تباينت ردود الأفعال تجاه قرار حكومة الجنزوري الاقتراض من صندوق النقد الدولي، حيث صرحت وزيرة التخطيط والتعاون الدولي الدكتورة فايزة أبو النجا أن الحكومة اتفقت مع صندوق النقد الدولي على توقيع اتفاق نوايا بشان القرض في يونيو المقبل، والبالغ قيمته 3.2 مليار دولار، وبررت الحكومة رغبتها في الاقتراض بسبب الاضطرابات السياسية التي زادت الضغوط على ميزان المدفوعات، ولسد عجز الموازنة العامة والتي بلغت 8.6%.
وصرح د. الجنزوري أن مصر فقدت 80% من الاحتياطي النقدي وأنه يأمل إلى اتفاق بشأن قرض صندوق النقد الدولي.
ومن جانبه حذر وزير المالية ممتاز السعيد من استمرار المظاهرات والمطالب والشعارات الرافضة للقرض والتي قد تسبب في تأجيل القرض إلى ديسمبر المقبل، وتطرح الحكومة أذون خزانة بنحو 12.5 مليون جنيه لتوفير سيولة عبر السوق المحلية.
وتوقع خبراء استمرار الحكومة في الاعتماد على هذه الأطروحات في الوقت الذي يرجح تأجيل القرض بسبب عدم تنفيذ أهم بنود الاتفاق، وهو التوافق الشعبي وموافقة البرلمان على القرض، وهو ما يجعل الحكومة في وادٍ آخر مختلف تمامًا عن الذي يعيشه ويريده الشعب والمتمثل في برلمانه ونوابه.
جيري رايس: أين دعم الحرية والعدالة للقرض؟
وعلى الصعيد الآخر أكد جيري رايس المتحدث باسم الصندوق أنه ليس لديه إطار زمني لإتمام المحادثات، وأن اتفاق التمويل يجب أن يحظى بدعم واسع من الأحزاب السياسية خاصة حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي للإخوان المسلمين، والذي يستحوذ على نصف مقاعد البرلمان متسائلًا؛ أين دعم الحرية والعدالة للقرض؟
تحذير النواب
فيما حذر أعضاء لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب من خطورة القرض الذي تنوي مصر الحصول عليه من صندوق النقد الدولي باعتباره عبئا إضافيا على موازنة الدولة والاقتصاد القومي الذي يقدر بـ3.2 مليار دولار، وقالوا: إنه من الممكن تدبير قيمة هذا القرض محليا من ناتج بيع بعض قطع الأراضي للمصريين العاملين بالخارج خاصة في منطقة العياط التي يبلغ ثمنها أكثر من 84 مليار جنيه، وإن مثل هذا الإجراء من شأنه تحفيز الاقتصاد القومي وإنشاء العديد من المشروعات القادرة على استيعاب أعداد كبيرة من الخريجين وبالتالي تخفيض نسبة البطالة.
جاء ذلك في الاجتماع الذي عقدته لجنة الخطة والموازنة برئاسة م.سعد الحسيني وتمت خلاله مناقشة تقرير صندوق النقد الدولي وحزمة من الإجراءات الاقتصادية ذات الأولوية القصوى.
وأكد أشرف بدر وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب أن اللجنة لم تلتقِ بالبعثة، ولم يتم إخطارهم بمواعيد الاجتماع معهم.
ومن جانبه أشار مصطفى البنا أمين سر اللجنة أن مجلس الشعب واللجنة لم يرفضوا الاقتراض من صندوق النقد الدولي بل يرحبون بالتعامل مع المؤسسات المالية العالمية.
ويرى عبد الحافظ الصاوي عضو اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة أن موقف الحكومة في التعامل مع ملف القرض كفيل وحده بالمطالبة بإسقاطها.
رفض شعبى
وعلى جانب آخر استقبل رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب النائب سعد الحسيني وفدًا من الحملة الشعبية لإسقاط ديون مصر، وذلك لمناقشة المديونية الخارجية المصرية في ظل النقاش حول قرض صندوق النقد الدولي، وتنطلق الحملة الشعبية لإسقاط ديون مصر، من رحم نضالات ثورة 25 يناير المستمرة، وهي حركة شعبية تهدف إلى تأكيد استقلال مصر الاقتصادي عن كل مظاهر الاستغلال والتبعية، وتبديد الموارد التي فرضت عليه خلال العقود الماضية على يد نظام مبارك وأعوانه في الخارج، حيث خلفت السياسات الاقتصادية التي طبقها نظام مبارك ديونا داخلية وخارجية هائلة.
