بدأت السعودية في محاولة بسْطِ قوتها على الخليج، بتشجيعٍ من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته التي تبنت رؤية الرياض للمنطقة وسياستها. ظهر هذا في الأزمة الأخيرة مع قطر واتهامها بدعم الإرهاب، خاصة جماعة الإخوان المسلمين و”حماس”؛ وعلى خطى السعودية قطعت دول بالمنطقة علاقتها مع الدوحة.
وفي أعقاب أزمة الدوحة، شهدت إيران هجمات إرهابية على أيدي تنظيم الدولة استهدفت البرلمان الإيراني وضريح روح الله الخميني. ما أثار اهتمام متابعي الوضع هو توقيت الهجمات، الذي جاء بعد تصريحات الأمير محمد بن سلمان التي أكد فيها نيّة السعودية بدء الحرب من داخل إيران، وكذلك تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن إيران سوف تُعاقب على أفعالها الإرهابية.
من المؤكد أن هذه التطورات قوّضت الاستقرار في الخليج العربي وزادت من خطورة نشوب حرب كبرى لن تكون حدودها منطقة الخليج فقط. إذا حدثت هذه الحرب فستتحمل السعودية المسؤولية الرئيسة.
ولا يعد هذا التصرف فريدًا من نوعه بالنسبة إلى السعودية؛ فلأكثر من أربعة عقود كان للرياض تأثير سلبي على التطورات السياسية في دول الخليج العربي، فضلًا عن الاستقرار الإقليمي. كما استمرت في محاولات إحباط نمو الديمقراطية البرلمانية في دول الخليج.
في السبعينيات والثمانينيات، لم تشجع المملكة إنشاء الممارسات البرلمانية، التي كانت ستحوّل البحرين والكويت إلى ممالك دستورية؛ خوفًا من محاولة دول أخرى القيام بذلك.
وكان رد فعل المملكة العربية السعودية المناهض لثورات الربيع العربي متخوفًا أيضًا من انتشارها بين دول المنطقة.
وعن طريق نشرها نسختها من التفسير الوهابي للإسلام، قوّضت السعودية الانسجام الطائفي في دول الخليج؛ فعلى سبيل المثال، حافظت الكويت من قبل على العلاقات الجيدة بين المسلمين السُنة والشيعة في دولتها بسبب سياستها المتوازنة، حيث قدّم الشيعة دعمهم للأسرة الحاكمة بسبب نهجهم المتسامح تجاه قضية الطائفية.
لكن، في السنوات الأخيرة، قوّض التبشير الوهابي الضغط السعودي على السلام الطائفي الكويتي؛ واستغلت الرياض وجود الوهابيين في الكويت للضغط على الدولة واتّباع خطوات المملكة في القضايا الإقليمية، خاصة في الوضع الإيراني.
التسلل أدى إلى تعقيد العلاقات الطائفية في دول مثل مصر والمغرب؛ ما ساهم في مواجهات بين الإسلام الأصلي والنسخة الوهابية السلفية، وأدى أيضًا إلى تزايد حدة التوترات بين المسلمين والمسيحيين.
التعصب السعودي كانت له أوجه ونتائج كثيرة؛ منها التدخل العسكري في دول مثل البحرين وعمان. لا تريد الرياض الاعتراف بأن معظم أزماتها من صنع ذاتي؛ لذا فأزمة قطر الأخيرة نتيجة للعقلية والسلوك السعوديين.
لم يكن الخوفُ الدافعَ الوحيدَ خلف تصرفات السعودية؛ بل كان طموحها ورغبتها في الهيمنة ضمن عوامل كبرى أدت في النهاية إلى تأجيج أزمات المنطقة.
اتّسم تاريخ أسرة آل سعود بالتوسع والغزو. في سبيل تعزيز طموحهم، تقرّبوا بمهارة من القوى العظمى؛ سواء بريطانيا في العشرينيات وحتى الخمسينيات، أو أميركا حتى الآن.
وسَعَت السعودية منذ الستينيات إلى نشر أيديولوجيتها في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، وفي التسعينيات بدأت بفرض هيمنتها على وسط آسيا.
كما اعتبرت السعودية نفسها الشقيق الأكبر لمشايخ دول الخليج، ولم يكن مجلس التعاون الخليجي سوى أداة لإضفاء الشرعية على الهيمنة السعودية على دول الخليج. على مراحل مختلفة، شعرت دول المجلس بالاستياء من الهيمنة السعودية. أبرز هذه الدول كانت الإمارات العربية؛ تحديدًا أبو ظبي.
من المالديف وماليزيا وحتى باكستان وأفغانستان، حوّلت السعودية الخريطة الثقافية لهذه المناطق بشكل سلبي؛ عن طريق نشر تفسيرها للإسلام. تحوّلت النسخة المتسامحة من الإسلام في هذه المناطق إلى نسخة متعصبة تؤثر على جميع جوانب الحياة.
لم يسمع أحد من قبل عن قتل جماعي للشيعة في باكستان وأفغانستان قبل نشر الوهابية السعودية، ولم يُقطع رأس أحد بتهم ازدراء أو ردة. في الوقت نفسه، عزّزت أيديولوجية السعودية من قيادة الحروب بآلاف المسلحين الجهاديين من الشيشان إلى الفلبين.
في أثناء كل هذا، صمت الغرب، وخاصة أميركا، عن أفعال السعودية؛ ربما بسبب الذهب السعودي الذي شتت تركيزهم عن الأنشطة التدميرية للمملكة، أو بسبب محاولة احتواء إيران بعد ثورتها؛ ما أعطى العذر للرياض للاستمرار في أفعالها ونفوذها.
تأمل بعض الدول، خاصة أميركا، أن تتحدث السعودية مع الفلسطينيين وتتوصل إلى حل بين العرب و”إسرائيل”. في هذا الشأن، اعتبر محللون أن زيارة ترامب الأخيرة لإيران كانت متعلقة بـ”إسرائيل” أكثر من أي اعتبار آخر.
لكن، من غير المحتمل أن تتمكن السعودية من الحديث مع الفلسطينيين أو حل أزمة الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة إذا استطاعت أن تقنع أميركا بضرورة حل أزمتهم مع إيران أولًا؛ لإعطائهم حافزًا للتدخل في الأزمة الفلسطينية.
ما يمكن للسعودية القيام به هو التسبب في أزمة بين أميركا وحليفة لها في الخليج العربي، أو سحبها إلى حرب أخرى مدمرة. تريد السعودية والإمارات أن تبدأ أميركا في الهجوم على إيران. إذا حدث ذلك، لن يكفي ذهب السعودية لأميركا لحل الأزمة.
يجب أن يبدأ الغرب في احتواء السعودية، ومراجعة أنفسهم في الحماية التي أعطوها للمملكة. بالطبع لا تكفي أي كمية من الذهب أو البترول في إنهاء الخراب الذي فعلته السعودية.