حقّقت شبكة «سي بي إس» الأميركية في استخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين السوريين، وتحدّثت مع شهود عيان أطباء ومدنيين وآخرين فقدوا أحباءهم في مجزرة «خان شيخون» الكيميائية، ووصفوا المشاهد المروعة للقصف وحالات المصابين. كما تحدّثت مع قائد فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة «إدموند موليت»، الذي أكّد أنّ بشار استخدم الأسلحة بالفعل، وكذلك تدخل روسيا لمنع محاسبته.
وقالت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، إنّ بشار الأسد قاد الأسبوع الماضي واحدة من أعنف الحملات على محافظة الغوطة الشرقية منذ بدء الحرب الأهلية السورية، وارتكب جرائم حرب بموجب القانون الدولي؛ باستخدامه الأسلحة الكيميائية المحظورة اعتياديًا على مدار السبع سنوات الماضية.
واستطاعت شبكة «سي بي إس» الوصول لشهود عيان على القصف بغاز السارين السام في 4 أبريل 2017 بقرية «خان شيخون»، وقالت إنّ ما يلفت النظر في القصف عدد الأطفال الهائل. ووفقًا لمن تحدثت معهم الشبكة، فالشيء الذي فعلوه استخدام خراطيم المياه لإزالة آثار الغاز السام من على أجساد الضحايا، ونزع ملابسهم؛ على أمل إنقاذ حياة كثيرين.
قصف مدبّر
وقال شهود عيان إنّ الأجهزة العصبية للمصابين بدأت في التأثر، وتوترت أجسادهم بمجرد استنشاق الغاز؛ ومن ثم حدوث شلل للرئتين ثم الوفاة. وقال «مصطفى الحاج يوسف»، عامل دفاع مدني ضمن مجموعة «أصحاب الخوذ البيضاء»، إنه بمجرد انطلاق القصف بدأ الناس يتساقطون بالجملة ويفقدون الوعي، مع ارتجاف وتشنجات وخروج رغوة بيضاء من الفم؛ ثم موتهم، وعدّ وحده 30 جثة لأطفال صغار.
وأضاف أنّ طبيبًا أخبره من موقع الحادثة، أثناء تعامله مع الحالات المصابة ومحاولته إنقاذهم، أنهم توفوا بالفعل ولن تجدي أي محاولات معهم. وتراوحت أعمار الأطفال بين ثلاثة أشهر وأربعة وخمسة إلى عمر العامين.
وتابع: قصفت الطائرات الحربية المستشفيات قبل البدء بالهجوم الكيميائي؛ لقطع الإمدادات الطبية عنهم، وحمل «أصحاب الخوذ البيضاء» أو المتطوعون بـ«قوات الدفاع المدني» المصابين والمتوفين على شاحنات والسير بهم مسافة 30 ميلًا؛ للوصول إلى أقرب مستشفى محلي، وهناك الدكتور عبدالحي تناري، وهو شاهد عيان آخر تحدّثت إليه الشبكة.
حالة مثيرة
وأكد عبدالحي أنّ المرضى وصلوا فاقدي الوعي، وبعضهم توفي بالفعل، ومن فقدوا وعيهم كانوا يعانون من ضيق في التنفس، ومعظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ؛ ومنذ اللحظة الأولى «أدركنا أن الغاز المستخدم هو السارين السام».
وحظر القانون الدولي غاز السارين السام عام 1997 بجانب الأسلحة الكيميائية الأخرى.
وأكّد أنّ الحالة الوحيدة التي أثارت انتباهه كانت لفتاتين في عمر الخامية، يبدو أنهما توأمان، وبمجرد وصولهما أدخلا غرفة الإنعاش القلبي؛ لكن اتضحت وفاتهما قبلها بساعات.
الدكتور «مأمون مراد» شاهد آخر تحدثت معه «سي بي إس» وأكّد أنه شاهد صبيًا والرغوة تخرج من فمه، لكنه ما زال على قيد الحياة، وشرع الأطباء في غسل جسده بالمياه وقدموا له العلاج؛ لكنه مات. فالوضع كان أكبر من مجرد بائس، ولا توجد كلمات قادرة على وصفه؛ فهو «أشبه بيوم القيامة»، ولم يكن المستشفى حينها يملك المعدات الكافية لعلاج المصابين الأحياء.