واستمر النموذج الاقتصادي السائد الذي يلجأ للاستدانة سواء من الداخل أو الخارج كأول وأسهل وسيلة للتعامل مع مشاكل التخطيط الاقتصادي، وذلك بدلا من تغيير المنظومة الاقتصادية ككل وجعلها أكثر عدالة، والبحث عن آليات بديلة لتمويل الإنفاق الحكومي مثل الضرائب على الثروة؛ ومن ثم جعلت الديون الإرادة المصرية رهينة للدول وللمؤسسات الدولية الدائنة.
وتقدمت الحملة بمذكرة للنائب الحسيني ترفض هذا البرنامج لأسباب عدة: إن الحكومة تضع هدفها الأساسي من البرنامج وهو تقليص عجز الموازنة العامة وليس التشغيل والعدالة الاجتماعية.
وأشارت الحملة إلى أن البدائل المطروحة غير عملية واقعيا، حيث إن مصادر التمويل الأخرى المتاحة تواجه عقبات، موضحة أن طرح سندات وأذون خزانة يساهم في تغطية عجز الموازنة، لكنها تؤدي إلى زيادة أعباء خدمة الدَّين التي تستحوذ علي نحو ثلث الموازنة العامة حاليا، خاصة مع ارتفاع سعر الفائدة عليها إلى نحو 16%.
مميزات عديدة
وترى الدكتورة منى عصام مدرس الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن القرض يقلل من أذون الخزانة لأن عائد السندات سيوفر للقطاع الخاص استثمارات، فالبنك الدولي يساعد في المشاريع الإنمائية بشروط أحسن، ولكن المهم هو المصارف التي يوجه لها هذا القرض، وهذا على الحكومة أن توضحه لنا.
شروط مرفوضه
وعلى النقيض أكدت عزة طاهر رئيس الإدارة المركزية للتجارة بالجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أنها ترفض الاقتراض بشكل عام إلا في الضرورة القصوى؛ لأن هذه القروض لا تقدم هكذا إلا إذا كانت مشروطة وبسعر فائدة مرتفعة؛ وبهذا فنحن نثقل على الأجيال القادمة، والحل يكمن في ترشيد المصاريف واقتراح بدائل أخرى بدلا من الاقتراض الخارجي كالصناديق الخاصة.
رؤية ضبابية
كما أوضحت بسنت أحمد فهمي خبيرة مصرفية أن الحكومة الحالية لم توضح مصارف هذا القرض فيما يتعلق بدعم الطاقة وغيرها من الأمور الحياتية المهمة كما لم توضح شروطه والمخاطر التي قد نتعرض لها في حالة عدم سداد القرض في موعده، وما هي مصادر سداد القرض وإلا أصبح القرض عبئًا علينا وعلى الأجيال القادمة فالمطلوب هو الشفافية والمصداقية فالحكومة الحالية تتبع نفس سياسات العصر البائد فليس المهم هو حصول مصر على شهادات دولية، خاصة وأن البنك المركزي المصري خفض نسبة الاحتياطي لتمويل عجز الموازنة فرقم الدين الداخلي والخارجي في تزايد مستمر، وعلى الحكومات الحالية والقادمة انتهاج سياسات جديدة، وعدم الركون إلى السياسات القديمة، وضرورة تغيير السياسة النقدية والمالية بما يضمن جذب أكبر للاستثمارات في الفترات القادمة.
القرض سياسى
وأشار أسامه الشندي مراقب ببنك مصر أن القرض الآن عملية سياسية أكثر منها اقتصادية؛ لأن الحكومة الانتقالية الحالية لا تريد أن توضح مصارف هذا القرض، وهي أيضا سرعان ما ستزول، وتأتي حكومة أخرى ولكن هذه الحكومة الأخرى هي التي ستتحمل تبعات هذا القرض بالذات، ويتساءل لماذا لا تسعى مصر للحصول على معونات عربية أفضل من هذا القرض.