هكذا أدلى أحد الصحافيين المصريين، بشهادته للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، عن سيطرة السعودية عن الإعلام في مصر.
أعدت الشبكة دراسة بعنوان «إعلام الأمراء.. كيف سيطر على الإعلام المصري؟»، تضمنت ما رواه الصحافي نفسه وقوله «ما شاهدته بنفسي بعدها أن وزارة الإعلام السعودية تستضيف للحج كل عام العشرات من رؤساء تحرير وكتاب ومقدمي برامج تلفزيونية استضافة كاملة، تتضمن تذاكر السفر والإقامة والتنقلات، عبر دعوات يوجهها السفير السعودي في القاهرة للإعلاميين أصدقاء المملكة»، ولفتت الدراسة الصادرة في 70 صفحة، إلى وثائق ويكليكس التي تسربت في يونيو 2015، ما وصف بأنه ربما يكون تفاصيل عن طلبات تمويل مقدمة من الصحافي مصطفى بكري والداعية عمرو خالد.
كما أن هناك وثيقة مسربة بعنوان «فاتورة وكيل مؤسسة دار الهلال» ووفقا لويكليكس، فهي مذكرة من رئيس إدارة الشؤون الإعلامية في الخارجية السعودية إلى وكيل وزارة الثقافة والإعلام في المملكة، يطلب فيها صرف شيك بمبلغ 68 ألف دولار أميركي لدار الهلال المصرية، مقابل نشر حلقات أسبوعية عن الإنجازات التي حققتها المملكة العربية السعودية في مجال توسعة الحرمين الشريفين والمشاريع التي تم تدشينها مؤخرا.
وأفادت برقية بعنوان «الاعتذار لصحيفة مصرية» موجهة من وزارة الثقافة والإعلام لسفارة المملكة في القاهرة، أنّه بعدما تلقّت وزارة الثقافة والإعلام خطابا من رئيس مجلس الإدارة رئيس تحرير جريدة مصرية، مشفوع به نسخ من الجريدة وفاتورة بمبلغ (5000) ريال سعودي، لقاء نشر موضوع بمناسبة اليوم الوطني الحادي والثمانين، وطلبه صرف قيمتها.
وأفادت الدراسة «أنت الآن تشاهد القناة العربية الأشهر للأفلام الأميركية، وفجأة يطل عليك هذا الإعلان: “سميت بالثورة الخضراء.. أخفيت بعصبة سوداء.. بحث عن الحقيقة فوجد أبشع أساليب القمع والإرهاب.. عن قصة حقيقية لأكبر الملفات الإيرانية إجراماً »، معلقة «بهذا الحماس في الدفاع عن حقوق الإنسان بثت فضائية MBC2 السعودية، على مشاهديها إعلانا عن فيلم ضد القمع ستعرضه قريبًا».
وأكدت الدراسة أن MBC صدّرت دعايتها على مواقع التواصل الاجتماعي بأن هذا الفيلم: عن قصة حقيقية تعرض القمع والاعتقالات والإرهاب الإيراني. صحافي إيراني يفضح ذلك في فيلم rosewater الذي بث في 28 إبريل 2017 على MBC2، مروجا بوسم #خريف_الملالي، الذي أضاف البعد السياسي بصورة لا لبس فيها، لعرض فيلم موضوعه «القمع» الذي تمارسه السلطات الإيرانية وتعرّضها لحقوق الإنسان، وتزامن عرض الفيلم مع موسم الانتخابات الرئاسية والبلدية في الجمهورية الإسلامية، وهي الانتخابات التي أسفرت عن فوز حسن روحاني.
واستنتجت الدراسة أن السعودية كانت وراء قرار حجب عدد كبير من المواقع الاخبارية المصرية، وجاء الحظر السعودي للمنافذ الإعلامية القطرية بسبب اختلاق تصريحات لأمير قطر واختراق وكالة الأنباء القطرية، وأضافت الدراسة «في السعودية تم حجب مئات آلاف المواقع لأسباب سياسية واجتماعية ودينية. وحجبت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية 600 ألف موقع على مدار العامين الماضيين كانت غير مدرجة تحت مخالفات الجرائم المعلوماتية. وصرحت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية، في إبريل 2017، بأنه تمت معالجة أكثر من 900 ألف رابط مخالف عام 2016. داعية مستخدمي الإنترنت في المملكة إلى الإبلاغ عن المواقع الإباحية، كما صرحت بأنها حجبت 68 بالمائة من مواقع نسبة الإباحة بها تجاوزت 92 بالمائة، مشيرة إلى أنه تمت معالجة روابط مسيئة للأطفال بلغت أكثر من 1300 رابط»
سؤال طرحته الدراسة وأجابت عنه «في البدء كانت الصحافة. جميع الصحف الصادرة في المملكة العربية السعودية مملوكة للقطاع الخاص، لكنها بشكل ما أو بآخر كلها تحت سيطرة الدولة، هذه هي الريادة السعودية الإعلامية منذ اللحظة الأولى».وبحسب الدراسة «الشرق الأوسط ومعها الحياة اللندنية كانتا رأس حربة الإعلام السعودي. واللافت أنهما صدرتا من لندن، ليكون بعد ذلك نفس الأمر، لا إعلام سعوديا ذا طابع إقليمي وموجها للعرب ينطلق من السعودية، أما عن التلفزيون، فأكدت الدراسة أن الانطلاقة كانت عندما توفي الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، في 23 يناير 2015، عن عمر يجاوز 91 عاما. عندما تحولت كل القنوات الأكثر تأثيرا والأعلى مشاهدة إلى إذاعة القرآن الكريم، فعلت ذلك قنوات الأفلام الأجنبية، قنوات الأفلام العربية، القنوات الترفيهية، القنوات الدينية. الإعلام العربي توقف.. لأن الإعلام العربي – في أغلبه- سعودي.