عاشت الأراضي الفلسطينية المحتلة أمس الأربعاء ليلة حزينة متشحة بالسواد عقب وفاة الشيخ النائب حامد البيتاوي- القيادي في حركة حماس بنابلس-، وخطيب المسجد الأقصى عن عمر يناهز 75 عامًا.. وذلك بعد فترة طويلة من الصراع مع المرض أجرى خلالها عددًا من العمليات الجراحية كان آخرها عملية "قسطرة" بالمستشفى العربي في نابلس.
ولقد خسرت الامة العربية واحدًا من أشجع رجالاتها أو كما يطلق عليه "رمز العز في زمن الذل" فهو رئيس رابطة علماء المسلمين وخطيب المسجد الأقصي والقيادي في حركة حماس.
وكان الشيخ حامد البيتاوي قد نقل قبل ثلاثة أسابيع إلى مستشفى المقاصد بالقدس إثر تدهور حالته الصحية واحتياجه لعملية قلب مفتوح؛ حيث حاول السفر للخارج لتلقي العلاج لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي رفضت ذلك ومنعته من الخروج، كما رفض الشيخ نفسه تلقي العلاج بالمستشفيات الإسرائيلية، مما اضطرهم لإجراء العملية له بمستشفى المقاصد .
حياة الشيخ البيتاوي
والشيخ البيتاوي من مواليد أسرة بسيطة ببلدة بيتا جنوب نابلس عام 1944، ويسكن مدينة نابلس، ومتزوج من مقدسية وأب لستة أبناء وابنة واحدة، تخرج من كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، الفوج الأول عام 1968، وتتلمذ على يد نخبة من المشايخ والعلماء كالدكتور فضل عباس، والدكتور إسحق الفرحان، والدكتور إبراهيم زيد الكيلاني، والأستاذ يوسف العظم، وغيرهم.
منعه الاحتلال من السفر لإكمال دراسته، وحصل على درجة الماجستير، في الفقه والتشريع، من كلية الشريعة بجامعة النجاح الوطنية بنابلس عام 1991، وعمل رئيسًا لرابطة علماء فلسطين، وخطيبًا للمسجد الأقصى المبارك، وعضوًا بالعديد من الهيئات واللجان والجمعيات، كالهيئة الإسلامية العليا في القدس، وجمعية التضامن الخيرية، ولجنة زكاة نابلس، ولجان إنشاء المساجد، ولجنة التوعية الإسلامية، وغيرها من لجان الإصلاح، والدعم والمؤازرة للأشقاء، في أفغانستان، العراق، السودان، الشيشان، البوسنة والهرسك، وغيرها.
انتخب البيتاوي عضوًا بالمجلس التشريعي الفلسطيني في دورته الثانية عام 2006، عن قائمة التغيير والإصلاح التابعة لحماس التي يعد أحد قادتها، وعمل في المحاكم الشرعية، منذ تخرجه عام 1968، وتدرج في الوظيفة كاتبًا، فرئيسًا للكتاب، ثم قاضيًا شرعيًا، ثم رئيسًا لمحكمة الاستئناف الشرعية في الضفة الغربية، ثم عضوًا في المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في فلسطين.
كما عمل مُدَرِّسا، ومحاضرًا في المدرسة الإسلامية الثانوية، وكلية الروضة، وجامعة النجاح الوطنية وساهم في الصحوة الإسلامية بفلسطين- خاصة المحتلة عام 1948م-، من خلال الخطب، والدروس والندوات، وإحياء المناسبات، والمهرجانات، وعبر وسائل الإعلام المختلفة، وغيرها.
ويعتبر الشيخ البيتاوي من كبار الدعاة الإسلاميين في فلسطين وخطيب مفوه؛ حيث بدأ عمله بخطيب في مسجد الجوفة بالأردن وكان مفروضًا على الخطباء الدعاء للملك في آخر الخطبة فقال الشيخ البيتاوى"اللهم وفِّق ملك البلاد للحكم بكتاب الله وسنة رسوله الكريم، ويسِّر له بطانة صالحة" على خلاف المتعود، فما إن انتهى من الصلاة وخرج من المسجد، فإذا بأحد الأشخاص يتبعه ويطلب منه الوقوف، وعرف بنفسه على أنه ضابط في الأمن العام، وسأل عن اسم الشيخ، ولماذا اختار الشريعة الإسلامية كي يدرسها؟ وبعد أن أجباه على أسئلته وجدها فرصة للوقوف مع نفسه قليلاً، وقرر إما أن يتوقف عن الخطابة أو يستمر بها مع تحمل التبعات المترتبة عليها، وبما أن حياته ورزقه بيد الله وحده، ولا يستطيع أحد أن يسلبه أيًّا منهما، فقد قرر المضي في هذه الطريق.
اعتقال
وبعد أن عاد إلى فلسطين كانت له قوات الاحتلال بالمرصاد دومًا؛ حيث أقدمت السلطات الإسرائيلية على فرض الإقامة الجبرية عليه عام 1979، ومنعه من مغادرة مكان سكنه في نابلس لعدة سنوات ومنعته من السفر خارج الوطن.
كما اعتقلته عام 1990 لمدة عام كامل قضاه في مختلف سجون الاحتلال، وأبعدته عام 1992 إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، مع 415 فلسطينياًّ بتهمة الانتماء لحركة حماس.
