تحدّث وليّ العهد «محمد بن سلمان»، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، بنصف الحقيقة فقط لصحيفة واشنطن بوست بأنّ بلاده موّلت انتشار الوهابية بناءً على طلب من القوى الغربية لمواجهة الاتحاد السوفيتي أثناء «الحرب الباردة». وما فشل في الاعتراف به أنّ صعود «آل سعود» جاء على أكتاف الإسلام المتشدد؛ بينما يسعى الآن إلى تغيير الاتجاه المحافظ، مع الاحتفاظ بالنظام الملكي المطلق والوحيد في العالم.
هذا ما يراه الخبير الشرق أوسطي «زاهد حسين فجر» في مقاله بصحيفة «نايشن» الأميركية وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّ طريقة ابن سلمان في الحديث هي السماح للمرأة بالقيادة والمشاركة في الأنشطة الاقتصادية بجانب الرجال؛ بينما خطوته كانت لعنة لرجال الدين الوهابيين، الذين يتمتعون بنفوذ قوي على الأرض.
وينتمي ولي العهد إلى الجيل الثالث من آل سعود، ويدفع في اتجاه تحويل اقتصاد المملكة، الذي اعتمد على النفط وقتًا طويلًا، ضمن رؤيته 2030 التي أطلقتها الحكومة؛ بينما يسير على حبل مشدود في بلدٍ ترسخت فيه الأيديولوجية المحافظة.
حتى إصلاحاته البسيطة لقيت مقاومة من رجال الدين والعائلة المالكة. وفي مقابلته مع واشنطن بوست، قال الأمير السعودي إنّ «التطرف الإسلامي يعالج بالصدمة». ووصف ابن سلمان بـ«الربيع العربي الذي بدأ من أعلى» مبالغ فيه.
ولا يوجد أيّ مؤشر حتى الآن على أنّ الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي يؤدي إلى الانفتاح السياسي، الذي من شأنه أن يمنح السعوديين العاديين دولة ديمقراطية ويضمنون حقوقهم الإنسانية. وحتى الآن، لا يوجد رد فعل قوي من المحافظين ضد هذا البرنامج، الذي وعد بتغيّرات سياسية واجتماعية في باقي الدول الإسلامية المتأثرة بالعقيدة الوهابية لا في السعودية فقط.
ويحذر مراقبون من الانفجار وأن تأتي الأمور بنتائج عكسية؛ فرجال الدين لن يتخلوا بسهولة عن قبضتهم الدينية المستمرة على المملكة منذ عقود.
ولاحظ عديدون الاستياء المتصاعد داخل العائلة المالكة من صعود ابن سلمان، وردًا على ذلك قاد «حملة مكافحة ضد الفساد»، ووضع كبار العائلة المالكة قيد الإقامة الجبرية وصادر ممتلكاتهم، وزاد من حدة التوترات داخل الأسرة الملكية، وأطلق سراح عشرات الأمراء بعد تسويات مالية أجبروا عليها، وبموجبها أعيد جزء من ثرواتهم إلى الدولة.
ومما سيساهم في تقييد تحركاته وطموحاته لتغيير مسار المملكة وتكسير قبضة رجال الدين: تحركاته العسكرية الخارجية في العامين الماضيين لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في الشرق الأوسط؛ بعدما انخرطت القوات السعودية في حرب اليمن، نتج عنها آلاف الضحايا المدنيين.
كما زاد التدخل السعودي في اليمن من الصراعات الطائفية في الشرق الأوسط، وشكّلت المملكة تحالف «الدول السنية» يضمّ 34 دولة مسلمة؛ ما أثار تساؤلات جدية بشأن تحركات ابن سلمان لكسر قبضة رجال الدين السعوديين.
و«الإصلاح الاجتماعي» قد يُضعف رجال الدين وأيديولوجيتهم المحافظة؛ لكنه تغافل أنّ المملكة تأسست عليها، وبينما يعترف بأنّ حكومته لم تعد تمول انتشار الوهابية؛ فاعترف بأنّ الجمعيات الخيرية السعودية الخاصة لا تزال ترعى المدارس الدينية والمساجد في جميع أنحاء العالم.
وعقد محمد بن سعود صفقة مع رجال الدين الوهابي في القرن التاسع عشر بموجبها ساعدت الأسرة على تأسيس حكمها في المملكة العربية؛ وفي المقابل أقر النظام الملكي الوهابية، وتحالفت معها دينيًا وسياسيًا.
ولا يمكن إنكار أنّ الغرب استخدم الوهابية وسيلة قتالية ضد الشيوعية، وأنّ النفط السعودي كان مفيدًا في الترويج للوهابية في العالم الإسلامي؛ لكن المملكة استخدمتها أداة قوة إقليمية في الشرق الأوسط؛ فاستثمرت مليارات الدولارات في المدارس والمساجد المتبنية للأيديولوجية الراديكالية التي خرجت بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي.
كما يرجع انتشار الإسلام المتشدد في باكستان إلى حد كبير للدعم السعودي؛ بدءًا من المقاومة الأفغانية للاحتلال السوفيتي، ثم أصبحت الوهابية الأيديولوجية الأكثر فاعلية في تحفيز المسلمين الراديكاليين لبدء الجهاد ضد الشيوعيين بلا ملل، ووافقت السعودية وأميركا على تمويل الحرب الأفغانية ضد السوفييت، وأرسل آلاف الشباب السعودي للقتال بجانب المجاهدين الأفغان. والفكر الجهادي نفسه الذي استخدمه الغرب لمواجهة الشيوعية عاد الآن ليواجهه من جديد.
فزاد التمويل السعودي للجماعات السنية المتشددة مرات في أعقاب الثورة الإيرانية التي قادها آية الله الخميني في 1979. ونتيجة لذلك؛ أصبحت باكستان مركزًا للحرب بالوكالة بين السعودية وإيران، بينما الآن أصبح صعود الإسلام المتشدد يهدد المجتمعات الإنسانية، وعلى المرء أن ينتظر ويرى ما سيحدث لبرنامج «الإصلاح» الذي بدأه ولي العهد السعودي.