في الشرق الأوسط، اُعتبرت الحضارتان المصرية والفارسية لعقود منارتين للتعلم، وساهمتا بشكل كبير في التقدم الإنساني. ومع عودة أميركا الأولى بآثار قوميتها الضيقة، كانت هناك حاجة عالمية إلى حوار الحضارات، ولا تعد هذه الدعوة أمرًا جديدًا؛ حيث عرضها من قبل الرئيس الإيراني الإصلاحي “محمد خاتمي” ورُدِّدت مؤخرًا من قبل إمام الأزهر في البرلمان الألماني.
وكما يحتاج العالم إلى حوار بين الحضارتين الغربية والإسلامية، فإن الحضارة الإسلامية تحتاج إلى حوار داخلي؛ ويمكن أن تكون مصر (أكبر ثالث دولة عربية سنية) وإيران (أكبر دولة شيعية) محركي التحالف في العالم الإسلامي وإعادة الاستقرار إلى المنطقة. وتوترت العلاقة بينهما في أعقاب الثورة الإيرانية عندما قدّم السادات اللجوء للشاه المخلوع ووقع معاهدة السلام مع إسرائيل في 1979.
محاولات التوافق بين الدولتين حدثت من قبل في 2004، دعى رئيس لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الأمن القومي الإيراني إلى إجتماع سري مع أسامة الباز، وغيرها من المحاولات.
وفي إحدى المرات تم الاتفاق على تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية بعد مفاوضات في الإسكندرية؛ لكنها قوبلت بالرفض في النهاية من المستويات العليا من صانعي القرار في مصر وطهران.
ويعتقد ياسين العيوطي، أحد كاتبي هذا المقال، أنه إذا تمت محاولة دبلوماسية مرة آخرى فمن المتوقع نجاحها.
في زيارة للقاهرة في ديسمبر الماضي حدث ترحيب من منظمات غير حكومية بالتقارب بينهما، وأسباب هذا التعاون منها التعاون لمحاربة الإرهاب.
وعلى الرغم من التخوف في مصر من الشيعة؛ فإن العيوطي عمل على كتاب حديث بشأن “الانقسام الشيعي السني” ووجد أنه لا يوجد أساس ديني لهذا الانقسام!
وتوصل العلماء المصريون والإيرانيون في الماضي إلى اتفاقيات تاريخية لإيجاد توافق بين السنة والشيعة؛ ففي أواخر القرن الـ19 تعاون الشيخ المصري محمد عبده مع رجل الدين الإيراني جمال آبادي في خلق حركة إسلامية، وفي القرن الـ20 أنشأ الإيراني آية الله بروجردي وإمام الأزهر محمود شلتوت علاقات ودية، وأصدر شلتوت فتوى للاعتراف بالمذهب الشيعي.
وشارك من قبل الإيراني الراحل رفسنجاني مع يوسف القرضاوي في مناظرة بعد أن أدلى الأخير بتصريحات ضد الشيعة.
بالإضافة إلى زيادة التوترات بين القاهرة وطهران، فإن اعتماد مصر على مجلس التعاون الخليجي ساعد في تضاؤل فرص تقارب مصر مع إيران.
معاناة مصر اقتصاديًا أدت إلى تراجع حظوظها؛ بسبب عدد سكانها، واعتمدت مصر على الإمارات، التي تعاونت مع الأزهر ضد المذهب الوهابي السعودي.
يمكن رؤية البندول التاريخي في سياسة مصر تجاه الخليج الفارسي كرمز للدبلوماسية المصرية التي تهدف إلى توازن العلاقات الخارجية.
مثل هذه الرغبة المشعبة في سياسة مصر الخارجية تجعل استئناف العلاقات المصرية مع طهران ضرورية؛ وهناك أسباب للتفاؤل حول مستقبل العلاقات بينهما نوضحها فيما يلي:
1- رد الفعل السلبي لمجلس التعاون الخليجي تجاه برنامج إيران النووي لم يجد أي تعبير ملموسًا عن التعاطف في القاهرة.
2- الاتهامات الأميركية وبعض دول المنطقة لإيران بتكوين الإرهاب وعدم الاستقرار لم تجد أي صدى في القاهرة.
3- دور مصر في تحالف العرب ضد الحوثيين في اليمن اقتصر على ضمان ممر آمن عبر خليج عدن.
4- دور إيران في دعم النظام السوري عزز بشكل مباشر من خلال اعتراف مصر بحماقة تغيير النظام السوري.
5- علاقات مصر مع الرياض في تصاعد وهبوط، ومن أسبابها تصاعد معارضة الأزهر للقبضة الوهابية على الممارسات الدينية والتعليمية في المملكة.
تعتبر مصر وإيران من الحضارات الأكثر تأثيرًا في التاريخ وقيادة العالم الإسلامي والإنسانية. وإضافة إلى ذلك، فإن فكرة العداء بين مذاهبهما الدينية يتم تضخيمها، ويمكن أن يلعب التعاون بين القاهرة وطهران دورًا حاسمًا في إدارة صراعات المنطقة؛ وهو ما سيخفف من حدة الطائفية بين السنة والشيعة، والتي تحتوي على الحروب الأهلية. ويعتبر لدى مصر وإيران موقف مماثل بشأن داعش والقاعدة؛ ولذا تقع عليهما مسؤولية تأسيس تعاون استراتيجي لإدارة أزمات المنطقة.