"دير ياسين" في ذاكرة الفلسطينيين والعرب ليست موقعًا جغرافيًّا داخل أراضي 48 وحسب بل هي جرح نازف ورمز لجرائم الصهيونية التي ما زالت تحرم الناجين منها ولاجئيها في الضفة الغربية من زيارتها، رغم مرور 64 عامًا على المذبحة التي وقعت في البلدة؛ حيث اقتصر إحياء ذكرى المجزرة يوم 9 أبريل الجاري على أراضي دير ياسين غربي القدس المحتلة على نحو 50 من الإسرائيليين اليساريين الذين زاروا المكان مساء الإثنين بمبادرة منظمة "زوخروت" (يذكرن) التي تدأب على ذلك للسنة الثامنة على التوالي.
مسيرة إحياء الذكرى إلى دير ياسين بدأت من الشارع الرئيسي المؤدي إليها؛ حيث مستوطنة جفعات شاؤول القائمة منذ العام 1906 مرورًا بحواكير البلدة ومقالعها، وعند "منطقة الكسارات" توقف الزائرون واستمعوا للمرشد عمر إغبارية- العضو العربي في "زوخروت"- الذي استعاد كيف تم إعدام سبعة من دير ياسين ودفنوا هناك، ومن ثم قادهم إلى مركز البلد.
وعلى الطريق المعشوشبة، ما زالت تنتشر بعض المنازل الحجرية كبيت عائلة رضوان بجوار مدرسة البنات التي باتت فرعًا لحركة "حباد" اليهودية، وأمام بيت لعائلة زهران؛ حيث أعدم 27 فردًا منهم، استمع الزائرون اليهود وبعض الأجانب والعرب لشرح إغبارية الذي قرأ أسماءهم ضمن قائمة تحمل نحو مائة من شهداء المذبحة كتبت على ثلاث لوحات بعدة لغات.
هدف المذبحة
وتتوافق المصادر التاريخية المختلفة وحتى الإسرائيلية على أن عدة منظمات صهيونية استغلت انشغال المقاومة بتشييع الشهيد عبد القادر الحسيني في القدس عقب استشهاده في معركة القسطل يوم 8 أبريل فارتكبت في اليوم التالي المذبحة التي راح ضحيتها نحو 100 شخص- معظمهم شيوخ وأطفال ونساء- بهدف ترهيب سكان البلاد الفلسطينيين وتهجيرهم وشق الطريق نحو احتلال القدس.
واستذكر المرشد إغبارية الاتفاقية من نهاية 1947 بين أهالي دير ياسين وبين مستوطنة جفعات شاؤول المجاورة والتي تنص على عدم الاعتداء المتبادل، وتابع أن "هذه الاتفاقية لم تشفع لأهالي دير ياسين بعدما أخلت جفعات شاؤول بها".
ويقول مؤسس منظمة زوخروت إيتان بورشطاين إن زيارة المكان تعزز إنسانيته وتترجم قناعته بضرورة الاعتراف الإسرائيلي بالنكبة، وأضاف "تغمرني الذكريات والمشاعر القاسية دائمًا، وما يغيظني هنا أن إسرائيل حتى اليوم لم تعترف بالمذبحة وتواصل طمس الذكرى".
يشار إلى أن إسرائيل بنت على أراضي دير ياسين مستوطنتي "جفعات شاؤول" و"هار نوف" التي يسكنها كبير حاخاماتها عوفاديا يوسف، بينما تستخدم منازل مركز القرية كمستشفى للمجانين؛ حيث أكد بورشطاين "أتوقع من عوفاديا يوسف- كرجل دين على الأقل- أن يندد باستمرار انتهاك حرمة مقبرة دير ياسين، والمشاركة في مسيرتنا إلى القرية المدمرة، وتعليم المذبحة في خطبه الدينية".
مصلحة إسرائيلية
ويؤمن بورشطاين الذي أسّس زوخروت عام 2002، أن مساهمته في تعميم الرواية التاريخية الفلسطينية تنم أولاً عن دوافع إنسانية، عدا عن كونها مصلحة إسرائيلية.
وتابع "بدون اعتراف إسرائيل واليهود بالنكبة وتحمل مسئوليتها لن تكون هناك مصالحة.. كما أن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم حاجة إنسانية، فإنها أيضا مصلحة فلسطينية وإسرائيلية في نفس الوقت".
وهذا ما يؤكده ابن دير ياسين اللاجئ في بيت لحم الشيخ محمد جميل حميدة (أبو ماجد) من أنه لا سلام دون عودته وذريته إلى قريته وتعويضه عن مأساته، مشددا على أن الجرح ينزف ولن يلتئم.
أبو ماجد ابن الثامنة وقت المذبحة، أوضح أن اليهود غزوا دير ياسين فور رفع أذان الفجر من جهة قرية عين كارم، الجهة الجنوبية الشرقية.
وتابع "سمعت من أقاربي أن اليهود تسللوا في تلك الليلة خلسة ودخلوا فرن القرية الواقع في أطرافها، فألقوا صاحبه في النار وضربوا بكعب البندقية حتى الموت سيدة جاءت لتعد الخبز".
وينقل عن شهود عيان أن اليهود فاجئوا ابني عمته موسى ومحمود إسماعيل جابر بجوار الفرن، فقتلوا الأول بينما تمكن الثاني من الهرب فأسرع لإيقاظ الأهالي من نومهم.
وأضاف أن "جارنا صار يطلق النار على اليهود، وبعدها قامت القيامة فقد ألقى اليهود قنابل يدوية وقذائف هاون ورصاصًا نحو المنازل وقتلوا كل ما تحرك".
وعن رحلة الهجرة الموجعة، تابع "بقينا ليلة واحدة في عين كارم ومن هناك انتقلنا إلى قرية كسلا وبقينا يومين، ثم عدنا إلى سلواد في القدس لمدة 20 يومًا قبل أن يستأجر والدي بيتًا في سلوان، وما لبثنا أن انتقلنا إلى المزرعة الشرقية ثم قرية أبو فلاح قضاء رام الله ومكثنا هناك خمس سنوات، ثم عدنا إلى أريحا 17 سنة، وبعد حرب 1967 عدنا وهجّرنا ثانية واستقررنا في بيت لحم".