في الوقت الذي تعاني فيه السوق الإعلانية بمصر من ركود، بسبب الاضطرابين السياسي والاقتصادي، خاضت شركات الإنتاج بالتعاون مع الفضائيات سباق دراما رمضان بميزانية تخطت ثلاثة مليارات جنيه ونصف؛ ما يعني أنها تساوي دعم الخبز والتموين للمصريين شهرًا كاملًا، بالنظر إلى إجمالي تكلفتها في الموازنة سنويًا بـ45 مليار جنيه.
ومن حيث المسلسلات والبرامج المختلفة، تعاقدت شركات الإنتاج مع ممثلين بميزانيات ضخمة تصل إلى ملياري جنيه. وفي المقابل، أكد خبراء إعلام واقتصاد أن السوق الإعلانية في أفضل حالاتها لن تزيد إيراداتها على مليار جنيه؛ وبذلك سيتكبّد المنتجون وأصحاب القنوات الفضائية والوكالات الإعلانية خسائر فادحة، في ظل انخفاض أسعار المسلسلات عربيًا ووجود منافسة شرسة مع سوريا والخليج وتركيا والهند.
وبحسب تقارير صحفية، تخطت تكلفة ميزانية مسلسلات رمضان 2017 قيمة المليارين، وسوق الدراما المصرية يحدده طلب المحطات الفضائية المصرية والعربية، وقيمة بطل العمل أو بطلته وثقله؛ وبنظرة سريعة نجد ظهور فنانين جدد في قائمة “الأعلى سعرًا”.
عادل إمام “وحش الأجور”
يعد مسلسل “عفاريت عدلي علام” الأعلى من حيث التكلفة الإنتاجية لهذا العام، بطولة عادل إمام؛ حيث يصل مجموع الإنفاق على الديكورات وأجور الفنانين والعاملين فيه إلى 120 مليون جنيه.
فيما تصل ميزانية مسلسل “الحصان الأسود”، بطولة أحمد السقا، إلى 80 مليونًا؛ شاملة كل المصروفات وأجور الممثلين.
ثالث أعلى تكلفة إنتاجية في السباق الدرامي مسلسل “الزيبق”، بطولة كريم عبدالعزيز، بتكلفة إنتاجية تصل إلى 70 مليون جنيه؛ وحصلت اللبنانية كارمن لبس على أجرها بالدولار، كما تُصرف مبالغ كبرى من الميزانية على حجز أماكن تصوير متنوعة خارج مصر (منها اليونان وفيينا).
ووصلت التكلفة الإنتاجية لمسلسل “أرض جو”، بطولة غادة عبدالرازق، إلى 70 مليون جنيه؛ تشمل إيجار الطائرات التي يُصوّر داخلها وبناء ديكور على هيئة طائرة لتصور فيها المشاهد الداخلية. كما تصل ميزانية مسلسل “اللهم إني صائم”، بطولة مصطفى شعبان، إلى 80 مليون جنيه؛ تشمل السفر إلى دول أوروبية والتصوير الخارجي والديكورات وأجور النجوم.
أما مسلسل “لأعلى سعر”، بطولة نيللي كريم، وصلت ميزانيته 65 مليون جنيه. وتكلف مسلسل “الحلال”، بطولة سمية الخشاب، 60 مليون جنيه. ورصدت الشركة المنتجة لمسلسل “كفر دلهاب”، بطولة يوسف الشريف، ميزانية تصل إلى 40 مليون جنيه؛ منها تكلفة بناء الديكورات 3D، التي تصل وحدها إلى عشرة ملايين جنيه. كما رُصدت 40 مليون جنيه لمسلسل “عشم إبليس”، بطولة عمرو يوسف، وهي الميزانية نفسها التي رصدتها الشركة المنتجة لمسلسل “بين عالمين” من بطولة طارق لطفي.
