سلّط الكاتب الأميركي «سي جي ويرلمان»، في مقال له على «ميدل إيست آي»، الضوء على أداة من أدوات القمع الإسرائيلي بحق الفسطينيين، وهي الكلاب البوليسية، أو الحربية كما يسميها الفلسطينيون؛ قائلًا إنّ معظم ضحاياها من الأطفال الفلسطينيين الذين لم يبلغوا عامهم الخامس، وتُستخدم لغرض واحد فقط: حماية المستوطنين الإسرائيليين.
وأضاف، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّه على مدار 50 عامًا من الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، اُلتُقطت صوّر للوحشية القمعية لدولة الفصل العنصري، ليست للجدار الفاصل الذي يفصل الضفة الغربية عن القدس الشرقية فقط؛ بل أيضًا جدران السجن التي تطوّق سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة.
كل جدار منها يقيّد وصول الفلسطينيين إلى الأراضي، وحرمانهم من الخدمات الضرورية، ويخنق التنمية الاقتصادية. وأصبح الجداران، بجانب نقاط التفتيش العسكرية والمحاكم العسكرية، مرادفًا لمشروع «إسرائيل» الاستعماري الظالم وغير الإنساني.
بجانب هذه المعاناة، هناك أيضًا استعارة شبه مثالية عن الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وهي كلاب الحراسة الإسرائيلية، التي تستخدمها سلطات الاحتلال لأنّ هناك أكثر من 60 ألف مستوطن يقيمون في الضفة الغربية المحتلة، ولا يزالون يشكّلون عقبة رئيسة أمام السلام الذي طال انتظاره.
وببساطة، أيّ صيغة لا تدفع المستوطنين إلى العودة لحدود ما قبل عام 1967 فإنها غير قابلة للتطبيق، وتستخدم في حمايتهم. وهناك مراكز تدريب لهذه الكلاب، كل بحسب تصنيفه الطبقي؛ فهناك كلاب مدربة جيدًا للمستوطنين الأغنياء، وكلاب يدربها المستوطنون بأنفسهم.
حقائق على الأرض
تقع المستوطنات الإسرائيلية، بجميع أحجامها وأشكالها، على التلال المتاخمة للضفة الغربية؛ بدءًا من المدن الصغرى مثل مستطونة «معاليه أوديم»، ومراكز التسوق وحمامات السباحة ذات الحجم الأوليمبي، إلى البؤر الاستيطانية التي تضمّ بضعة منازل فقط.
لكنّ هذه البؤر محصنة للغاية؛ إذ يحميها الجيش الإسرائيلي، كما يجب على قاطنيها المساهمة في حماية أنفسهم أيضًا. وبهذه الطريقة، تغيّر «إسرائيل» من الواقع على الأرض، وتعد هذه المستوطنات ملكية خاصة لهم.
ويعد بناء المستوطنات استراتيجية اتّبعها الآباء المؤسسون في «إسرائيل» في ثلاثينيات القرن الماضي، وأطلق عليها «البرج والمخزونات»، وأعيد تنفيذها مرّة أخرى بعد ثلاثة عقود، وأصبحت نمطًا أساسيًا متّبعًا للدولة الصهيونية لتوسيع رقعة أراضيها المحتلة.
وسبق وطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون من اليهود سرقة الأراضي من الفلسطينيين وبناء منازلهم عليها؛ إذ قال: «يجب على الجميع أن يتخذوا إجراءً ويفعلوا شيئًا، يجب أن يستولوا على مزيد من التلال»؛ وهو ما فعله عشرات الآلاف من المستوطنين منذ أكثر من خمسة عقود، واستولوا على الأراضي، وبنوا عليها المنازل في جميع أنحاء الضفة.
مكان انطلاق «الكلاب»
أثناء زيارتي الأولى لمستوطنة إسرائيلية تقع على بعد 30 دقيقة بالسيارة من القدس، حيث سمح لي السكان بأخذ جولة داخلها، وبدت البوابة الأمامية لهذه البؤرة وكأنها محاولة لتحويل مقبرة قديمة إلى نقطة تفتيش شبه عسكرية، وكانت في يومنا هذا مأهولة بمدججين بأسلحة، أحدهم شاب أميركي يهودي يبلغ من العمر 23 عامًا قادم من فلوريدا.
