قال المزارع المصري محمود أبو خوخة إن الأراضي الزراعية أصبحت جافة، ولم يعد بإمكانهم التنبؤ بالجفاف، موضحًا أن أسبوعًا واحدًا من الجفاف يمكن أن يدمّر محاصيل عام كامل.
ويرى محمود، مثل مزارعين آحرين، أن إثيوبيا هي المتسببة في ذلك؛ حيث إن لديهم انطباعًا أن السد الكهرومائي الذي تبنيه بدأ بالفعل يؤثّر على إمدادات المياه.
في الواقع، بدأ سد النهضة الإثيوبي هذا الشهر فقط في تخزين المياه، وفق تصريحات مسؤولين من إثيوبيا. لكن، يبدو أن معاناة المزارعين لم تأت بسبب السد الإثيوبي فقط؛ بل أيضًا بسبب التغيّر المناخي واحتياجات السكان.
وما بين خمس سنوات و15 ستستغرقها إثيوبيا لملء الخزان، الذي يصل اتساعه إلى قرابة 1800 متر؛ من المتوقع أن يقل تدفق مياه النيل لمصر بنسبة تصل إلى قرابة 25%.
تقول ماجدة غنيم، أستاذة التنمية الزراعية بجامعة عين شمس، إنه لا يوجد أيّ شخص يخبر المزارعين كيف يمكنهم التكيف مع التغيّر المناخي، إضافة إلى ضغوط بناء السد؛ ما يضع مصر على حافة كارثة يمكن أن تتسبب في نقص الغذاء.
هكذا أصبحت التحديات أمام المزارعين لا تعد ولا تحصى؛ ما بين الأمراض والحشرات، الرطوبة غير المسبوقة، ارتفاع البحار بالمياه الجوفية ذات نسبة أملاح عالية.
وتستهلك مصر من الخمسة ملايين فدان من المحاصيل لديها ما يقرب من 85% من حصة الدولة من مياه النيل، مع إمدادات سنوية وصلت إلى 600 متر مكعب للفرد، ويبدو أن الدولة على أعتاب ندرة المياه، خاصة في ظل تعداد سكاني قارب على مائة مليون شخص؛ لذا فإن المياه أصبحت مسألة حساسة.
رغم ادّعاء إثيوبيا أنها وضعت التغيّر المناخي في اعتبارها أثناء تصميم السد؛ إلا أن الحكومة قامت بكل شيء في التوقيت نفسه، سواء البناء أو التمويل أو إجراء دراسات بشأن تأثير السد على البيئة والمجتمعات، وفق ما قاله الباحث إيمانويل فانتيني، مضيفًا أنه في الوقت الذي ستنتهي فيه هذه الدراسات سنكون أمام أمر واقع باكتمال إنشاء السد.
في 2016، كان إنشاء سد النهضة مستمرًا عندما وافقت حكومات مصر وإثيوبيا والسودان على تعيين باحثين مستقلين للدراسة من شركة استشارات فرنسية.
يلفت إيمانويل إلى أنهم لا يعلمون توقيت الإعلان عن النتائج، مضيفًا أنه يجب الإعلان عنها حتى يتأكد دقتها عن طريق مجتمع العلوم الدولي.
حتى الآن، لا توجد أي محاولات لشرح المخاطر للطوائف التي تقع تحت رحمة المناخ والجغرافيا السياسية. يقول علاء الظواهري، عضو اللجنة الثلاثية التي تدرس تأثير سد النهضة، إننا أمام سيناريوهات؛ لكن لا يوجد شيء مؤكد.
ويضيف أن هناك دراسات تنبأت بزيادة الحرارة وقلة الأمطار، بينما توقّع آخرون زيادة الأمطار؛ بينما يقول خبير المياه ضياء القوسي إنّ الدراسات تؤكّد وجود أمطار كثيفة لمدة الثلاثين عامًا المقبلة، ثم انخفاض كبير في ستين عامًا متتالية.
ويقول ضياء إن هذه النتائج لم تُشارك مع المزارعين؛ لأنهم لن يفهموا نتائج المختصين. بينما رأى علاء الظواهري أن الحكومة تحاول الاختيار الدقيق للبيانات التي يُعلن عنها؛ حيث يمكن أن تسبب الاختيارات السيئة ذعرًا غير ضروري.
يرى أسامة سعد، المزارع المصري بصعيد مصر، أن كثيرين بجانبه رؤوا ضرورة تفجير السد، موضحًا أن القادة السابقين هددوا من قبل باستخدام خيارات عسكرية.
في حين أكد الظواهري أن هناك اختيارات سلمية للرد على أزمة المياه، موضحًا أن الحكومة تنظر إلى التوجه إلى أنظمة ري موفرة للمياه، بجانب تحلية مياه البحار، ويمكن أيضًا استخدام الدورة الملاحية من بحيرة فيكتوريا إلى الشرق الأوسط التي يمكن أن توفر ما يقرب من ثمانية مليارات متر مكعب من المياه لمصر والسودان. يمكن للدولة أيضًا أن تدير السد العالي الموجود في أسوان بشكل أكثر فعالية لتقليل تبخر المياه، مضيفًا أن هذه الخطط يجب تنفيذها بشكل تدريجي.
بينما ظهر ضياء القوسي بشكل أكثر تفاؤلًا؛ حيث قال إنّ المزارع المصري تمكّن من زراعة أرضه لمدة سبعة ألاف سنة حدثت فيها أزمات عديدة، وفي كل مرة كان يتمكن من إيجاد حلول لنقص المياه.
في الوقت ذاته، قالت ماجدة غنيم إن المزارعين لديهم معرفة عاشوا بها لفترة طويلة؛ ولكن هذه المعرفة قلّت الآن، ليست بسبب مشكلة توعية؛ ولكن بسبب عرقلة الحكومة للمعلومات وعرقلة وصولها بشكل واضح للفلاحين.