تناولت مجلة «ناشيونال إنتريست»، المعنية بالتحليلات العسكرية، الأزمة اليمنية بعد مقتل الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، متوقعة أنّ بمقتله فقد الحوثيون ميزة أساسية مهمة، وهي إمكانية التفاوض مستقبلًا، مؤكدة أنّ المجتمع العالمي سينظر إليهم على أنهم مجرد حركة طائفية موالية لإيران. وفي الوقت ذاته، بات المستقبل اليمني غامضًا؛ لأن المخلوع كان فاعلًا رئيسًا.
وقالت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، إنّ وفاة الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح في 4 ديسمبر الجاري ختمت مسيرة مهنية رائعة استمرت لثلاثة عقود، كان فيها الزعيم السياسي المهيمن منذ تأسيس الجمهورية اليمنية في 1962، وكان مهندس توحيد اليمن عام 1990، واتخذ خطوات أثناء حكمه لتحديث اليمن؛ وكانت له جوانب سيئة للغاية؛ فقد كان فاسدًا.
كما استولى على مليارات الدولارات، وكان يمكن استخدامها لدفع التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولم يعزز التنمية المؤسسية الحقيقية، وأجبر على مغادرة منصبه في ثورة شعبية بدأت عام 2011.
ولم يتقاعد «صالح» بهدوء بعد تنحيه في 2012، فقد واصل المناورة لإفساد مهمة خلفه عبد ربه منصور هادي، وعرقل الانتقال السياسي، وحاول مرارًا استعادة منصبه في أعلى تسلسل سياسي في اليمن؛ ما دفعه إلى التحالف مع الحوثيين المنافسين.
وبمرور سنوات من الصراع، ارتفع مستوى الشك بين الاثنين الحوثيين و«صالح»، وهو الواقع الذي أدى إلى مقتله في النهاية على أيديهم. كان صالح «راقصًا على رؤوس الثعابين» كما وصف نفسه؛ لكنّ رقصه فشل فشلًا ذريعًا.
اليمن إلى أين؟
إنه ليس في موقف مختلف عما كان عليه أثناء حياة «صالح»؛ فبعد تحالفه معهم في 2014 كانت قدراته العسكرية معهم متكافئة، وبتحالفهما تغلغلا في اليمن وتسللا إلى الوحدات الموالية له، بما في ذلك الحرس الجمهوري؛ وحلّا محل المواليين داخل الجيش.
أيضًا، في بداية تحالفهما كانت قوات «صالح» تمتلك صواريخ سكود، التي استخدمت في هجمات عبر الحدود السعودية، وتمكّن الحوثيون في أسابيع قليلة من قيادة ترسانة الصواريخ هذه، واستفادوا -بجانب ذلك- من التدريبات التي تلقوها على يد حزب الله والحرس الثوري الإيراني، وانضمت باقي قوات «صالح» الرافضة الانصياع للحوثيين إلى القوات المناهضة لهم؛ لكنّ انشقاقهم لم يغيّر من التوازن العسكري في المأزق الذي دام عامين بين الحوثيين والقوات الحكومية.
وبالمثل، فإنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت نهاية ائتلاف الحوثي و«صالح» ستؤثر على آفاق التوصل إلى حل سياسي للنزاع الدائر هناك أم لا. وعلى الرغم من آمال يمنيين والمجتمع الدولي منذ زمن طويل أن يجلب «صالح» الحوثيين إلى طاولة المفاوضات، وإبرام اتفاق لاستعادة الانتقال السياسي؛ كان هذا التفاؤل مبالغًا فيه، وفي ثلاث جولات من المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة لم يكن هناك دليل على أنّ له أي تأثير على مواقف الحوثيين التفاوضية.
لكن، بالقضاء عليه، عقّد الحوثيون من وضعهم؛ فغيابه من المشهد يحرمهم من وجود رمزي مهم يعطيهم مصداقية كحركة تعارض الحكومة وتنادي بمكافحة الفساد. ومن دون «صالح» سيُنظر إليهم على أنهم مجرد حركة شيعية طائفية موالية لإيران، بتطلعات طائفية تسعى إلى تأسيس الإمامة الشيعية الزيدية التي حكمت اليمن حتى عام 1962؛ وهي رؤية لن تجلب اليمنيين إلى صفوفهم.
وهكذا سيعاني الحوثيون من التدهور على المستوى الشعبي، الذي تراجع بالفعل نتيجة صراعهم الذي لا ينتهي، ومشاركتهم المتصاعدة في الفساد، وتكتيكياتهم العنيفة والمسيئة ضد السكان المحليين. والسؤال الأبرز: «هل سيجبرهم الواقع الجديد على العودة إلى طاولة المفاوضات أو مزيد من التعنت؟».
والحرب اليمنية -مثل كل الحروب- ستنتهي في نهاية المطاف؛ لكنّ موت «صالح» سيكون له تأثير آخر، غير ما سبق، على الحركة السياسية التي أسّسها أو المؤتمر الشعبي العام، الذي كان حزبًا حاكمًا منذ 30 عامًا؛ فعندما يُبنى اليمن أو تتخذ خطوات نحو هذا الطريق، سيضطر الفاعلون إلى الاستعانة بهم؛ باعتبارهم أصحاب الخبرات والكفاءات والموظفين الأكفاء؛ لذا سيوضع في الاعتبار.
ومن المرجح أنّ يسعى ابنه «أحمد علي صالح» إلى تأكيد قيادة الحزب، لكنّ هناك أدلة على أنه يمتلك مهارات والده السياسية؛ وبالتالي سيكون هناك حاجة إلى قيادة جديدة. لكن، بشكل عام، تبدو النهاية مشؤومة.