يظهر من خلفه درب من الحصي يشق طريقه إلى أعلى تلة، تقف بين منازل تسع إلى قرابة 50 شخصًا. وعلى مرمى البصر، ثمة مستوطنات إسرائيلية كبرى اُنتُزعت من الفلسطينيين.
وفي منتصف الطريق أسفل التلة، هناك سلسلة من الصناديق الخشبية مربوطة بجانب بعضها، وكل مربع من المستوطنات يقع على بعد 50 ياردة من الذي يليه، وكل سكن يوجد أمامه كلبان للحراسة؛ فإذا ما اقترب فلسطيني من المحيط ينبحان، وهما بمثابة إنذار للسكان.
غير إنسانية ووحشية
ينطبق المشهد الذي وصفته على أيّ مستوطنة في الضفة الغربية، فالأمر «بربري وغير إنساني»؛ سواء للفلسطينيين أو للكلاب نفسها، المربوطة في الصناديق طوال النهار، حتى في الأيام الشديدة الحرارة، وتتجاوز الحرارة في أيام مائة درجة، إضافة إلى برد الشتاء الذي تصل فيه درجة الحرارة أحيانًا إلى صفر؛ و«لا راحة لهم، لا نهاية لخدمتهم، موضوعون لغرض واحد: مهاجمة الفلسطينيين».
وللمستوطنين ذوي الدخل المرتفع برامج تدريب خاصة للتعامل مع هذه الكلاب والمشاكل التي تواجههم؛ فاليهود الإسرائيليون الذين يعيشون في يهودا والسامرة (كبرى المستوطنات) يتعرّضون إلى هجمات بشكل مستمر، وهي المستوطنات الواقعة في نطاق الضفة الغربية، والسكاكين هي السلاح المفضل لقتل اليهود.
ومن ثم؛ جاء الحل كالتالي: «بإمكان الكلب المدرَّب جيدًا أن ينقذ هذه الأم ويحوّل المنفذ إلى ضحية. أو بمعنى آخر: إذا جاء الفلسطيني إلى مكانه وبيئته فإنه يواجه مشكلة خطيرة»، وتتفاخر مراكز التدريب بأنّ هذه الكلاب تستطيع أن تفرّق بين المستوطن الإسرائيلي والمتسلل من الرائحة، ويعتمدون في تسويق برامجهم على ذلك.
ويدرّب المستوطنون الذين يعيشون بطريقة أكثر تواضعًا كلابًا أقلّ شأنًا من الكلاب البوليسية على مهاجمة المتسللين الفلسطينيين.
ومع تزايد عدد الإسرائيليين المحتلين للضفة الغربية بصورة غير شرعية، تتزايد أعداد الكلاب المدربة. وتقول تقارير إنّ عدد الفلسطينين الذين تهاجمهم الكلاب تزايد، وعانى الأطفال الذين لم يبلغوا الخامسة على وجه التحديد من إصابات مروّعة بسبب هذه الكلاب.
وقال تقرير نشره البرلمان الأوروبي إنّ هذه الهجمات تتزامن مع تزايد أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية؛ إذ ازداد عدد الهجمات بنسبة أكثر من 30% بشكل سنوي.
والأسوأ من ذلك، أنّ هذه الكلاب لا تستخدم فقط للدفاع عن المواقع الاستيطانية الإسرائيلية؛ بل أيضًا لأغراض هجومية، لمهاجمة المدنيين الفلسطينيين عمدًا. ولاحظت منظمة العفو الدولية أن هذه الهجمات، باستخدام الكلاب أو من دونها، تحدث أحيانا في «وجود الجنود والشرطة الإسرائيلية الذين يغضون الطرف عنها».
وختم كاتب المقال بأنّ مثل هذا الجدار الفاصل في الضفة الغربية، وجدران السجن الافتراضية في غزة؛ فكلاب المستوطنين أيضًا رمز لسياسة «إسرائيل» المنهجية المتمثلة في «العزل والنزوح والعنف الاستعماري».