قالت صحيفة الجارديان البريطانية إن الاتهامات الموجهة إلى قطر لا يمكن القيام بها في وقت واحد، مضيفة أن تباين هذه الادعاءات لا يهم بالنسبة إلى السعودية والإمارات في خطابهما الموجه إلى الغرب، الذي يرى “الإرهاب” محور الصراع في الشرق الأوسط، والجمهور الخليجي الذين يتأهب عندما يتحدث قادتهم عن إيران أو “إسرائيل”.
جاء هذا تعقيبًا على اتهامات السعودية لقطر باستضافة حماس ودعم الإخوان المسلمين ودعم حزب الله وعلاقاتها القريبة مع إيران ومحاولة زعزعة استقرار السعودية، بجانب العلاقات الوثيقة مع “إسرائيل”؛ وهو ما رأته الصحيفة أمرًا شبه مستحيل.
أضافت الصحيفة أن دولًا خليجية وضعت إجراءات لا مثيل لها في وقت السلم؛ منها قطع العلاقات الدبلوماسية، غلق كل الحدود والخطوط البحرية والجوية، منع مواطني الدول المقاطعة من السفر لقطر ومنع المواطنين القطريين من السفر إلى هذه الدول، معتبرة أن هذه القرارات لم تتم حتى في أوقات الحرب؛ ما يعد انتهاكًا لجميع قواعد الطيران الدولي.
وقالت الصحيفة إنه على الرغم من تبرير هذه القرارات بالرغبة في الضغط على قطر لوقف تمويلها للجماعات الإرهابية؛ فإن أهم مطالب لم يُركِّز عليها، بل اهتم بإغلاق شبكة الجزيرة الإعلامية؛ وهو ما سعت إليه الحكومات العربية منذ انطلاقها في 1996.
استطاعت الجزيرة تحويل دور الإعلام العربي من كونه امتدادًا للمخابرات والأمن إلى قطاع مستقل اهتم بالشفافية والمسؤولية والديمقراطية؛ وهذا ما كانت تخشاه معظم الأنظمة العربية.
ولا يخفى على أحد تشابه التهم الموجهة إلى قطر وتلك الموجهة إلى “الجزيرة” من قبل بالتحالف مع حزب الله ودعم الجماعات الإرهابية، بجانب العلاقات الوثيقة مع “إسرائيل”.
في السياق نفسه، قالت الصحيفة إن أهم ما قامت الجزيرة بنقله “ثورات الربيع العربي” في 2011، تلك التي كانت مدفوعة بأحلام جيل جديد ولد في عهد أنظمة ديكتاتورية ولكن تربي في عصر الإنترنت، وتطلعاته، وسعوا إلى تحويل حلمهم إلى حقيقة؛ عن طريق نزولهم الشوارع واستخدام قوة الإنترنت والاستفادة من خبرات الشباب عبر العالم، ولم تحرك هذه الثورات أي أحزاب أو طوائف أو أيديولوجيات.
الخطوة الأصعب
أضافت الصحيفة أن أسهل خطوة كانت إسقاط الأنظمة، ولكن التوصّل إلى توافق آراء وإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية كانت خطوة أكثر صعوبة أمام قوة الثورة المضادة المموّلة من الخليج، ولم يتمكن الشباب من استكمال حلمهم؛ واستطاعت دول الخليج المساهمة في إعادة سيطرة الأنظمة القديمة.
إذا بدأنا التدقيق في التفاصيل، سنجد أن الثلاث دول التي فرضت حصارًا على قطر كانت هي الدول التي دعّمت “الانقلاب العسكري” في مصر وساعدت السيسي في الوصول إلى الحكم، بجانب التمويل والتسليح لخليفة حفتر في ليبيا، وقادت حربًا مفتوحة على القوات التي شاركت في الربيع العربي.
تمكّنت قطر من إبعاد نفسها عن هذه السياسات، وعلى الرغم من أنها ليست ديمقراطية؛ فإنها لم تكن مناهضة للثورات العربية.
رأت الصحيفة أن موقف قطر هو السبب الحقيقي وراء تصعيدات دول الخليج ضدها في 2014، عندما سحبت ثلاث دول سفراءها من الدوحة وهدّدت بغلق الحدود معها، وحينها طالبوا قطر بدعم نظام السيسي ومحاربة الإخوان المسلمين وتقويض استقلال شبكة الجزيرة.
دروس الماضي
اعتبرت الصحيفة أن الأزمة لم تتفاقم حينها بسبب تهاون إدارة أوباما بشأن هذه الصراعات. وعلى العكس، فإن الموقف الحالي يسيطر عليه خصوم قطر؛ ففي تغريدة لترامب للتعقيب على الأزمة، قال إن قرار عزل قطر جاء نتيجة لحواره مع قادة العالم الإسلامي.
في السياق ذاته، شدّدت الصحيفة أن الصراع الحالي لا علاقة له بتمويل الإرهاب، ولا بعلاقة قطر مع إيران؛ بل إنه استمرار للمعركة القديمة، في محاولة للتخلص من أي منصات حرة؛ استعدادًا لإعادة النظام القديم في الشرق الأوسط. ولكن، النظام القديم لديه قوى أمنية أقوى هذه المرة؛ نتيجة “الحرب على الإرهاب” ودعم الرئيس الأميركي الذي دمّر كل القيم الأميركية.
أضافت الصحيفة: “ولكن، هل سنحارب الإرهاب بمزيد من الاضطهاد أم سنتعلم من دروس الماضي؟ الحقيقة أن الأنظمة الفاسدة والديكتاتورية ساهمت في تزايد التطرف في المنطقة. عقود من قمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان أعطت الجماعات الجهادية فرصة للظهور، وبسبب استهانة هذه الأنظمة بدور القانون وتمتعها بدعم أميركا، فإن الشرق الأوسط لا زال في دوامة من الصراعات والاضطراب”.
وتابعت: “لا يجب أن نعيد بناء الشرق الأوسط على الأسس التي أدّت إلى ظهور الإرهاب؛ بل يجب أن نكون في تناسق مع أحلام الشباب. وعلى الرغم من أنها مثالية وغير واقعية؛ فإنها ستساهم في التقدم بدلًا من التراجع”.