنه “يجب منح المرأة حقوقها كاملة في المشاركة السياسية، وأن لا تُهضم بالاكتفاء بتمثل رمزي غير فاعل في مؤسسات اتخاذ القرار، كما يحدث منذ استقلال البلاد عام 1956، وإلا سيكون التغيير الذي نتحدث عنه مجرد شعار لا نؤمن به”.
وشاركت النساء في نظام البشير بتمثيل رمزي ضعيف، إذ تولت وزارات محدودة ذات طابع خدمي واجتماعي، كالتعليم والرعاية والضمان الاجتماعي.