وبمجرد أن قصفت قوات بشار الأسد خان شيخون بغاز السارين، أطلقت القوات الأميركية 59 صاروخًا على قاعدة جوية سورية. لكن، وفقًا لشهادات الأطباء في سوريا، بعد ساعات من القصف الأميركي أطلقت قوات بشار الأسد هجومًا كيميائيًا آخر، باستخدام الكلور؛ وجاءت أسوأ الهجمات الكيميائية في 2013، حينما قُتل أربعة آلاف مدني دفعة واحدة بالقرب من دمشق. وردًا على ذلك؛ ضغطت أميركا وروسيا على النظام السوري لتسليم أسلحته، ثم بدأ تحقيق دولي في استخدامه في الأراضي السورية.
أدلة إدانة
وقال «إدموند موليت»، رئيس فريق التحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية بسوريا والتابع للأمم المتحدة، إنّ النظام السوري بعد هجوم خان شيخون أطلق شائعات مفادها تدبير المعارضة الهجمات الكيميائية ضد المدنيين وإلصاقها بالنظام، زاعمًا أنّ القنبلة كانت محلية الصنع زرعت أسفل طريق بخان شيخون ولم تأتِ من الجو.
لكنّ قوات الدفاع المدني السوري قدمت أدلة كثيرة لفريق التحقيق تثبت أن الهجمات الكيميائية كانت شائعة. وقال أحدهم، يدعى «محمد كيال»، إنّ المتطوعين جمعوا عينات من جسم صاروخ حمل القنبلة، وعينات من التربة والملابس المتضررة والحيوانات والطيور؛ وجميعها إيجابية وتشير إلى استخدام السارين السام.
وأضاف أنّ أصحاب الخوذ البيضاء رؤوا أنه من المهم جدًا توثيق الهجوم ومحاولة إثبات أنه جاء من أعلى وليس من أسفل؛ ليراه العالم بأسره.
وأكد إدموند في حديث الشبكة معه أنّ الحكومة الروسية تدخلت بقوة لمنع إدانة الحكومة السورية، الحليف الرئيس لها؛ مستخدمة حق النقض «الفيتو»، ووصفت النتائج المتوصل إليها التحقيق بـ«المخيبة للآمال»، مؤكدًا أنّ الحكومة السورية هي التي استخدمت الغاز فعلًا؛ وهو ما أثبته التحقيق، وأثبت أيضًا أنّ هذه الأسلحة جاءت من مخازن تابعة لها، وتطابقت مع الموجود فيها.
ونفى إدموند تلاعب أي طرف في مسرح الحادثة بعد الهجوم؛ لأنّ التلاعب في مسرح أسلحة كيميائية يحتاج إلى مختبرات متطورة جدا، كما إنّه معقد للغاية في غاز السارين؛ إذ سيقتل كل من يقترب منه على الفور، مضيفًا أنّ فريق التحقيق أيضًا أثبت استخدام النظام السوري للأسلحة التقليدية في استهدف المستشفيات والمدارس، ومن ثم أطلق غاز الأعصاب على الأحياء السكنية، متهمًا الحكومة السورية بمحو كل جزء من أراضيها لا تستطيع السيطرة عليه؛ سواء فيه مدنيون أو مسلحون أو غيرهم.
«لا تخبروني أن والدي توفي»
كما تحدّثت «سي بي إس» مع أبو حسن، سوري كان بصحبة عائلته داخل مخيم في خان شيخون وفقد اثنين من أبنائه وحفيدًا، وقال إنّ نجلًا له أصيب في القصف الكيميائي ونقل إلى تركيا؛ لكنه توفي هناك، بينما توفي شقيقه أثناء محاولته إنقاذه بعد القصف، موضحًا أنه أسرع ناحيته فأصيب بدوار على الفور وتوفي، كما توفي حفيده.
وتساءلت «أم حسن» في حسرة: «ما الخطأ الذي ارتبكه الأطفال ليعيشوا دون أب؟»، موضحة أنّ طفلًا كان بصحبتهم وتوفي والده فصرخ: «لا تخبروني أن والدي توفي»، مضيفة أنّ جارة لهم أيضًا، سيدة فقيرة، فقدت أطفالها وأحفادها الـ12 ولم يبق سواها.
وفي النهاية، أكّد إدموند موليت أنّ ما فعله بشار الأسد جريمة ضد الإنسانية؛ محذرًا من تكرار الأمر في مكان آخر إذا أفلت بشار ونظامه من العقاب، وأنه أخبر الروس بذلك وحذرهم من أن الأمر قد يتكرر حتى على أراضيهم؛ فإذا أفلت بشار من العقاب سيكون التهرب من المسؤولية نمطًا متبعًا.