أحْدَثَ اختراقُ حسابِ البريدِ الإلكترونيِّ للسفير الإماراتي يوسف العتيبة، الشخصية العربية الأكثر نفوذًا في واشنطن، ضجة كبرى في الأوساط السياسية العربية والأجنبية فقط بمجرد تسريب عدد ضئيل من الرسائل وإرساله إلى وسائل إعلام؛ منها “ذا إنترسبت” و”هاف بوست” و”ديلي بيست”، أما البقية فقد وعد القراصنة بنشرها بشكل مباشر.
السفير الإماراتي يوسف العتيبة معروف بتنظيم احتفالات كبرى وحفلات عشاء فخمة واستضافة شخصيات قوية في رحلات باهظة. وفي سنوات سابقة، أرسل في احتفالات رأس السنة أجهزة لاب توب هدايا للصحفيين وغيرهم من أهل السلطة في واشنطن. ولا يوجد شيء يخبر عن أيّ نوع من الرسائل قد يكون موجودًا في هذا البريد الوارد.
كيفية القرصنة
استخدم المخترقون عنوان البريد الإلكتروني “ru”، المرتبط بروسيا، وأسموا أنفسهم “جلوبال ليكس”، وربطوا أنفسهم بـ”دي سي ليكس”، وهو موقع إلكتروني سبق أن نشر رسائل بريد إلكتروني للجنة الوطنية الديمقراطية.
وقال مجتمع الاستخبارات إن “دي سي ليكس” موقع إلكتروني تديره روسيا؛ ما يعني أن قراصنة “العتيبة” إما مرتبطون بروسيا أو يحاولون إعطاء الانطباع بأنهم كذلك.
وتتنافس روسيا ودول الخليج العربية منذ زمن طويل؛ حيث يدعم كل منهما جانبًا متعارضًا في سوريا، ويتصادمان لعقود بخصوص إيران، وهي دولة عميلة لروسيا وعدو للخليج.
مفاجأة الرسائل
تُظهر الرسائل الإلكترونية المقدمة حتى الآن علاقة متنامية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمؤسسة المؤيدة لـ”إسرائيل”: الدفاع عن الديمقراطيات.
ظاهريًا، يجب أن يكون التحالف مفاجئًا؛ لأن “الإمارات” لا تعترف بـ”إسرائيل” حتى الآن، لكنهما عملتا معًا في الماضي ضد خصمهما المشترك إيران.
وفي العاشر من مارس هذا العام، أرسل الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية “مارك دوبويتز” بريدًا إلكترونيًا إلى سفير الإمارات بالولايات المتحدة يوسف العتيبة، والمستشار الأقدم لقوات الدفاع عن الديمقراطية جون هانا، نائب مستشار الأمن القومي السابق لنائب الرئيس ديك تشيني، بعنوان “قائمة مستهدفة للشركات التي تستثمر في إيران والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية”.
كتب مارك: “عزيزي السيد السفير، المذكرة المرفقة تُفصّل الشركات المدرجة على حسب الدول التي تتعامل مع إيران ولها أيضًا أعمال مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. هذه قائمة مستهدفة لتخيير هذه الشركات، كما تناقشنا”.
تتضمّن مذكرة مارك المرفقة قائمة طويلة من الشركات التي تعمل في المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة غير الأميركية وتتطلع إلى الاستثمار في إيران.
تضم القائمة شركات دولية كبرى؛ بما فيها “إيرباص” الفرنسية و”لوكويل” الروسية.
من المفترض أن تُحدَّد الشركات بحيث يمكن للإمارات والسعودية الضغط عليها للاستثمار في إيران، التي تشهد توسعًا في الاستثمار الأجنبي بعد الاتفاق النووي عام 2015.
ازدادت العلاقات بين “إسرائيل” ودول الخليج في السنوات الأخيرة؛ حيث يخشى الجانبان من اقتراب إيران من التطبيع مع الغرب، وبالتالي تزايد نفوذها وقوتها في المنطقة. لكن قبول التحالف بين الاثنين لا يزال نادرًا في العلن.
قال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى يناقش العلاقة على خلفية ملف سابق لـ”هاف بوست” عن العتيبة إن “إسرائيل والعرب يقفان معًا في النهاية؛ لأن الأمر يتعدى السياسة والأيديولوجية. عندما تقف إسرائيل والدول العربية معًا فإنهما أقوياء”.
تُظهر رسائل البريد الإلكتروني المُستولى عليها مستوى ملحوظًا من التعاون السري بين مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، التي يمولها الملياردير الموالي لـ”إسرائيل” شيلدون أديلسون، حليف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يُعد من أكبر المانحين السياسيين في الولايات المتحدة، ومؤسسة خليجية.
غالبًا ما يكون هانا وعتيبة ودودين في التبادلات. في 16 أغسطس من العام الماضي أرسل هانا لعتيبة مقالًا يزعم أن الإمارات العربية المتحدة وقوات الدفاع عن الديمقراطية هما المسؤولان عن الانقلاب العسكري القصير في تركيا. “يشرفنا أننا في شركتك”، كما كتب هانا إلى العتيبة.