وعلى الرغم من تأكيد الدراسة على تأخّر الإعلام السعودي المحل، مقارنة بالدول العربية الأخرى، إلا أن هذا التأخر السعودي الكبير أعقبته صحوة هائلة، ولكن هذه المرة في مجال الفضائيات، فمجموعة آرا السعودية تأسست في لندن عام 1990، لتطلق MBC كأول فضائية عربية من دبي. ثم انطلقت مجموعة راديو وتلفزيون العرب art التي أسسها رجل الأعمال السعودي صالح كامل عام 1993 بعد انسحابه من قنوات إم بي سي، وهي أول قنوات عربية تعتمد على التشفير والاشتراك بمقابل مادي ومقرها الرئيسي في مدينة جدة السعودية، ثم أضيفت إليها مجموعة أوربت التي تعتمد على التشفير والاشتراك فيها بمقابل مالي، ويملكها الأمير بندر بن محمد آل سعود.إيبسوس… والصراع على الأكثر تأثيرًا
«أفادت الدراسة بأنه، في مارس 2015، كشف تقرير لاتحاد إذاعات الدول العربية، أن عدد القنوات الفضائية التي تتولى بثها أو إعادة بثها هيئات عربية عامة وخاصة بلغ 1394 قناة، واعتبر اتحاد إذاعات الدول العربية أن الطفرة في عدد الفضائيات سببها تنامي دور القطاع الخاص»
بحسب الدراسة، التي أشارت إلى أنه، في ديسمبر 2014، صدرت عن شركة الأبحاث الشهيرة ipsos قائمة بأكثر القنوات مشاهدة لدى الجمهور المصري، في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر، كشفت أن MBC مصر تتصدر الأعلى مشاهدة، متفوقة على cbc وcbc سفرة والحياة وصدى البلد، بل ومتفوقة كذلك على القناة الأولى (ماسبيرو)، في حين جاءت MBC مصر2 في المركز السابع قبل النهار ودريم 2 وروتانا سينما.
«هناك مجموعة محددة من أصحاب الإمبراطوريات الإعلامية السعودية، وبالطبع القاسم المشترك بينهم هو انتماؤهم للعائلة المالكة السعودية، وأبرزهم اسمان يتصدران كل المشهد. وليد آل براهيم بن عبد العزيز آل إبراهيم مالك قنوات تلفزيون الشرق الأوسط MBC، وأخ الجوهرة أرملة الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، العاهل السعودي السابق»، وتضيف «ولكن رأس حربة المجموعة وذروة سنامها هو قناة العربية الإخبارية وهي فضائية لا تتبع النظام السعودي بشكل رسمي ولكنها في نفس الوقت تكاد تعد الناطق الرسمي باسمه».وأضافت الدراسة «انتقد المذيع حافظ الميرازي الإعلام السعودي الذي لا يجرؤ على انتقاد الملك السعودي بينما يعطي لنفسه الحق في انتقاد بقية الرؤساء، وأعلن أنه سيقدم استقالته حال لم يفسح له المجال لنقد النظام السعودي كما ينتقد النظام المصري إبان الربيع العربي»، وكانت النتيجة أن الميرازي لم يظهر على شاشة العربية بعدها.اختتمت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان دراستها بـ«السعودية لا تكتفي باستخدام قنوات الأخبار والمنوعات كمخلب قط في صراعها الإقليمي الطائفي، كما لا تكتفي بتشريع قوانين داخلية تعاقب بالسجن على تهم فضفاضة تسجن كل شخص ينتج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، عن طريق الشبكة المعلوماتية. بل تتوسع بضم صحف وصحافيين تحت عباءتها، فضلا عن محاولات السيطرة على الإنترنت بحجب المواقع التي تعتقد أنها تتنافى مع الدين أو المواقع التي تتهمها بأنها تروج للإباحية».وأضافت الدراسة «أيضا فالسعودية تواصل نشاطها ليمتد إلى داخل البلدان العربية حتى أنها تتهم بالتلاعب في نتائج استطلاعات المشاهدة لصالح الفضائيات السعودية على حساب الفضائيات المملوكة لجهات وبلدان أخرى. ولا تستثني هذه السيطرة الصحف المصرية، بل إنها عبر رحلات الحج حينا والإعلانات أحيانا تنجح كثيراً في هذه السيطرة، حتى أن الأمر يصل إلى أن تعتبرها جهات أمنية مصرية قدوة في عالم حجب مواقع الإنترنت وفرض الرقابة عليها».
«ووسط إنفاق هائل وإمبراطوريات إعلامية ضخمة، وبينما أمراء العائلة المالكة يسيطرون على نسبة هائلة مما هو مرئي أو مقروء، يمتد الأثر لإذكاء وترسيخ رؤى تمزج بين السياسي والديني في ثوبه الديني المتشدد، رؤى الدولة السنية ضد الدولة الشيعية في جانب، وتسفيه الجدل أو حق النقد وإعلاء قيمة الطاعة لرجال الدين وأولي الأمر من جانب آخر، وما بين مادة إعلامية موجهة ومنتقاة وإعلاميين يتم شمولهم بالعناية والهدايا والرعاية، تتوارى رسالة الإعلام ودوره، من ناقل مراقب وناقد إلى شاكر ومادح ومدجن. ليتحوّل من إعلام الجمهور إلى إعلام الأمراء»، بحسب الدراسة.