كما يأتي مسلسل “الحالة ج” ضمن الأعمال التي رُصدت لها ميزانية ضخمة، وصلت إلى 55 مليون جنيه، والعمل بطولة حورية فرغلي وأحمد زاهر. وتخطت ميزانية مسلسل “الطوفان” هذا الرقم؛ حيث تصل إلى 56 مليون جنيه، بطولة دينا. ورصدت الشركة المنتجة لمسلسل “واحة الغروب” ميزانية 60 مليون جنيه، وتقوم ببطولته منة شلبي. فيما تصل ميزانية مسلسل “الضايعين”، بطولة دنيا سمير غانم، إلى 65 مليون جنيه؛ بسبب تكاليف التصوير الخارجي في أوروبا، ويتساوى معه في الميزانية نفسه مسلسل “حلاوة الدنيا”، بطولة هند صبري.
ورصدت الشركة المنتجة لمسلسل “خلصانة بشياكة”، بطولة أحمد مكي، مبلغ 52 مليون جنيه. ووصلت ميزانية “لمعي القط” إلى 50 مليون جنيه، ومعهما مسلسل “ريح المدام” بطولة أكرم حسني.
لارتفاع الدولار
من جانبه، قال المنتج صفوت غطاس في تصريحات صحفية إن ارتفاع سعر الدولار الفترة السابقة أثّر بدرجة كبيرة على تكلفة إنتاج معظم المسلسلات وأجور النجوم، موضحًا أن “عديدًا من النجوم رفعوا أجورهم، وليس النجم بطل العمل فقط؛ وإنما المخرج ومساعده ومدير التصوير أصبحوا يرون أنفسهم نجومًا للعمل أيضًا، وتسبب ذلك في زيادة تكلفة المسلسل؛ وبالتالي لم يستطع كثير من المنتجين استكمال تصوير مسلسلاتهم، فتوقفوا وأعلنوا خروجهم من السباق الرمضاني 2017”.
وأضاف أن الأزمة تكمن في عدم قدرة المنتجين على تحصيل أموال من القنوات الفضائية يستطيعون منها الإنفاق على مسلسلاتهم لاستكمال تصويرها؛ وذلك كله بسبب ارتفاع أسعار الدولار في السوق، وبالتالي زيادة أسعار كل شيء في مصر حاليًا؛ وهو ما يؤدي إلى إحجام كثير من المعلنين عن القنوات الفضائية، ومن ثم لا يدفع أصحاب هذه القنوات أموالًا لمنتجي الأعمال الدرامية.
خسارة أكيدة
وقال الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام السياسي والرأي العام بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن التكلفة تتخطى بالفعل ثلاثة مليارات؛ فالأجور وحدها استولت على الثلث من الإنتاج، وأرى أن الإعلانات لن ولم تتمكن من الاقتراب من ثلثي التكلفة؛ ما يعني أن الخسارة أكيدة، لكن المنتجين ينظرون إلى المكسب البعيد؛ عن طريق التوزيع خارج مصر، لكن هناك مسلسلات تركية وعربية أصبحت تتفوق على المصرية بكثير؛ فبعيدًا عن أجور الفنانين، هناك أسعار المعدات التي تضاعف سعرها، فهناك كاميرات تراوح سعرها بين مليونين وخمسة ملايين في العام الماضي.
وأضاف، في تصريح لـ”رصد”، أن هذه الزيادة لم تؤثر على القنوات العربية الكبرى، مثل “إم بي سي” التي تنتج مسلسلاتها بنفسها من ميزانية معينة لها؛ لكن في الوقت نفسه ستكون هناك مشكلة كبرى للشركات المحلية، حتى لو رفعت الأجور بنسبة معينة، بالإضافة إلى ارتفاع سعر المواد الخام أيضًا التي تستخدمها هذه الشركات.
وقال صفوت العالم إن لدينا مشكلة غير موجودة في العالم بأكمله تتعلق بأجور الممثلين؛ فالممثل لو حقّق نجاحًا في مسلسله يرفع أجره في العمل الجديد، وكذلك لو فشل مسلسله يرفع أجره أيضًا، الأهم وجود شركات الإعلانات التي تسوّق أعماله بصرف النظر عن قيمة العمل الفني؛ والدليل مسلسل عادل إمام منذ عامين “أستاذ ورئيس قسم” لم يحقق النجاحين النقدي والفني بشكل كبير، ورغم ذلك رفع أجره في العام السابق بحجة أنه حقق نسبة إعلانات كبرى، وغير مفهوم الأمر حتى الآن.