وأعاد الاحتلال الإسرائيلي اعتقاله عام 2007 إثر انتخابه عضوًا في المجلس التشريعي عن كتلة التغيير والإصلاح المحسوبة على حماس عام 2006، وذلك ضمن حملة استهدفت غالبية نواب ووزراء ورؤساء البلديات والمجالس المحلية التابعة لقائمة التغيير والإصلاح في الضفة الغربية، حيث لما يزال يقبع إلى الآن قرابة 27 نائبا تشريعيا في سجون الاحتلال.
كما اعتقلته السلطة الفلسطينية لعدة أشهر عام 1998 لمعارضته المفاوضات مع إسرائيل.
إسرائيل الى زوال
وتمتع الشيخ البيتاوى بشجاعة منقطعة النظير وقوة في الحق رافعا شعار "لا أخشى في الحق لومة لائم ففي مرة من المرات أجرى معه صحفي إسرائيلي حوارًا فما كان رد الشيخ عليه إلا قويًّا وحازمًا؛ حيث قال له " بلغ عندكم في إسرائيل أن فلسطين أرض عربية إسلامية من بحرها إلى نهرها كل فلسطين" وعندما سأله الصحفى عن إمكانية عقد هدنة بين حماس واسرائيل قال " اذا تراجعت اسرائيل الى حدود 67 قد نعقد هدنة بيننا وبينكم"، فيرد عليه الصحفي بسؤال إلى متى؟، فيقول له الشيخ بابتسامة انتصار قد تمتد إلى سنوات ولكن تذكر أن إسرائيل لن تبقى عشرات السنين، أنتم أي "إسرائيل" إلى زوال.
وأنهى الشيخ حواره مع الصحفي قائلاً أنتم تخططون الآن إلى عدوان جديد على غزة وأقسم على كتاب الله ستخسرون هذه المعركة وستضرب تل أبيب بصواريخ من إيران يقتل فيها عشرات الآلاف.
ومن أشهر فتاوى الشيخ فتواه بحرمة هجرة الشباب الفلسطيني خارج فلسطين؛ حيث قال: "إن الشباب الذين يهجرون هذا الوطن بلا عذر شرعي وتستدرجهم المخابرات الإسرائيلية والأمريكية وأوروبا فهي هجرة حرام لأنها بلا عذر وتعتبر توليًّا يوم الزحف".
وأصدر الشيخ البيتاوي عدة مؤلفات في حياته منها الدينية وأخرى سياسية، كان أهمها (سلسلة خطب داعية) و(ذكريات الإبعاد في مرج الزهور)، و(ذكرياتي في جماعة الإخوان المسلمين)، و(رجال عرفتهم) و(اليهود)، و(المنافقون في القرآن الكريم) و(انتفاضة الأقصى).
مؤلفاته
من مؤلفاته سلسلة خطب داعية، ذكريات الإبعاد في مرج الزهور، ذكرياتي في جماعة الإخوان المسلمين، رجال عرفتهم، اليهود، والمنافقون في القرآن الكريم، انتفاضة الأقصى، ولا تقربوا الزنى، التدخين حرام، التوبة، مولد النور، التفريق بين الزوجين في الشريعة الإسلامية، وحسب المعمول به في المحاكم الشرعية، في الأردن، وفلسطين، حقوق المرأة في الإسلام، وقد تعرض الشيخ البيتاوي للاعتقال لدى الاحتلال عدة مرات قبل اتفاقية أوسلو، كما اعتقل بعد انتخابه عضوًا في المجلس التشريعي، وأبعد عام 1992 إلى مرج الزهور مع نخبة من قيادات حركة حماس.
تحرشوا به وحاولوا اغتياله قبل وفاته
وقبل وفاته بأسابيع قليلة قام أحد عناصر الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية بمحاولة اغتيال البيتاوي؛ حيث وصف رئيس المجلس التشريعي بالإنابة أحمد بحر الحادث بأنه محاولة اغتيال، مطالبًا الرئيس محمود عباس بتقديم المتورّطين فيه للمحاكمة, واتهم في بيان له من دعاها "مجموعة مجرمة من جهاز الأمن الوقائي في الضفة بالوقوف وراء الحادث".
وقال بحر: "اعتراض مجموعة مسلحة طريق الشيخ حامد البيتاوي بعد عودته من صلاة الظهر وخروجه من المسجد وتوجيه سيل من الشتائم والكلمات النابية والتطاول على الذات الإلهية ومحاولة الاعتداء جسديًّا على النائب الشيخ حامد البيتاوي (65 عامًا)"، وأضاف "قام مسئول المجموعة الإجرامية المدعو نعمان عامر بإخراج مسدسه وإطلاق النار على قدم الشيخ".
كما ذكر نصر نجل الشيخ البيتاوي أنه تم التحرش به وبوالده من قبل أحد الأشخاص بينما كانا خارجين من مسجد الأنبياء وسط السوق الشرقي لمدينة نابلس وأضاف "تم توجيه الشتائم لنا والاعتداء علينا بالضرب، ومن ثم أطلق رصاصة بشكل مباشر علينا ما أدى لإصابة الشيخ في قدمه".