من جديد، عادت السعودية إلى استغلال «الأرض المقدسة» في علاقتها الدولية؛ فبعد التضييق على القطريين المعتمرين فيها كشفت تقارير دولية عن ضغوط سعودية على دول إفريقية لتقطع العلاقات مع دولة قطر، مستغلّة في ذلك فريضة «الحج».
وأعاد الموقف السعودي الحديث من جديد عن نقل إدارة الحج والعمرة من النظام السعودي وتشكيل لجنة مستقلة للإدارة.
استغلال الحج للضغط على دول إفريقيا
نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرًا للباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية بنجامين أوجي كشف فيه عن وسائل ضغط تستخدمها المملكة العربية السعودية لابتزاز دول إفريقية وإجبارها على مجاراتها في قرارها بقطع العلاقات مع قطر، في ظل إصرار دول على الوقوف في وجه هذه الضغوطات.
وقالت الصحيفة إن «الرياض تقوم بمساعي محمومة لإقناع دول إفريقية بمقاطعة دولة قطر، وقد استسلمت إلى حد الآن سبع دول لهذه الضغوطات؛ فيما لا تزال دول أخرى ترفض الانصياع إلى هذا القرار».
وأوضحت أن السعودية تعتمد طريقتين للضغط على هذه الدول: أولاهما التهديد بقطع مساعدات؛ رغم أنها متواضعة، وفقًا للصحيفة. والأخرى التهديد المبطن بتعقيد إجراءات الحصول على التأشيرة للحج أو العمرة.
كما أوضحت الصحيفة أن دولًا عربية وإفريقية حافظت على حيادها، مثل المغرب والجزائر وتونس والسودان والصومال، ودعت إلى الحوار لحل الأزمة.
ومارست الدول الخليجية المقاطِعة ضغوطًا على دول عربية وإسلامية لدفعها إلى قطع علاقاتها بقطر من أجل عزلها إقليميًا ودوليًا. وقطعت موريتانيا والمالديف وجزر القمر علاقاتها مع قطر؛ بينما تمسكت غالبية الدول بعلاقاتها مع الدوحة ودعت الخليجيين إلى حل أزمتهم عبر الحوار.
دول ترفض ضغوط السعودية
واعتبرت الصحيفة أن وضع نيجيريا يبقى الأكثر خصوصية ولفتًا للانتباه؛ حيث إن عدد المسلمين فيها هو الأعلى في إفريقيا بجانب مصر، وفتح الرئيس السابق غودلاك جوناثان تمثيلية دبلوماسية في الدوحة في 2013، وجمعت بين البلدين علاقات طيبة تحت مظلة الأوبك.
كما أن نيجيريا تجمعها أيضًا علاقات طيبة مع المملكة العربية السعودية، ورئيسها الحالي محمدو بوخاري زار الرياض في فبراير 2016 قبل تحوّله إلى الدوحة. ويُعرف الرئيس بوخاري بأنه لا يخضع إلى الضغوطات الخارجية؛ ففي القمة الأخيرة التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب بزعماء خمسين بلدًا سنيًا اكتفت نيجيريا بإرسال وزراء، رغم أن بقية الدول أرسلت رؤساءها.
وأكدت الصحيفة أن الرئيس النيجيري محمدو بوخاري ونائبه ييمي أوسنباجو يرفضان الخضوع إلى أيّ إملاءات خارجية من السعودية، ولا يريدان أن يجعلا من بلدهما رهينة لرغبات أي بلد أجنبي في الصراعات الدولية، كما أن هنالك خشية في نيجيريا من أن يغذي هذا الصراع الانقسامات الداخلية في البلاد؛ حيث يعتنق جزء هام من الشعب المسيحية، ويرفض اعتبار بلاده دولة مسلمة.
استهداف القطريين
وكشف فيديو تداول بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي منع السلطات السعودية المعتمرين القطريين زيارة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة وأداء مناسك العمرة.
ووثّق مواطن قطري لحظة منعه من الصعود على الطيران العماني بأوامر من السلطات السعودية في جدة، وبيّن أنه تفاجأ بمنع السلطات السعودية له من الذهاب لأداء الشعائر الدينية؛ رغم تأكيدها من قبل أنها لم تمنع المعتمرين.
وقالت السعودية إنها ستلتزم بتوفير كل التسهيلات والخدمات للحجاج والمعتمرين القطريين رغم قطعها العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة.
وقائع أخرى
واستحضر البعض سلوك السلطات السعودية مع أزمة الحجاج الإيرانيين وفرضها شروطًا صعبة عليهم للحج، فضلًا عن منعها دعاة إسلاميين من أداء العمرة.
والعام الماضي، اتهمت مؤسسة الحجِ الإيرانيةِ السعوديةَ بوضع العراقيل ومنع الإيرانيين من أداء فريضة الحج هذا العام؛ وحمّل البيان الصادر عن المؤسسة الإيرانية، المسؤولة عن تنظيم مراسم الحج، الجانب السعودي المسؤولية عن حرمان الإيرانيين من أداء هذه الفريضة الدينية.
وقالت المؤسسة الإيرانية في بيان إن «الإيرانيين سيُحرمون من أداء هذه الفريضة الدينية للعام الجاري بسبب مواصلة الحكومة السعودية وضع العراقيل، بما يحمّلها المسؤولية في هذا الجانب»؛ فيما اعتبر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير المطالب الإيرانية بـ«غير المقبولة».
كما منعت السلطات السعودية العام قبل الماضي الداعية الكويتي طارق سويدان من دخول أراضيها لأداء مناسك العمرة، وقال الداعية إنه مُنع لموقفه مما حدث في مصر وقوله بأنه «انقلاب».
دعوات بنقل إدارة الحج
وأمام استغلال النظام السعودي للمقدسات الدينية الإسلامية في أزمتها السياسية، ظهرت دعوات تطالب بنقل إدارة الحج من النظام السعودي وتشكيل لجنة مستقلة لذلك.
ودعت «منظمة العدل والتنمية الحقوقية» الدول الإسلامية، وعلى راسها إيران وإندونيسيا وباكستان وأفغانستان وتركيا والشيشان ومصر، إلى تشكيل إدارة وهيئة إسلامية لشؤون الحج والعمرة تكون بالانتخاب لإدارة شؤون الحج سنويًا؛ بسبب منع السلطات السعودية الحجاج الإيرانيين من أداء فريضة الحج عام 2016 وبررت ذلك بأن من حق كل الدول الإسلامية المشاركة في تنظيم الحج وإدارته؛ فالكعبة ليست ملكًا للسعودية وحدها أو للسلطات السعودية، بل ملك لكل مسلم في العالم.
وقالت المنظمة إن السعودية فشلت عام 2015 في تأمين الحجاج والحفاظ على حياتهم؛ ما أدى إلى وفاة كثيرين منهم، نتيجة التزاحم، كما فشلت السلطات السعودية في إيقاف الهجمات الإرهابية التي طالت الحرم النبوي، وتفرض شروطًا غير لائقة على الحجاج وتمنع جنسيات إسلامية من أداء هذه الفريضة سنويًا.
وانتقد المتحدث الرسمي للمنظمة، زيدان القنائي، تحكّم السلطات السعودية في إدارة شؤون الحج والعمرة دون غيرها من الدول الإسلامية.