خلال سنوات الصراع السوري، صوّر الإعلام الغربي المتمردين ضد نظام الأسد “إرهابيين وجهاديين”، ورفضوا الانحياز إليهم بناء على تخويف الأسد لهم من الإسلاميين.
ونشر موقع “ميدل إيست آي” مقالًا للكاتب “سي جي ويرليمان” ناقش فيه الأزمة السورية منذ بدايتها واتهام المعارضة بالإرهاب، ووجّه تساؤلًا عن موقف الغرب إذا كانت هذه المعارضة تتكون من جماعات مسيحية.
وإلى نص المقال:
فشل الغرب في إيجاد طرف جيد للتفاوض معه بين نظام الأسد، الذي ارتكب جرائم حرب، والمتمردين الذين يقودهم إرهابيون؛ ونجح الأسد في إقناع الغرب برؤية الحرب من هذا المنظور، وعلم الرئيس السوري منذ اللحظة التي اختار فيها التعذيب والسجن وقمع الشعب بدلًا من الاستماع إلى مطالبه المشروعة أن الغرب سيتدخل؛ خاصة وأن القانون الدولي يتيح للمجتمع الدولي التدخل لوقف الدول السيادية من ارتكاب عنف جماعي ضد المواطنين.
ولذا؛ حاول الأسد تخويف التدخل الذي قاده الغرب من المعارضة، في الوقت الذي واصل فيه قتل شعبه؛ حيث قتل أثناء الحرب أكثر من نصف مليون من كل الأطراف.
وعلم الأسد أن أفضل وسيلة لتشويه صورة المعارضة هي وضع جملة تتكون من “جهاديين” و”الأصولية الإسلامية” و”إرهابيين”. ولسنوات، شاهد الأسد البروباجندا الإسرائيلية وتقويضها للإدانة الغربية للفظائع التي ترتكبها “إسرائيل” في غزة عن طريق خلط المقاومة مع “الإسلام المتطرف”.
وشاهد الأسد أيضًا رد الفعل الغربي السلبي حيال إطاحة عبدالفتاح السيسي بنظام الإخوان المسلمين المنتخب، ثم ذبح مئات المعارضين السياسيين.
ولكن، أثبتت التغطية الإعلامية للثورة السورية منذ بدايتها للجمهور الغربي أن الاحتجاجات على نطاق الدولة ضد الأسد كانت علمانية وغير طائفية. وعلى الرغم من هذه الحقيقة، وحقيقة أن المتظاهرين وقتها لم يطالبوا بتغيير النظام؛ فإن الأسد صوّر التظاهرات السلمية على أنها مؤامرة إرهابية إسلامية ضده، وصدّقه الغرب في ذلك.
وبعد سنتين من التحقيقات في الثورة، اتضح أن الأسد أفرغ سجونه من القاعدة والمليشيات الإسلامية من أجل تشويه سمعة الثورة في عقول الغرب والجمهور المحلي. وعندما أظهرت وسائل الإعلام وصول الأسلحة الأميركية لأيدي الجماعات الإسلامية فَقَدَ الغرب أي رغبة سياسية أو قدرة على جلب الإغاثات للشعب السوري.
وفي عقول الغرب، لا يمكن أن يكون النظام العلماني شريرًا إذا كان البديل له جماعات إسلامية؛ على الرغم من ارتكاب الأولى جرائم حرب.
وأدى هذ التفكير إلى تقييد التدخل الغربي في سوريا؛ ما أتاح الفرصة للأسد لقتل عشرات الآلاف من شعبه وتحوّلِ خمسة ملايين منهم إلى لاجئين، بجانب تشريد ستة ملايين في الداخل.
ولكن، ماذا إذا كانت المقاومة من مسيحيين؟ هل سيشعر الغرب بالتقييد نفسه في الوقت الذي تعطي فيه أميركا أسلحتها للجماعات الأصولية المسيحية؟ هل كان الغرب سيتقبل فكرة تصنيف هذه الجماعات منظمات إرهابية؟ وكيف سترى الدول الغربية المسيحيين الذين سافروا إلى سوريا للدفاع عن السوريين من تفجيرات الأسد؟ بالطبع كانوا سيرونهم أبطالًا.
ولكن، لا تعتبر سوريا دولة ذات أغلبية مسيحية ليقودوا المقاومة، بل هي أغلبية مسلمة؛ ومن ثم من الطبيعي أن يقود المعارضة المسلمون. ولذا؛ بدلًا من اعتبارهم أبطالًا، نرى المسلمين الذين يسافرون إلى سوريا لقتال الأسد إرهابيين، ونجردهم من حقوقهم المشروعة؛ وفي بعض الأحيان من جنسياتهم. حتى المسلمين الذين سافروا إلى سوريا للعمل في وكالات للمساعدة اتهموا بالانضمام إلى الإرهابيين.
وعندما يبدأ الشخص في استبدال المسلمين بالمسيحيين يصبح التعاطف معهم أقل صعوبة، وبالطبع فإن الأسد الشخص الشرير في هذا الصراع. أما عن الطرف الآخر، جاءت المصادفة أنهم مسلمون، وهي الديانة التي يجد الغرب صعوبة في التعامل معها.
وحينما يبدأ الشخص في الدفاع عن المعارضة، تُرسل إليه فيديوهات لمتمردين جهاديين وهم يقطعون رأس طفل، أو فيديوهات أخرى للفظائع التي يرتكبها بعض الأشخاص أو بعض الجماعات وسط المتمردين؛ ولكن من الطبيعي في بيئة تنتشر فيها الحرب أن تظهر مجموعة من الأشخاص الإرهابيين ليقودوا جماعات ويرتكبوا مجازر.
وما يفعله داعش وتعطشه للدماء لا يعتبر رمزًا للجهاد، ولا يقلده في ذلك معظم الجماعات الإسلامية الموجودة وسط المتمردين.
ولكن، لا يعني ذلك أن يقترح أحدهم عقد تحالفات بين أميركا وحلفائها وبين الجماعات التابعة للقاعدة أو غيرها، وسواء أحببنا ذلك أم لا؛ إن أردنا وقف القتل في سوريا ووقف أزمة اللاجئين ووضع حد لتزايد الجماعات مثل داعش والقاعدة هناك شيء يجب تقبّله ولا يمكن تجنّبه، وهو مشاركة الجماعات الإسلامية في تشكيل مستقبل سوريا.
فإذا تقبّلنا ذلك وتقبلنا تشابه الأصولية المسيحية مع الأصولية الإسلامية أو أي جماعات سياسية أخرى مهمشة تظهر في الغرب، حينها ستظهر حلول وخيارات لإنهاء الأزمة المشتعلة.
وإذا أردنا إيجاد حلول حقيقية لإنهاء الصراع، يجب علينا أولًا عدم تصديق أحاديث الأسد عن المعارضة، ولا يعتبر ذلك خيارًا ما بين دعم الأسد أو الإرهابيين؛ ولكنه خيار بين الحرب الدائمة والسعي إلى السلام.