نشرت صحيفة «ميدل إيست آي» مقالًا للكاتبة «رانيا المالكي»، رئيسة التحرير السابقة لصحيفة «دايلي نيوز إيجيبت»، عن القمع في عهد السيسي، وكيف يعاني النظام حاليًا من حالة ذهان جماعي، وخوف وقلق عميقين من انهياره وقائده، مؤكدة أن النظام الآن في أضعف حالاته؛ متوقعة أنه سيفوز في الانتخابات المقبلة لكنه سيهزم، أو هزم بالفعل؛ وأصبحت شعبيته في الحضيض.
وإلى نص المقال:
لا يوجد شك في فوز عبدالفتاح السيسي بولاية ثانية، خاصة بعد أن أسكت نظامه المعارضين وقضى على المرشحين الجادين، بمن فيهم سامي عنان رئيس الأركان الأسبق، كما تعرض العضو في حملته المستشار هشام جنينة إلى الاعتداء على يد بلطجية قرب منزله، قبل اعتقاله بعد.
سقوط عنان الدرامي جاء في أعقاب محاولة ترشح فاشلة للفريق شفيق، ومن ثم لحق بهما خالد علي الذي انحسب لأسبابه الواضحة.
استمرار القمع
في 15 فبراير الماضي، اعتقل الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق في انتخابات 2012 والسياسي الإسلامي، الذي اعتقل من منزله وأوقف حزبه نشاطاته. وقبله بأسبوع، سبقه محمد القصاص نائبه، واتهم الاثنان بـ«الانضمام لجماعة محظورة وتمويلها».
أبو الفتوح ابتعد عن الساحة السياسية بعد انتخابات 2012؛ لسيطرة السيسي ونظامه فقط عليها، في أعقاب لقاء تلفزيوني انتقد فيه السيسي ودعا المواطنين لمقاطعة الانتخابات؛ لذا كانت تهمته «تهديد استقرار البلاد وتضخيم الأزمات الحالية».
وغير أبو الفتوح ورفاقه المعتقلين، دأب النظام المصري مؤخرًا على اختطاف النشطاء اليساريين؛ أبرزهم «جمال عبدالفتاح» البالغ من العمر 72 عامًا، و«حسن حسين» البالغ من العمر 62 عامًا، اعتقلا من منزليهما واختفيا، ثم ظهرا بعدها بأسبوع في نيابة أمن الدولة بتهم «الانضمام لجماعة محظورة، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعية في نشر أفكار جماعة الإخوان والتحريض على أعمال إرهابية، ونشر أخبار كاذبة».
وعلى الصعيد الإعلامي، لحقت العاصفة بـ«بي بي سي» بعد نشرها فيلمًا وثائقيًا قصيرًا عن حالات الاختفاء القسري وممارسات التعذيب التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية.
أبرزت هيئة الإذاعة البريطانية قصة «زبيدة»، ذات الـ23 ربيعًا، التي سردت والدتها ما تعرّضت له من تعذيب لا يُوصف بعد اعتقالها منذ عام؛ لكنّ القضية انقلبت رأسًا على عقب، عقب استضافة «أون تي في» بمساعدة وزارة الداخلية، نافية مزاعم والدتها؛ وبعدها اعتقلت الأم ومحامي الابنة.
وبعد الحادثة، طالبت هيئة الاستعلامات، المعنية بمنح التراخيص للصحف والقنوات الأجنبية، الـ«البي بي سي» بضرورة الاعتذار؛ لانتهاكاها ما قالت إنه معايير وأخلاقيات المهنة.
وغير هؤلاء، طالت يد القمع مؤيدي الدولة أنفسهم؛ ولعل أبرز مثال على ذلك اعتقال الإعلامي خيري رمضان، الذي قُبض عليه مدة وجيزة، ثم أطلق سراحه بكفالة؛ بتهمة الإساءة للجهاز الشرطي، بعد أن بث تقريرًا عن سوء أوضاع زوجات ضباط الشرطى القتلى.
وقبلها بأيام، أصدر النائب العام نبيل صادق بيانًا هدّد فيه باتخاذ إجراءات قانونية ضد من يروجون لأخبار وشائعات كاذبة، وتضاعف الضغط بتهديد السيسي بأن من يشوه صورة الجيش أو الشرطة سيوصم بـ«الخائن»، نافيًا أن يكون ذلك تعبيرًا عن الرأي.
حتى المدارس أُمرت من أعلى بترديد أغنية عسكرية وإدارجها في الروتين اليومي للطابور الصباحي «قالوا إيه.. مش سامع حاجة»، دعمًا للحملة العسكرية الشاملة التي تقودها القوات المسلحة في سيناء ضد الأفراد المتمردين.
النظام في أضعف حالاته
الاعتقالات في حد ذاتها والهيمنة على مؤسسات الدولة ليستا جديدتين أو مفاجئتين، ولا يوضح التصعيد المبالغ فيه حاليًا إلا أنّ النظام يعاني من «حالة ذهان»؛ فمن الواضح أن السيسي ونظامه عازمان كل العزم على قتل أيّ بادرة أو أيّ أمل في انتقال سلمي للسلطة، في الوقت الذي يردد فيه أنصاره سردًا مملًا عن كيف أصبح السيسي الزعيم الملهم، وهو الدور الأسطوري الذي نسبه السيسي لنفسه؛ بينما الحقيقة أسفل السطح تخبرنا عكس ذلك.
النظام المصري الآن في أضعف حالاته منذ انقلاب 2013؛ إذ تراجعت شعبية الديكتاتور بشكل كبير في السنوات الأربع الماضية، وساهم في ذلك تسليمه جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وفشله في إدارة ملف المياه، بجانب فشله في القضاء على التمرد الذي يقوده تنظيم الدولة في سيناء.
ولا يوجد أصدق مثال على هذا الفشل سوى تقرير «نيويورك تايمز» عن إطلاق الطائرات الإسرائيلية غارات جوية فوق سيناء؛ لمساعدة السيسي في القضاء على التنظيم، وشملت الهجمات «طائرات دون طيار ومقاتلات ومروحيات هجومية»، وأطلقت أكثر من مائة غارة بموافقة السيسي.
الخبر أثار عاصفة من النظام وداعميه، لكن بعد أقل من شهر أعلن السيسي بنفسه إجراء صفقة لاستيراد الغاز من «إسرائيل» بقيمة 15 مليار دولار سنويًا. وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إنّ شركتي «ديليك للحفر وشريكتها الأميركية نوبل إنيرجي» وقعتا اتفاقًا لبيع ما مجموعه 64 مليار متر مكعب من الغاز لشركة «دولفينوس» المصرية؛ وهي الصفقة التي يؤكّد مراقبون أنها تمهيد لتعاون اقتصادي أوسع.
لكن الحقيقة أنّ هذا الغاز سُرق من الفلسطينيين، ولا يبدو أنّ السيسي يتمتع بأيّ أخلاق؛ لذا تعامل مع «إسرائيل» ولم يتوارَ عن العاصفة الهجومية التي لحقت به.
البرلمان المطاطي
البرلمان بطبيعة الحال يقوم بدوره في دعم الديكتاتور المخلص، والدفاع عن عروضه وإنجازاته الوهمية، ومن المرجح أن يزال مثيرو المشاكل الذين فازوا في الانتخابات الحالية بحلول انتخابات 2020، أي في منتصف ولاية السيسي؛ وهكذا سيستمر في قمعه وهجماته على المعارضين والموالين، وسيتمر في خنق المجال حتى ينعدم.
حتى مبارك، لم يجرؤ على فعل ما فعله السيسي.