أصيبت العلاقات المصرية بالتوتر بعد إعلان الإدارة الأميركية وقف وتعليق جزء من المساعدات الاقتصادية والعسكرية، والتي بلغت 291 مليون دولار، بسبب مخاوف متعلقة بشأن حقوق الإنسان في مصر، وبينما انتقدت الحكومة المصرية «سوء التقدير» و«عدم الفهم» من ناحية واشنطن، استجابت بحذر لزيارة «جاريد كوشنر» مبعوث السلام للشرق الأوسط.
وتقول صحيفة «ناشيونال إنتريست»، في تقريرها الذي ترجمته «شبكة رصد»، إن الأحداث كانت مفاجئة، خاصة بعد أن أشار «دونالد تامب» إلى أن السيسي شخص مفضل ليه، مشيرة إلى تصريحاته عنه في إبريل الماضي خلال اجتماع جمع بينهم الاثنين، حيث أطلق العنان لثناءاته عليه، ووصفه بالرجل القوي الذي قام بعمل رائع، وأنهم سيقفون بقوة ورائه وأنه قام بعمل رائع في وضع صعب للغاية.
وتم إلغاء ما يقرب من 96 مليون دولار من التمويل في حين تم تعليق 195 دولار أخرى، يمكن لنظام السيسي الحصول عليها بنهاية سبتمبر المقبل إذا أحرز تقدم في مجال حقوق الإنسان، لكن في الوقت ذاته قالت الصحيفة، إن وقف أو قطع المعونة لن يكون له تأثير كبير على نظام السيسي «السلطوي المتزايد». ولا تزال القاهرة تحتفظ بحوالي 1.3 مليار دولار من أموال الولايات المتحدة هذا العام. فيما ساهمت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بسخاء في خزائن حكومة السيسي.
وغير حصول السعودية على دعم مصر في موضوع قطر، فإنها أيضا اشترت جزيرتين من القاهرة، وهو الأمر الذي أغضب الشعب المصري.
ومع ذلك، فإن توبيخ الولايات المتحدة لمصر أفضي إلى مجموعة من الدروس الهامة حول «إدارة ترامب»، أولا، وزارة الخارجية، ممثلة في وزيرها «ريكس تيلرسون»، ترغب في أن تؤصل للحق، رغم عدم اهتمام ترامب بحقوق الإنسان أصلا وتأييده «المحرج» لشخص السيسي، فضلا عن ميل بعض المسؤولين في البيت الأبيض إلى رؤية كل علاقة أجنبية من خلال منظور الإسلام الراديكالي والإرهاب، وافتراض بعض المحللين على نطاق واسع، أن السيسي بما فعله ترامب سيعتقد أنه حصل على تذكرة مجانية لانتهاكاته المتعددة.
لكن الحكومة المصرية لم تقمع المعارضين السياسيين فقط، بل أي شخص يعصي النظام، ففي مطلع أغسطس، حكم على حوالي 50 شرطي بالسجن لتنظيمهم إضراب، على الرغم من أنهم يشكلون الدعامة الأساسية لقمع السيسي.
وكان المستهدفون مؤخرا المراقبين الحاسمين لأوضاع حقوق الإنسان في مصر ورصد تجاوزات السيسي، مثل مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف الانتهاكات، الذي ساعد الكثير من الضحايا وتحدى الجناة، والذي بدأ عمله خلال رئاسة حسني مبارك، وفي زيارة لـ«كاتب المقال» إلى المركز في 2014، أوضح الموظفون أن استخدام التعذيب أصبح أكثر انتشارا من أي وقت مضى. المركز أغضب السيسي فقام بإغلاقه في فبراير الماضي.
كما صدر قانون الجمعيات الأهلية والذي يستهدف المنظامت الغير حكومية المحلية والغربية، وهو الإجراء الذي احتجت عليه الولايات المتحدة والدول الأوروبية، واعتقدت أنها تلقت تأكيدات من نظام السيسى بأن القانون لن ينفذ، لكن بعد ترحيب الرئيس ترامب بالديكتاتور المصري، وضعت القاهرة التشريع موضع التنفيذ. ويبدو أن واشنطن لم تنتفض لمعارضته مرة أخرى.
وفي حين أنه لا يمكن لأي سياسة خارجية فعالة أن تتجاهل المصالح الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان، فإن اجراءات الحكومة ينبغي أن تقيدها اعتبارات أخلاقية، وعندما تستطيع «واشنطن» تعزيز الحرية الإنسانية في الخارج بتكلفة أو خطر ضئيل، فعليها أن تفعل ذلك. وعلى أقل تقدير، ينبغي على الولايات المتحدة أن ترفض أن تتقيد بالنظم التعسفية التي لا يوجد لديها مبرر مقنع عما تفعله.
فالقاهرة لا تحتاج إلى رشوة للتخلي عن الحرب مع إسرائيل، وبينما يشكل الإرهاب مشكلة متزايدة، فإن الجيش المصري يفضل استخدام المساعدات العسكرية الأمريكية لشراء أسلحة باهظة الثمن، بدلا من تلك التي تلبي الاحتياجات الأمنية للبلاد.
