“أنا لا أخشى الموت ولا أهابه إنه قضاء الله وقدره، لكني أخشى أن يكون للحكم الذي سوف يصدر ضدي آثار سيئة على زملائي، تصيبهم بالخوف وتقتل فيهم وطنيتهم”، بهذه الكلمات اختصر سليمان خاطر، كيف تتحول العسكرية من وطنية إلى وظيفة إجبارية، يحاكم ويُقتل فيها من عشق تراب وطنه ودافع عنها.
بين موت الجندي سليمان خاطر، الذي توفى في 1986، بعد إدانته بقتل 7 إسرائيلين حاولوا عبور الحدود المصرية، وبين معتقلي الدفاع عن مصرية أراضي “تيران وصنافير” في 2016، ثلاثون عامًا، لم تنجح محاولات محو حب الوطن من قلوب المصريين، رغم كل الانتهاكات.
من هو سليمان خاطر؟
سليمان خاطر هو جندي بسيط في الامن المركزي، تآمر عليه، الموساد والنظام المصري في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، فدفع حياته ثمنًا لإرضاء الصهاينة.
ولد “خاطر” عام 1961 بقرية أكياد البحرية التابعة لمدينة فاقوس في محافظة الشرقية، التحق بقوات الأمن المركزي، بعد إتمامه الشهادة الثانوية، حيث كانت دفعته من آخر الدفعات التي تقبل المتعلمين داخل هذا لقطاع الامني.
أتت خدمة “خاطر” في مكان نائي من جنوب سيناء، يسمى موقع “رأس بركة”، والتي أصبحت منزوعة السلاح بموجب اتفاق كامب ديفيد، الذي منع أي تواجد للجيش المصري او الأسلحة الثقيلة، داخل جنوب سيناء، ولم تسمح الاتفاقية إلا بوجود الشرطة المدنية بسلاح خفيف.
الليلة الأخيرة في تجنيد خاطر
في الوقت الذي بدأ فيه “خاطر” نوبته في حراسة المنطقة، في الساعة الثانية ظهرا، كان مجموعة من السياح الإسرائيلين، يستعدون لصعود الهضبة القريبة من حراسة خاطر، بمجرد انكسار الشمس.
صعدت المجموعة المكونة من 12 شخصًا، إلى الجبل من الناحية المطلة على نقطة المراقبة، عبر المدقات الرملية التي تتخلل صخوره وبينما هؤلاء يصعدون الجبل، رأهم الجندي ووجه لهم تحذيرًا باللغة الإنجليزية قائلًا “Stop .. No Passing أي “قفوا .. ممنوع المرور”.
وبحسب أقوال “خاطر” في التحقيقات فإن المجموعة لم تستمع للتحذيرات وظلوا في طريقهم، ليطلق النار في الهواء، فلم يستجيبوا أيضا، ثم أطلق عليهم النار لصعودهم إلى أماكن محظورة.
أحيل سليمان خاطر إلى المحاكمة العسكرية، لتحكم عليه بـ 25 عامًا، بعد الحادثة بـ 3 شهور، في الثامن والعشرين من ديسمبر عام 1985 وتم نقله إلى السجن الحربي بالقاهرة لقضاء العقوبة الموقعة عليه.
لماذا رفض رؤية أمه في قاعة المحكمة؟
كان من المعروف ارتباط “خاطر” بأمه كثيرًا على العكس في علاقته مع والده الذي توفي قبل الحادث، ولعل هذا الارتباط هو الذي جعله يرفض أن تدخل قاعة المحكمة لتراه وقد أحاطه الجنود وهو يحاكم من أجل دفاعه عن وطنه.
وبرر “خاطر” موقفه بأن لقاءه بوالدته سيكون صعبًا، فخشى أن يؤثر هذا المشهد على نفسية الجنود المصريين فتضعف مقاومتهم ويصعب عليهم رفع السلاح في وجه العدو (الإسرائيلي).
ترحيب اسرائيلي
أعرب “موسى ساسون” سفير إسرائيل في القاهرة، حينذاك عن ثقته التامة في القضاء المصري، وقال: “إن هذه الثقة تأكدت بعد صدور الحكم”.
ووصفت الجرائد الإسرائيلية وأهل القتلى السبعة الحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة على سليمان خاطر بأنه حكم مخفف وهزلي وهزيل!
الجرائد المصرية الموالية للحزب الوطني
بحسب سفير اسرائيل، فإن جرائد “الجمهورية” و”أخبار اليوم” و”المصور”، قامت بحملة ضد المجند والمعارضة المدافعة عنه، حيث وصفت “خاطر” أنه بطل “وهمي” صنعته المعارضة، ووصفته بأنه “قاتل الأطفال والنساء”، الأمر الذي وجد ترحيبًا من الجانب الإسرائيلي.
إعلان خبر موته
في7 يناير 1986، أي بعد محاكمته بأيام، أعلنت الإذاعة ونشرت الصحف خبر انتحار الجندي سليمان خاطر في ظروف غامضة، ولم يتم التحقيق في الواقعة وأغلقت القضية على ذلك.
وأذاع راديو لندن الخبر قائلًا: “إن الحكم كان صدمة لرجل الشارع في مصر، وبالفعل تسبب في خروج الآلاف من المصريين والعرب في مسيرات تطالب بالثأر والقصاص، وتؤكد أن خاطر تم اغتياله، ولم ينتحر، فهتفت له الجماهير: سليمان خاطر مات مقتول، مات علشان مقدرش يخون”.
الرواية الرسمية
وفقًا للطبّ الشرعيّ فقد انتحر “سليمان”، حيث وجد معلقا من رقبته بمشمع الفراش الخاص به بالقضبان الحديدية بشباك غرفته بالمستشفى، بالإضافة إلى شهادات تفيد بأنه مريض نفسي، ولكن شهادة الأهل جاءت لتخالف ما أفصح به المسؤولون حينذاك فشككوا في رواية الانتحار، إذ أنهم وجدوا أظافره متكسّرة، وهذا يدل على مقاومة من سليمان لقاتله، حيث كان يريد النجاة ويدافع من أجل حياته.
الزيارة المفاجئة
واحد الادلة التي يؤكد بها أهل “خاطر” أنه مات مقتولًا، أنه قبل وفاته بيوم واحد جُهزت لهم زيارة مفاجئة، وعندما ذهبوا لابنهم، قال لهم أحد الضباط المسؤولين بالسجن: من تريدون: وجهَّز الزيارة التي تمّ إخبارهم بها في يومها.
وأكد أهل “خاطر”، أنه في تلك الليلة طلب منهم عدة أشياء، منها بدلة من الصوف ومعجون أسنان وكتبًا في القانون، متسائلين كيف لشخص يطلب هذا ان يفكر في الانتحار؟.
سليمان حي يرزق
سليمان حي يرزق، ليس فقط لأنه شهيد مات غدرًا بأيدي خونة من أبناء وطنه لأنه يدافع عن أرضها، بحسب رواية أهله، بل أيضًا لأنل الأوراق الرسمية حتى الآن لم تعترف بموته بالرغم من إعلان خبر الانتحار، حيث تعنت نظام مبارك طول سنوات في استخراج شهادة وفاة للجندي سليمان خاطر، وناشدت أخت الجندي خاطر المسؤولين استخراج الشهادة، ومعاملته معاملة الشهداء، كما طالب حمدي كسكين، زميل وصديق خاطر خلال إحياء ذكرى وفاته.