كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أن الرئيس دونالد ترامب تاجر مع أفراد في الأسرة الحاكمة بالسعودية لمدة 20 عامًا على الأقل، منذ أن باع فندق بلازا لشركة أسَّسها أميرٌ سعودي، لافتة إلى أن ترامب جنى ملايين الدولارات من الإمارات مقابل وضع اسمه على ملعبٍ للجولف، وسيُفتَتَح ملعبٌ آخر قريبًا هناك.
إلّا أنَّه، حسب تقرير «نيويورك تايمز»، لم يدخل السوق المزدهرة في قطر المجاورة قطّ رغم سنواتٍ من المحاولة.
وأكّدت الصحيفة أنه مع اندلاع خلاف بين هؤلاء الحلفاء المهمين للولايات المتحدة، ألقى ترامب ثقله بقوةٍ خلف البلدين اللذين يمتلك فيهما ارتباطاتٍ تجارية، مُثيرًا مخاوف جديدة بشأن التضارب بين منصبه العام والدوافع المالية التي تُحرِّكه.
وقال ترامب إنَّه «يدعم السعودية والإمارات لأنَّ قطر بلدٌ مُموِّل للإرهاب بدرجةٍ كبرى»، لكنَّ موقفه من قطر، التي تستضيف أكبر قاعدة جوية أميركية في المنطقة، جاء مختلفًا بشدةٍ عن مواقف وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين؛ فقد ظلَّ وزيرا الدفاع والخارجية على الحياد، وحثَّا على الوحدة في مواجهة العدو المشترك المُتمثِّل في تنظيم الدولة.
سياسة ترامب وإمبراطورية أعماله
ويُعَدّ ترامب أول رئيسٍ منذ 40 عامًا يُبقي على مصالحه التجارية بعد دخوله البيت الأبيض، ويتعيَّن على كبار المسؤولين الآخرين في السلطة التنفيذية أن يتجرَّدوا من أصولهم التي يمتلكونها. ويقول مُنتقِدون إنَّ قراره المُتفرِّد بالإبقاء على إمبراطورية أعماله تُلقي حتمًا بظلالٍ من الشك على الدوافع التي تُحرِّكه، خصوصًا حينما تأتي تصرُّفاته العامة مُتفقةً مع مصالحه التجارية، وفقا للصحيفة الأميركية.
ونقلت الصحيفة عن براين إيغان، المستشار القانوني السابق بوزارة الخارجية في عهد إدارة أوباما، قوله: «ترى البلدان الأخرى في الشرق الأوسط ما يجري وربما تفكر في أنَّها يجب أن تفتتح ملعب جولف أو أنَّها يجب أن تشتري غرفًا في برج ترامب. وحتى لو لم تكن نوايا الرئيس أو أسرته سيئة؛ فإنَّ وجود رئيسٍ يجني الأموال من أعماله التجارية الموجودة في مناطق حسَّاسة بالعالم سيكون له على الأرجح تأثيرٌ».
واندلعت خلافات بمنطقة الخليج في الخامس من يونيو، حينما قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية والتجارية وأوقفوا حركة التنقُّل مع قطر؛ عقابًا لها على ادعائهم بأنها «تدعم الإرهاب»، وهو ما نفته قطر؛ وأكّدت أنها تواجه حملة «افتراءات» و«أكاذيب» تهدف إلى فرض «الوصاية» على قرارها الوطني.
غير أنَّ باحثين في شؤون المنطقة ودبلوماسيين أميركيين قالوا إنَّ الخلاف يبدو مُتعلِّقًا بصورةٍ كبرى بالتنافس على النفوذ والاستقلالية.
وردّت سفيرة الولايات المتحدة لدى قطر «دانا شل سميث» على هذه المواجهة عن طريق إعادة تغريد بيانٍ من وزارة الخزانة الأميركية يُشيد بقطر لتضييقها على تمويل المُتطرِّفين. وكتبت: «شراكة عظيمة، وتقدُّمٌ حقيقي». (وتركت دانا منصبها بعد أيامٍ قليلة من ذلك؛ في خطوةٍ قالت وزارة الخارجية الأميركية إنَّها كانت مُخطَّطة لها قبل فترةٍ طويلة).
ولفتت الصحيفة إلى أن ترامب أيَّد الحصار بمجرد بدايته. ومنذ أيام، بعد قمة العاصمة السعودية مع قادة دول الخليج كافة، أعلن على تويتر أنَّ زيارته «تؤتي ثمارها بالفعل».
تعاملات مع السعوديين
وأوضحت «نيويورك تايمز» أن تعاملات ترامب مع السعوديين تعود إلى عام 1995 على الأقل، حينما باع فندق بلازا لشركةٍ أسَّسها أميرٌ سعودي ومُستثمرٌ من سنغافورة. ومكَّنت الصفقة، التي بلغت قيمتها 325 مليون دولار، ترامب من الإفلات من التخلُّف عن سداد قروضه. (أُفيد بأنَّ الأمير السعودي نفسه قد اشترى يخت ترامب مقابل 18 مليون دولار قبل ذلك بأربع سنوات).
وفي تجمّع له في أغسطس 2015 بمدينة موبي بولاية ألاباما، قال إنَّ «السعوديين يشترون شققًا مني. إنَّهم يُنفقون 40 مليون دولار و50 مليون دولار. هل يُفترَض بي أن أكرههم؟ إنَّني أحبهم للغاية».
وقدَّمت شركته أوراق عملٍ لإنشاء ثماني شركاتٍ غير نشطة في السعودية في ذلك الوقت، على ما يبدو لأنَّه كان يدرس إقامة فندقٍ أو اتفاقية ترخيصٍ في جدة لم يُكتَب لها النجاح.
وفي زيارته الأولى إلى الخارج، تلقّى الرئيس الأميركي دونالد ترامب السبت 20 مايو استقبالًا حافلًا في المملكة العربية السعودية وحصد عقودًا بلغت قيمتها أكثر من 380 مليار دولار؛ بينها 110 عقود تسلّح تهدف إلى مواجهة «التهديدات الإيرانية».
صفقات مع الإمارات
وعقد ترامب أولى صفقاته في دبي بالإمارات عام 2005 لبناء فندق مع شركة تطوير عقاري مملوكة للدولة، وانسحب بعد ركود عام 2008؛ لكن بحلول 2010 عاد ترامب واثنان من أبنائه (إيفانكا ودونالد) إلى المنطقة للبحث عن أعمالٍ تجارية جديدة.
وارتبط ترامب في 2013 بالمطوّر العقاري حسين سجواني، الذي يُشار إليه أحيانًا بـ«دونالد دبي». ويعتمد كل المُطوِّرين العقاريين الكبار في الإمارات بقوةٍ على حُكَّام البلاد، الذين يمكنهم الموافقة على مشروعاتهم أو منعها.
ووافق ترامب على إدارة ملعب جولف، كجزءٍ من مشروعٍ تنموي تقوم به شركة سجواني «داماك العقارية».
وعلَّق ترامب لافتات إيفانكا ترامب، الموديل السابقة والمديرة التنفيذية لشركته، في مختلف أنحاء المدينة كي يبيع العقارات، وأعلن أنَّه «أعظم مُجمَّع للجولف في آسيا». وفي عام 2014، وافق ترامب على إدارة ملعبٍ ثانٍ مع سجواني.
ووفقًا لاستثمارات إفصاحٍ مالي قُدِّمت في مايو 2016، جنى ترامب من ملعب الجولف ما بين ملياري دولار وعشرة ملايين دولار حتى قبل أن يُفتتحا. وبعد انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، عرض سجواني دفع ملياري دولار إضافيين لترامب لتطوير مزيد من العقارات. ولم ترد شركة سجواني على الرسائل التي بعثت بها الصحيفة.
وحين حضر «سجواني» حفل ليلة رأس السنة التي أقامها ترامب في منتجع مار آلاغو، أشاد ترامب بأسرة سجواني، قائلًا إنَّهم «أناسٌ جيدون». وبعد أسابيع، حضر نجلا ترامب (دونالد وإريك) افتتاح ملعب الجولف الأول في دبي.
وبحث ترامب وابنته إيفانكا عن صفقاتٍ في قطر أيضًا، وافتتحت مؤسسته في نهاية المطاف شركاتٍ غير نشطة هناك. وبعد رحلةٍ قامت بها إيفانكا للدوحة عام 2010 للبحث عن فرص تجارية، أخبرت صحيفة أخبار الخليج «Gulf News» الإماراتية بأنَّ «النمو والتنمية مذهلان ورائعان» في الدوحة.
غير أنَّ عائلة ترامب كانت أقلّ حظًا في الدوحة؛ إذ تمثَّل عملها التجاري الوحيد مع قطر في تأجير مكتب في برج ترامب بمانهاتن لشركة الخطوط الجوية القطرية. وقد غادرته الشركة قبل أن يصبح ترامب رئيسًا.