والأسوأ من ذلك أن مصر في حالة حرب مع نفسها، ويكفل الدعم السنوي السخي الذي تقدمه واشنطن، نظاما «أُجبر على التخلي عن الأرض»، واستخدم العنف ضد المعارضة، موضحة ان السيسي يمكن أن يلقى في النهاية مصير حسني مبارك رغم ذلك، والذي تخلى عنه مؤيديه فيما بعد، ومن الأفضل للولايات المتحدة ألا تُعرف بأنها داعمة لنظام وحشي يقتل ويملئ السجون بشكل غير قانوني، في ظل انعدام الرقابة بلا خجل.
أما الدرس الثاني، هو أن الرئيس ترامب نفسه غير مهم عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية الأمريكية. ولا يهم ما يعتقده أيضا.
وهذا ليس جديدا. ففي حين انتقد «ترامب» كلا من الناتو والتحالف الامريكى الكورى، سارع مساعديه إلى طمأنة الدول التي انتقدها الرئيس، وبعد انضمامه إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة في إدانة قطر، سارع وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» ووزير الدفاع «جيم ماتيس» إلى إصلاح خطواته وزاروا «الدوحة»، وبينما هدد ترامب بالحرب ضد كوريا الشمالية، فإن معظم المسؤولين في إدارته استبعدوا الفكرة تماما.
وبينما تثير وزارة الخارجية مسألة حقوق الإنسان التي تجاهلها «ترامب» خلال اجتماعه مع نظيره المصري، فمن المؤكد تقريبا أنه لا يوافق على الأمر، لكنه لم يبدي ذلك حتى بتغريدة واحدة عنها، لكن الأهم من ذلك أنه لم يتخذ أي إجراء مناقض أيضا، فلم يتخذ أي قرار رئاسي متعلق بخطوة مجلس الشيوخ.
ومثلما فعل حكام السعودية والإمارات، فإن السيسي ربما تصرف على افتراض أنه حاصل على تأييد ترامب، غير أنه لسوء حظه، فإن حسن نية الرئيس ترامب ليس له قيمة تُذكر، ولا يوجد لدى الرئيس الأمريكي سياسة محددة، حتى أنه ربما لا يعرف ما الذي يجب القيام به حول أي شئ، والأهم من ذلك «يبدو أنه لا يهتم كثيرا».
قالت الصحيفة، إن هذين العاملين لهما آثار هامة بالنسبة للمستقبل. حيث يجب على المواطنين في أمريكا والدول الأخرى التقليل من شأن التصريحات العفوية للرئيس، إن لم يرفضوها تماما، حيث تعكس تلك التصريحات أفكاره وليس أفعاله. وهو ببساطة لا يملك الانضباط والاهتمام اللازمين لتنفيذ ما يقوله، وينبغي أن تنظر إلى تصريحاته المثيرة بأنها «تسلية سياسية لا أكثر».
وأضافت أن الأهم من ذلك هو أن الرئيس الأمريكي لن يكون شخصية محورية، على الأقل عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، مشيرة إلى أن دور أمريكا في أفغانستان سيطول وسيبقى الناتو على قيد الحياة ولن تكون هناك حرب مع كوريا الشمالية وسيستمر الانفتاح على كوبا وستواصل واشنطن تعزيز حقوق الإنسان، وعندما يغادر البيت الأبيض سيكون من الصعب العثور على بصماته على هذه السياسات أو أي سياسات أخرى.
وبالتالي، فإن الحكومات التي تعمل وفق ما يقول «ترامب» ستجد نفسها عارية تماما، مضيفة أنها ستنظم زياراته وتملأ الشوارع بصوره وسترحب بخطاباته لكن عندما يذهب فإن الإدارة الأمريكية هي التي ستتولى الأمور.
وفي حالة مصر، وعلى الرغم من تحمس ترامب لاحتضان السيسي، والذي وصفته الصحيفة بـ«المحرج»، فإن تقرير وزارة الخارجية الخاص بحقوق الإنسان عن حكومة السيسي والمكون من 59 صفحة، يوضح أن «أهم مشاكل حقوق الإنسان في مصر هي الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن، إضافة إلى اوجه القصور في الإجراءات القانونية اللازمة بجانب قمع الحريات المدنية، ويشمل الاستخدام المفرط عمليات القتل والتعذيب غير المشروعة وخارج إطار القانون».
وختمت الصحيفة بأن تخفيض وتعليق بعض المساعدات، لن يؤدي في النهاية إلى وقف هذه الانتهاكات أو أي إساءات أخرى، ولكن القيام بذلك على الأقل يشير إلى أن الضمير الأمريكي ليس ميتا تماما، ونصحت الصحيفة بأنه يجب على واشنطن أن تضع حدا للمعونة المقدمة إلى «حكومة افتعلت المشاكل التي تمر بها الآن واحتجزت مواطنيها كأنهم عبيد».