في ظلِّ الصراع بين مؤسسة الأزهر ونظام عبدالفتاح السيسي، تفوّق شيخ الأزهر على النظام في أكثر من مواجهة خاضها معه، واستطاع أن يكسب التعاطف الشعبي والدعم العالمي؛ على الرغم من الحملة القوية التي يشنّها إعلام النظام على شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء المسلمين.
وفيما يلي أبرز المواجهات التي خاضها الأزهر ضد مؤسسة الرئاسة واستطاع أن يخرج منها منتصرًا:
1- هيئة كبار العلماء
تعتبر مواجهة شيخ الأزهر أمام مؤسسة الرئاسة لإقالة هيئة كبار العلماء الأولى، ونجح شيخ الأزهر في الحفاظ على الهيكل العام لهيئة كبار العلماء دون إحداث أي تغييرات فيها، في ظل ضغط مؤسسات الدولة لتغييرها والتخلص من المعارضين بها.
ورفض الشيخ أحمد الطيب إحداث أيّ تعديلات على هيئة كبار العلماء رغم هجوم الإعلام عليها؛ حيث تضم معارضين للنظام هاجموه في أكثر من مناسبة حتى الآن.
2- معركة النواب
رغم الدعم السياسي والإعلامي الذي حصل عليه النائب محمد أبو حامد من أجل تمرير قانون الأزهر الذي يسعى من خلاله لإقالة شيخ الأزهر، عن طريق وضع لوائح جديدة لاختياره؛ إلا أن شيخ الأزهر نجح في إدارة هذه المواجهة واستطاع أن يوقف القانون.
وبحسب مراقبين، أصبح مشروع “أبو حامد” في مهَبّ الريح بعدما تقدَّم خمسة نواب بطلبات لأمانة البرلمان لسحب توقيعاتهم من مشروع القانون حال تقديمه للبرلمان، وتأكيد نواب آخرين أنهم خُدعوا في فهم مضمون القانون ولم يكونوا على دراية بأنه يمسّ شيخ الأزهر بشكل مباشر.
3- مواجهة القضاء
انتصر شيخ الأزهر في مواجهة القضاء، بعدما رفضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة دعوى قضائية حملت رقم 2843 لسنة 66 قضائية تُلزم رئيس الوزراء بإعفاء شيخ الأزهر من منصبه.
واستند مُقيم الدعوى إلى أن الدكتور أحمد الطيب عُيّن شيخًا للأزهر بقرار رئيس الجمهورية رقم 62 لسنة 2010، وبعد ثورة 25 يناير أصدر شيخ الأزهر “وثيقة الأزهر” وتضمّنت مبادئ تخالف أحكام الشريعة الإسلامية.
إلا أن محكمة القضاء الإداري رفضت هذه الدعوى، مُؤكّدة أنها أقيمت بعد قرار تعيين شيخ الأزهر وليست في الميعاد القانوني (خلال 60 يومًا من إصدار الوثيقة).
4- الطلاق الشفهي
في احتفالات عيد الشرطة الأخيرة، ولسبب ما، حاول عبدالفتاح السيسي أن يقتنص من شيخ الأزهر فتوى شرعية بمنع الاعتراف بـ”الطلاق الشفهي” في معرض حديثه عن الإحصاءات المرتفعة للطلاق في مصر، وقال السيسي: “هل نحن يا فضيلة الإمام بحاجة إلى قانون ينظم الطلاق بدل الطلاق الشفوي، لكى يكون أمام المأذون؛ حتى نعطي للناس فرصة لتراجع نفسها ونحمي الأمة بدل تحولها لأطفال في الشوارع بسلوكيات غير منضبطة؟ ولا إيه يا فضيلة الإمام؟! تعبتني يا فضيلة الإمام!”.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يعاتب فيها السيسي شيخ الأزهر بشكل معلن، لكن ردَّ الشيخ هذه المرة تأخّر لأيام؛ لتصدر هيئة كبار العلماء -التي يترأسها- بيانًا رافضًا لاقتراح السيسي، بعد اجتماع طارئ بعنوان “بيان للناس من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف” بصيغة غير معتادة تدل على أهمية الأمر.
رَفَضَ بيان الهيئة دعوة السيسي، ورفض إقرار وقوع الطلاق الشفهي، وسَرَدَ البيان المسائل الشرعية لتأييد رأيه، ولم يكتف بذلك فقط؛ لكنه اختتم بعبارات غاية في القوة وموجهة على ما يبدو إلى السيسي قائلًا: “على مَن يتساهلون في فتاوى الطلاق… أن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم”.
5- مؤتمر السلام
وجّه شيخ الأزهر ضربة قوية لعبدالفتاح السيسي بعقده “مؤتمر الأزهر العالمي للسلام”، بعدما رفض السيسي حضوره؛ ولكن حضره بابا الفاتيكان وممثلون لأغلب دول العالم.
وحرص “الطيب” على تبديد كل الاتهامات التي تُلاحِق الأزهر والإسلام بالتطرف والإرهاب، والظهور بالشكل الملائم لمنصب شيخ الأزهر ومكانته العالمية.
ذكاء شيخ الأزهر جعله يختار توقيت ختام فعاليات المؤتمر في حضور بابا الفاتيكان إلى القاهرة؛ ليظهر الرجلان وكأنهما الأبوان الروحيان للمسلمين والمسيحيين في العالم.
وخلال الجلسة الختامية للمؤتمر، التي عُقدت عصر الجمعة، حرص الطيب على أن يظهر متساويًا مع بابا الفاتيكان؛ فجلس الرجلان فقط على المنصة الرئيسة على مقعدين متماثلين، ولم يجلس معهما البابا تواضروس أو غيره؛ في محاولة لإيصال رسالة إلى العالم بأنهما يقفان رأسًا برأس، فشيخ الأزهر يُمثّل المرجعية الأولى للمسلمين على مستوى العالم كما يُمثّل الفاتيكان مرجعية المسيحيين.