رغبت إيران في السنوات الماضية أن توسّع نفوذها في الشرق الأوسط بعد دخول دول بالمنطقة في حلقة مستمرة من فراغ السلطة. وحتى وقت قريب، كان يتضح سير طهران تجاه تحقيق هدفها. ولكن في السنتين الماضيتين، وعلى الرغم من استثماراتها الضخمة؛ خسرت معاركها ونفوذها.
ويبدو أن آمال الإيرانين جاءت بسبب فراغ السلطة الناشئ في الشرق الأوسط. وبعد تفكك الدولة السوفيتية، بدأت روسيا في الانسحاب من الشرق الأوسط، ولم يكن هناك أي مؤشرات على عودتها. أما أميركا في عهد أوباما فخذلت حلفاءها العرب ووقعت الاتفاقية النووية مع إيران، التي تسببت في تقليل الضغوط الاقتصادية من عليها. وبينما تجاهل العالم الشرق الأوسط، بدأ داعش في الظهور؛ ما أدى إلى تجمع الأعداء ضده؛ ونتيجة لذلك عادت إيران وحلفاؤها كشركاء في المعركة ضد “داعش”.
وتزامن غياب قوى العالم مع تزايد الفوضى في دولتين هامتين لإيران، وهما العراق وسوريا. وبعد تدمير أميركا لنظام صدام حسين وترك العراق، كانت أبواب الحكومة مفتوحة للشيعة العراقيين؛ وحاولت إيران استخدام نفوذها هناك. وفي الوقت ذاته، قوّضت التظاهرات العربية نظام بشار الأسد السوري ودخلت إيران المعروفة بدعمها لنظام الأسد في الصراع.
وأدت الفوضى في سوريا والعراق وغياب القوى العالمية عن المشهد في الدولتين إلى خلق تحدٍّ لإيران لإنشاء نظام جديد في الشرق الأوسط يخدم مصالحها ويعكس طموحاتها ويطور قوتها ونفوذها. ولكن، فشلت طهران؛ والآن يتدهور وضعها.
واتضح أول ملامح الفشل في العراق منذ سنتين؛ فبعد صعود حيدر العبادي إلى السلطة بدأ تقويض النفوذ الإيراني وعمل على ظهور عدوّتها أميركا. وبدأ القائد المعارض “مقتدى الصدر” يفعل كل ما تطلبه منه إيران في معارضتها. وهكذا رفض هذان القائدان خدمة مصالح إيران؛ وكنتيجة لتصاعد قوتهما عانت إيران في بسط نفوذها.
إلا أن الوضع في سوريا يعتبر أسوأ. فمنذ سنة ونصف عاد الروسيون إلى الشرق الأوسط بدعوة من سوريا، واتضح بعدها للسياسيين الخبراء في شؤون المنطقة أن موسكو لن تخرج في أي وقت قريب. وكان دخول سوريا خطوة حاسمة في خطة الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين لاستعادة وضع دولته كقوة عالمية. ومن أجل استعادة قوة بلاده يجب على بوتين الحفاظ على علاقات جيدة مع دول بالمنطقة؛ منهم مصر وتركيا والسعودية و”إسرائيل” وغيرهم.
إضافة إلى ذلك، يجب على موسكو الحفاظ على قنوات الحوار. بمعنى آخر، يجب عليها الوصول إلى حل وسط بشأن سوريا يقلل من سلطة بشار أو يدمره، بجانب تدمير القوة التي يحصل عليها من داعميه الإيرانيين. وسيتحدد قريبًا النظام الجديد الذي سيُنشأ في سوريا بعد تدمير داعش.
ومن التعقيدات الأخرى التي تواجهها خطة إيران في التوسع عودة أميركا المحتملة إلى دورها القديم، وهي حليفة للعرب وعدوة لإيران؛ وستؤدي سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تقليل توسّع إيران بشكل أكبر.
ومن المتوقع أن يضعف وجود “داعش”، الذي فرض الفوضى على المنطقة في الماضي، وبجانب عودة قوة العالم لصراع الشرق الأوسط؛ فمن شأن ذلك أن يعيد الوضع السياسي إلى ما كان عليه من قبل. وفي هذا الوضع، تملك إيران كثيرًا من الأعداء وقليلًا من الشركاء؛ وإذا سار الوضع في هذا الاتجاه فإن عهد توسع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط سينتهي.