في رسالة إلكترونية أخرى أواخر أبريل من هذا العام، اشتكى هانا للعتيبة من أن قطر -وهي حكومة خليجية منافسة اشتبكت مع الإمارات في الأشهر الأخيرة بشأن قضايا مختلفة- تستضيف اجتماعًا لحماس في فندق مملوك للدولة. يجيب العتيبة أنه ليس خطأ الحكومة الإماراتية، وأن القضية الحقيقية هي القاعدة العسكرية الأميركية في قطر: “كيف هذا؟ حرّك أنت القاعدة ثم سنقوم بنقل الفندق”.
وتناولت رسائل البريد الإلكتروني بالتفصيل جدول الأعمال المقترح لاجتماع قادم بين قوات “الدفاع عن الديمقراطية” والمسؤولين الحكوميين الإماراتيين، مقرر عقده في الفترة من 11 إلى 14 يونيو الجاري، وأُدرِج “دوبويتز” و”هانا” ضمن الحضور، وكذلك جوناثان شانزر، نائب الرئيس الدفاع عن الديمقراطية للأبحاث.
من بين المسؤولين الإماراتيين الذين طلبوا لقاء الشيخ محمد بن زايد كان ولي العهد، الذي يقود القوات المسلحة.
ويتضمن جدول الأعمال مناقشة مستفيضة بين البلدين بشأن قطر، من المقرر أن يناقشوا -على سبيل المثال- “الجزيرة كأداة للاضطراب الإقليمي”. (مقر الجزيرة في قطر).
هناك أيضًا “مناقشة لسياسات أميركا والإمارات المحتملة للتأثير إيجابيًا على الوضع الداخلي الإيراني”. من بين هذه السياسات “أدوات سياسية واقتصادية وعسكرية واستخباراتية وإلكترونية” تُثار أيضًا كردٍ محتمل على “احتواء العدوان الإيراني وهزيمته”.
شاركت قوات “الدفاع عن الديمقراطية” في تشكيل نقاش بشأن السياسة في الشرق الأوسط أثناء إدارة ترامب؛لذلك من المرجح أن تُعتبر الإمارات قناة هامة للضغط على ترامب لتبني خطها الأكثر تشددًا نحو إيران. نقلت الصحيفة عن ديفيد فاينبرج، أحد كبار زملائه في المنظمة، قوله إن الإمارات “غريبة” بشأن نهج إدارة ترامب للمنطقة.
أضاف: “إنهم يبحثون عن بعض الوقت لشريك أميركي للدفع ضد إيران، ويبحثون عن أميركا لتحويل البلاغة إلى عمل”.
كما طوّر يوسف العتيبة علاقة وثيقة مع رئيس الجمهورية ترامب والمستشار جاريد كوشنر. اجتمع الأولان في يونيو الماضي بناءً على طلب من توماس باراك، مستثمر ملياردير وداعم لترامب. وصفت مقالة “بوليتيكو” في فبراير الماضي جاريد بأنه “في اتصال مستمر تقريبًا عبر الهاتف والبريد الإلكتروني” مع السفير.
أيًا كان جدول أعمال الإمارات العربية المتحدة، فهي لا تعزز الديمقراطية. ومما ورد في ملفها الشخصي السابق:
“بينما انتشرت الاحتجاجات في مصر، دفع العتيبة البيت الأبيض إلى دعم مبارك؛ لكن دون نجاح. بعد أن وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة في انتخابات ديمقراطية، ملأ صندوق بريد فيل جوردون، مستشار البيت الأبيض في الشرق الأوسط، بتسجيلات صوتية تُخرّب جماعة الإخوان وداعميها في قطر. (رفض جوردون التعليق).
يقول مساعد البيت الأبيض السابق: “إنه شخص يريد إرسال رسائل البريد الإلكتروني. يمكنك أن تتأكد عندما يكون لدى يوسف ما يقوله عن موضوع من هذا القبيل؛ فالناس رفيعو المستوى في وزارة الخارجية وفي البيت الأبيض سوف يسمعون ذلك، في رسائل بريد إلكتروني مماثلة تمامًا إن لم تكن متطابقة“.
نحن الآن نكوّن فكرة عما تبدو عليه هذه الرسائل الإلكترونية. في رسالة أرسلها في 3 يوليو 2013، بعد فترة وجيزة من إقصاء الجيش المصري الرئيس المُنتخب محمد مرسي (من الإخوان المسلمين)، ضغط العتيبة على مسؤولين سابقين في إدارة بوش، وهم ستيفن هادلي ويوشوا بولتن؛ لتبني وجهة نظره بشأن مصر والربيع العربي الأوسع.
“بلدان مثل الأردن والإمارات العربية المتحدة هي (آخر الرجال الذي يقفون في المعسكر المعتدل)”، كما قال العتيبة، مضيفًا أن “الربيع العربي زاد من التطرف على حساب الاعتدال والتسامح”، وأعرب عن أسفه لذلك.
كما وصف الإطاحة بمرسي بعبارات مُبهجة: “تشهد مصر اليوم ثورة ثانية. هناك مزيد من الناس في الشوارع اليوم مثل يناير 2011. هذا ليس انقلابًا، هذه الثورة الثانية. الانقلاب هو عندما يفرض الجيش إرادته على الناس بالقوة. اليوم، يستجيب الجيش لرغبات الناس“.
وها هي مصر أصبحت اليوم ديكتاتورية افتراضية وحليفًا وثيقًا للولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة.