قالت مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية إن الصراع بين قطر ودول إسلامية أخرى بقيادة السعودية يؤكد أن العلاقات الدولية، خاصة في الشرق الأوسط، تركّز على النموذج القديم للهيمنة والعداء والتحالفات بدلًا من السياسة الخالية من الصراعات وتستند إلى التعاون؛ معتبرة أن روسيا من بين القوى العظمى المستعدة للاندماج مع هذا النظام.
وتضيف الصحيفة أن كل قوى المنطقة تُجري حوارات مع موسكو، مستندة إلى فهم موقف كل طرف، بجانب الصفقات التي يستفاد منها كل الأطراف؛ وليست على أسس أيديولوجية أو تحالفات دائمة.
يتناقض هذا النهج بشكل واضح مع جهود واشنطن للانحياز إلى طرف في المعركة الخليجية الحالية، وتمرُّ أميركا بأزمة في تطبيق نهجها المنحاز لسببين؛ أولًا بسبب التعاون الاقتصادي والعسكري بين قطر والدول الغربية، والآخر بسبب الدور الأميركي في تحديد الوضع في الشرق الأوسط؛ ومن هذا المنظور يجب على الولايات المتحدة أن تتعامل كوسيط في هذه الأزمة.
يبدو أنه من الصعب على واشنطن أن تكون وسيطًا، ومن المحتمل أن يتحدّث المؤرخون في المستقبل عن أن الأزمة بين قطر وجيرانها كانت بداية توقف أميركا عن الوساطة في الشرق الأوسط.
وترى الصحيفة أنه رغم تحسين موسكو موقفها الاستراتيجي في المنطقة في السنوات الأخيرة؛ إلا أنها ليست متحمّسة لتكون القوة المسؤولة عنها مثل بريطانيا وأميركا، ويمكن القول إن هذه المكانة ليس من السهل شغلها.
وتهدف سياسة روسيا في الشرق الأوسط إلى حماية مصالحها القومية، عن طريق التعامل مع أكبر عدد ممكن من القوى الخارجية من دون استثناءات لأسباب أيديولوجية، ويعتبر الانفتاح لتنمية العلاقات سمة مميزة للدبلوماسية الروسية؛ ومن بين الأطراف التي تُجري موسكو حوارات معهم رغم وجود أزمات بينهم الهند وباكستان، كوريتا الشمالية والجنوبية، «إسرائيل» وفلسطين، تركيا والأكراد، إيران والدول السُنّية في الخليج.
وتؤكد الصحيفة أن روسيا تتجنب في تصريحاتها الرسمية اتخاذ أي موقف أيديولوجي حتى لا تقوّض عملها الدبلوماسي؛ ولذا لا ترى أيّ فائدة من اتخاذ موقف معين، مثل المطالبة بالالتزام بالديمقراطية وحقوق الإنسان أو الدعم الدائم لطرف معين؛ لأن السياسة ستجبرها في مرحلة ما على التراجع عن موقفها، أما سياسة أميركا الخارجية فلديها قيود لأسباب أيديولوجية.
بالتالي؛ لا تضع سياسة عليها عبء ضرورة الاختيار بين طرف في الصراع، وتملك موسكو تاريخًا من التعاون مع كل أطراف الأزمة الحالية، ويعلم كل الأطراف أنهم لا يملكون الدعم المطلق من موسكو.
أما بشأن الوضع السوري، فالأزمة هناك كانت السبب في الخلاف بين روسيا وقطر والسعودية؛ ولكن هذه الخلافات تظهر فقط على أرض المعركة وفي المحادثات عن مستقبل الدولة. ورغم دعم السعودية وقطر فصائل مختلفة تقاتل الأسد؛ إلا أنهم يعلمون أنه لا يوجد حلّ للصراع السوري من دون وجود موسكو.
في الوقت نفسه، تضيف الصحيفة أن موسكو وطهران والدوحة يتعاونون في استخدام مواردهم الطبيعية وتصديرها؛ حيث تعاون السعودية روسيا بشأن أسعار البترول، وتستضيف قطر أمانة منتدى الدول المُصدِّرة للغاز الطبيعي، وهي منظمة أنشئت بدعم قويّ من روسيا، بجانب شراء شركة «جلينكور» وصندوق الثروة السيادي القطري 19.5% من شركة البترول الروسية «روسينفت».
لذا؛ من الصعب على روسيا الانحياز إلى أي جانب في أزمة الخليج الحالية؛ حتى لا تخسر مصالحها معهما، بجانب قربها من طهران، وأيًا كانت نتيجة الأزمة؛ فكل الأطراف يجب عليهم التعامل مرة أخرى مع روسيا.
تضيف الصحيفة أن الحلّ العملي للأوضاع في الشرق الأوسط اتّباع نهجٍ قريبٍ من النهج الروسي، ورغم أنه لا يساعد في حل كل أزمات المنطقة؛ إلا أنه سيساعد في بناء نظام إقليمي يسمح بحلّ أسوأ الأزمات.